بديل الكيماوي في قتل السوريين
19 ذو القعدة 1434
تقرير إخباري ـ المسلم

بعد توثيق أكثر من 107 آلاف من الشهداء والقتلى في سوريا , وفقدان أكثر من 90 ألف شخص , بالإضافة إلى ستة ملايين نازح داخل سوريا , وقرابة مليونان ونصف لاجئ خارجها , ونحو 5 أشخاص يلقون مصرعهم في كل ساعة بسوريا , بينما يقتل في كل ساعتين طفل هناك وامرأة كل ثلاث ساعات منذ عامين ونصف حسب الشبكة السورية لحقوق الإنسان , تحرك المجتمع الدولي عند استخدام النظام السوري للأسلحة الكيماوية في الغوطة بريف دمشق , والتي راح ضحيتها أكثر من 1600 سوري في 21 أغسطس الماضي .
لم يتحرك المجتمع الدولي بالطبع حماية لدماء وأرواح السوريين , وإنما تحرك حماية لمصالحه ومصالح حليفته إسرائيل , وبعد تهديد ووعيد من كل من الولايات المتحدة الأمريكية والغرب , وبعد حشد القوات واستعراض العضلات , وترقب الضربة العسكرية ضد قوات بشار , خرج علينا الاتفاق الأمريكي الروسي بنزع أسلحة سوريا الكيماوية وتدميرها , دون أي ذكر لمعاقبة المجرم على جريمته , في إشارة لمدى انحطاط الفكر الأمريكي والغربي , الذي لا يكترث بدماء وأرواح الآدميين , وإنما يهتم بمصلحته ومصلحة إسرائيل بتدمير الكيماوي .
وحتى يمح الغرب بعض آثار العار والشنار الذي لحقه من ترك معاقبة بشار على استخدامه الكيماوي ضد شعبه , وقتله للأطفال والنساء والرجال وهم نيام , زعم أن تدمير كيماوي بشار هدفه حماية السوريين من استخدامه ضدهم مرة أخرى , وكأن بشار يقتل شعبه بالكيماوي فقط ؟! أو كأن الكيماوي هو من يقتل السوريين فحسب؟!
ومع أن أمثال هذه المواقف المخزية من قبل الأمريكان والغرب ليست بجديدة ولا غريبة , وقد ذقنا طعم مرارتها أكثر من مرة , إلا أن ضعف العرب والمسلمين وقلة حيلتهم , وعدم دعمهم الجيش السوري الحر بالشكل الكافي , جعلهم ينتظرون دائما التحرك الأمريكي والغربي , والذي لا يمكن أن يحصل إلا بتنازلات كبيرة ومشينة , لا تقل في ضخامتها وآثارها عن تضحيات السوريين اليومية الحالية .
لقد كان هذا اتفاق كيري لافروف بمثابة قبلة الحياة لنظام بشار , وفيه من الإشارات السلبية ما يجعل مرحلة ما بعد الكيماوي أشد وطأة وأكثر كلفة على الشعب السوري وثورته المباركة مما قبل استخدامه , نظرا لكون الاتفاق يحمل في طياته ضوءا أمريكيا غربيا أخضر لبشار وحلفائه , بأنه لا بأس بقتل السوريين وقمع الثورة بكل وسائل القتل وألوانه المختلفة , دون أن يستخدم السلاح الكيماوي , نظرا للحرج الشديد الذي يمثله استخدام مثل هذا السلاح - المحظور دوليا – للغرب أمام شعوبها ومبادئها المزعومة , إضافة للمخاوف الشديدة من وقوعه بيد الثوار وتهديده لأمن اليهود في فلسطين المحتلة .
وقد تلقى بشار وحلفاؤه رسالة أمريكا والغرب وفهموها جيدا , وقاموا بتنفيذها فور إعلان اتفاق كيري لافروف في 14 من الشهر الجاري , حيث عاودت قوات بشار ومليشيا حزب الله ارتكاب المجازر بحق المدنيين السوريين كما السابق وأكثر , فكانت مجزرة قرية كفر زيتا في 18/9/2013 في ريف إدلب , والتي راح ضحيتها 24 شهيدا من المدنيين , ثم تبعتها مجزرة مروعة في 12/9/2013 في قرية الشيخ حديد في ريف حماة , راح ضحيتها 15 شهيدا بينهم أطفال وشيوخ .
وبالإضافة لهذه المجازر عاد الطيران الحربي الأسدي لشن غاراته على المدن والمحافظات السورية , ناهيك عن الهجوم المدفعي والصاروخي المتكرر , والذي لم يهدأ بعد الاتفاق الأمريكي الروسي , مما حدا بالسوريين أن يجعلوا شعار مظاهرات جمعة 6/9/2013 (ليس بالكيماوي وحده يقتل الأسد أطفالنا) .
إضافة لكل هذه الأسلحة التقليدية والكيماوية التي تقتل الشعب السوري , هناك سلاح آخر لا يقل فتكا عن سابقتها , ألا وهو سلاح الحصار والتجويع الذي يمارسه بشار وحلفاؤه بحق الكثير من المدن والبلدات السورية الثائرة .
فمن مدينة حمص في وسط سوريا , والتي كان بدايات الحصار فيها أوائل عام 2012م وحتى الآن , إلى ريف دمشق الذي يعاني من حصار على غوطتيه الشرقية والغربية منذ قرابة عام , والذي اشتد في الآونة الأخيرة , وخاصة بعد اتفاق كيري لافروف , إلى المناطق الجنوبية لدمشق التي أعلنها المكتب الإغاثي الموحد منطقة منكوبة ومهددة بكارثة إنسانية , حيث الحصار الخانق منذ تسعة أشهر , وقد أطلق النظام السوري على حملة حصاره هذه اسم : ( الجوع أو الركوع) , إلى مناطق أخرى محاصرة بدمشق وريفها كالقابون وبرزة وجوبر وغيرها .
وقد ذكرت الكثير من التقارير لمحة بسيطة عن معاناة المدنيين والعائلات التي تعيش في تلك المناطق المحاصرة , والتي تتمثل بنقص شديد لمادة الطحين لصنع الخبز الغذاء الرئيسي للسكان هناك , إضافة لنقص شديد في الأدوية , مع انقطاع تام للكهرباء وشح في المياه الصالحة للشرب , مما أدى لانتشار الأمراض والأوبئة في صفوف المدنيين , وخاصة الأطفال والشيوخ وأصحاب الأمراض المزمنة , ناهيك عن القصف المتواصل الذي تتعرض له هذه المناطق يوميا .
لقد أطلق الناشطون والصحفيون نداءات استغاثة كثيرة من داخل تلك المناطق للمجتمع الدولي , للتحرك العاجل لإنقاذ الناس من الموت جوعا وعطشا ومرضا دون جدوى , بينما تحرك هذا المجتمع الدولي سريعا بسبب الكيماوي , وأجبر بشار وحلفاءه على إدخال المفتشين الدوليين إلى الغوطة بريف دمشق في غضون أيام إن لم نقل ساعات , بينما فشل حتى اليوم بإدخال فرق الإغاثة الإنسانية إلى تلك المناطق المحاصرة المنكوبة .
وفيما حمل الائتلاف الوطني لقوى الثورة والمعارضة السورية المجتمع الدولي المسؤولية الكاملة عن حرب الإبادة الإنسانية التي يرتكبها بشار وحلفاؤه بحق السوريين في دمشق وريفها وباقي المحافظات السورية , ويدعوه للتدخل والتحرك السريع والعاجل لوقف قتل السوريين بسلاح الحصار والتجويع البديل للسلاح الكيماوي , حيث يحوم شبح المجاعة فوق مليونين من السكان والنازحين المحاصرين , خاصة مع اقتراب فصل الشتاء , تبقى آمال استيقاظ مشاعر الإنسانية في ذلك الكيان الدولي المصطنع بعيدة عن المنال , فهي لغة لم تعد رائجة هذه الأيام مقارنة بلغة النفعية والمصالح المادية .
لقد تحركت مشاعر الإنسانية بقلوب بعض رجال قريش في زمن الجاهلية , ممن لم يكن على دين محمد صلى الله عليه وسلم , لنقض صحيفة المقاطعة والحصار التي فرضتها قريش على المسلمين وبني هاشم وبني المطلب الذين يناصرونهم , فقام كل من هشام بن عمرو وزهير بن أمية والمطعم بن عدي وأبو البختري بن هشام وزمعة بن الأسود بالاتفاق بنقض الصحيفة الظالمة .
وفي صبيحة ليلة الاتفاق غدا زهير بن أبي أمية عليه حلة فطاف بالبيت سبعا ، ثم أقبل على الناس فقال : يأهل مكة أنأكل الطعام ونلبس الثياب وبنو هاشم هلكى لا يباع ولا يبتاع منهم , والله لا أقعد حتى تشق هذه الصحيفة القاطعة الظالمة . (1)
فهل أصبح المجتمع الدولي في القرن الحادي والعشرين أشد جاهلية وأقل إنسانية من القرن السادس الميلادي ؟!
(1) الروض الأنف شرح سيرة ابن هشام للسهيلي 3/217-218