قصة حرف
3 ذو الحجه 1434
إسماعيل باشا

حزمة الإصلاحات التي أعلنها رئيس الوزراء التركي رجب طيب أردوغان قبل أيام شملت تعديلات تشريعية وإدارية عديدة، بدءا من النظام الانتخابي وصولا إلى السماح للأحزاب بالدعاية باللغات غير التركية والسماح للسيدات بارتداء الحجاب في المؤسسات العامة، وغير ذلك من الإصلاحات التي قال أردوغان: إنها لن تكون الأخيرة بل هي البداية في طريق تعزيز الديمقراطية في البلاد وستعقبها إصلاحات أخرى.

 

وكان من بين الإصلاحات السماح باستخدام حروف «w» و «x» و «q» في الكتابات الرسمية، وهي حروف غير موجودة في اللغة التركية، ولكنها تستخدم في كتابة اللغة الكردية بالحروف اللاتينية. وكان استخدام هذه الحروف في التعاملات الرسمية ممنوعا ولم تكن الأسماء الكردية التي تحتوي هذه الحروف تسجل رسميا بحجة أنها ليست من الحروف التركية.

 

اللغة التركية القديمة المسماة «العثمانية» كانت تكتب بالحروف العربية وعندما قرر مؤسس الجمهورية التركية كمال أتاتورك تغيير الحروف كاد حرف «q» يضاف إلى الحروف التركية الجديدة إلا أنه في اللحظة الأخيرة تم التراجع عن ذلك.

 

المؤرخ الشهير مصطفى أرماغان يحكي في مقاله الأخير في صحيفة «زمان» التركية هذه القصة نقلا عن فالح رفقي أتاي، أحد أصدقاء أتاتورك المقربين، حيث يذكر أتاي في كتابه «تشانكايا» أن حرف «q» تم استبعاده من الأبجدية التركية الجديدة والاكتفاء بوجود حرف «k». وفي مساء اليوم الذي عرضت فيه الحروف الجديدة على أتاتورك، اعترض كاظم باشا قائلا «كيف سأكتب اسمي؟» وطلب إضافة حرف «q» إلى الأبجدية، وأجاب أتاتورك: «لا بأس من إضافة حرف واحد».

 

ويستطرد أتاي -وفقا لما نقل أرماغان- أنه قابل أتاتورك صباح اليوم التالي ليشرح له «خطورة» إضافة حرف «q» إلى الأبجدية الجديدة، وأنه سيعرقل عملية تتريك الكلمات العربية وطلب أتاتورك ورقة كتب عليها اسمه «كمال» مرتين؛ في الأولى بحرف «q» وفي الثانية بحرف «k»، ولم تعجبه الأولى، أي كتابته بحرف «q» وبالتالي تراجع عن قرار إضافة هذا الحرف إلى الأبجدية التركية.

 

والطريف في القصة أن أتاي يشير إلى أن أتاتورك لم يكن يعرف كتابة الحروف الكبيرة (كابيتال)، وكان يكتفي فقط بكتابة الحرف الصغير بشكل أكبر من الحروف الأخرى. ولذلك عندما كتب اسمه بحرف «q» كتب بالحرف الصغير بدلا من أن يكتب بالحرف الكبير «Q». ويضيف أتاي أن أتاتورك لو كان يعرف كتابة حرف «Q» الكبير لأعجبه وأضافه إلى الأبجدية التركية.

 

هذه هي قصة حرف «q» مع الأبجدية التركية، وهي قصة تحكي لنا أيضا عقلية الدكتاتور في اتخاذ القرارات بمصير الشعب والدولة، وأنه يتحرك حسب مزاجه حتى في اللحظات الحاسمة.

 

حينما كنا في المرحلة الابتدائية كان يشرح لنا المدرسون سبب تغيير الحروف ويقولون: إن اللغة العثمانية كانت صعبة وكان معظم الناس يجهلون القراءة والكتابة، ولذلك تم تغيير الحروف ليتعلم المواطنون القراءة والكتابة بلغتهم بكل سهولة. ولكن الأمر في الحقيقة لم يكن كما يروج له.

 

عصمت إينونو، الرئيس الثاني للجمهورية التركية وخليفة أتاتورك، يشير في مذكراته المنشورة إلى أن تغيير الأبجدية والحروف لم يكن الهدف منه تسهيل تعلم القراءة والكتابة، بل كان الهدف قطع علاقة الأجيال القادمة بالعالم العربي والإسلامي، وأن الأجيال القادمة لن تتمكن من تعلم اللغة العثمانية وقراءة الكتب القديمة، وأما الكتب التي ستتم طباعتها ونشرها بعد تغيير الحروف فستكون تحت رقابة الحكومة، وبهذه الطريقة سيتم القضاء على تأثير الدين على المجتمع. اليوم بعد 85 عاما من قبول قانون الحروف التركية الجديدة، ها هو حرف «q» يتحرر، وإن لم تتم إضافته إلى الأبجدية التركية، ولكن الذي يتحرر في الواقع هو المجتمع التركي بكل شرائحه من القيود المفروضة عليه منذ عقود.