تقية المالكي
17 ذو القعدة 1434
د. عامر الهوشان

ليس جديدا ولا غريبا أن يستعمل الشيعة مبدأ التقية في أزمانهم وأماكن تواجدهم , ليس على مستوى العمائم السوداء خارج الحسينيات فقط , ولا حتى على مستوى الساسة والقادة في الحكم فحسب , بل على مستوى أفراد الشيعة وعامتهم , فربما تعيش مع بعض هؤلاء عشرات السنين في حي أو عمارة , دون أن يظهر لك حقيقة دينه وما يخفيه من كره لأهل السنة والصحابة الكرام , ولكن الغريب أن يصدق بعض أهل السنة ما يظهره الشيعة أو يبدوه لهم من مودة أو سلام .
ومن المعلوم أن معنى التقية أن يقول الإنسان أو يفعل غير ما يعتقد ليدفع الشر والسوء عن نفسه أو ماله أو عرضه , وهو بهذا المعنى رخصة يمكن أن يلجأ إليها المسلم عند الضرورة , كما فعل عمار بن ياسر رضي الله عنه حين اشتد أذى المشركين عليه وعلى والديه , فقال كلاما بلسانه - وقلبه مطمئن بالإيمان - ذكر فيه آلهة المشركين بخير ونال فيه من النبي صلى الله عليه وسلم , فقال له صلى الله عليه وسلم : (إن عادوا فعد) (1) , أما أن تصبح دينا ومبدأ وركنا أساسيا في الدين كما هو الحال عند الشيعة , فهو ما لا يقره شرع أو دين .
لقد غالى الشيعة كثيرا في الأخذ بمبدأ التقية , حتى وصلوا بها إلى جعلها تسعة أعشار الدين , فلا دين لمن لا تقية له كما جاء في كتاب الكافي للكليني , بل إن الكليني عقد بابا خاصا لهذه العقيدة ذكر فيه 23 حديثا تؤيدها , ثم ألحق به بابا آخر عن الكتمان تأمر الشيعة بكتمان دينهم وعقيدتهم وذكر فيه (16) حديثا .
ومن المعلوم أن الشيعة يعتقدون بوجوب معاشرة أهل السنة بالتقية , كما أن ديار أهل السنة تسمى عند الشيعة (دار التقية) وقد جاء في بحار الأنوار للمجلسي ما نصه : (والتقية في دار التقية واجبة) كما يطلقون على ديار أهل السنة (بدولة الباطل) ( من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فلا يتكلم في دولة الباطل إلا بالتقية) بحار الأنوار 75/412 .
كل ما سبق ليس غريبا على الشيعة , واستخدامهم للتقية مع أهل السنة أصبح واضحا وفاضحا في هذا العصر , ولكن الغريب بعد كل ذلك أن يصدق أهل السنة خديعة الشيعة وتقيتهم , أو أن يركنوا إلى ما يظهرون ويعلنون .
فها هو المالكي يمارس مبدأ التقية مع أهل السنة في العراق , من خلال توقيعه ما سمي بوثيقة الشرف والسلم الاجتماعي , والتي كان غالب الحضور فيها والموقعين عليها من دولة القانون الذي يرأسه للمالكي , كما أشار لذلك عضو كتلة الأحرار النيابية النائب جواد الشهيلي , وقد غاب عن الاجتماع كل من رئيس قائمة العراقية إياد علاوي , ورئيس جبهة الحوار الوطني نائ رئيس الوزراء صالح المطلق , وكذلك قادة الاعتصامات في المدن السنية المنتفضة منذ نهاية العام الماضي على سياسات الإقصاء والتهميش والتنكيل التي تمارسها حكومة المالكي الشيعية بحق أهل السنة في العراق .
والمثير للسخرية في توقيت توقيع هذه الوثيقة , أنها تزامنت مع حملة قتل وتهجير لأهل السنة من بيوتهم , وخاصة في المناطق والمحافظات الجنوبية , حيث اتهم رئيس الديوان السني أحمد عبد الغفور السامرائي سلطات المالكي بالتخاذل عن حماية العائلات السنية في الجنوب , وانتقد ما سماه غض الطرف عن المليشيات المسلحة واستهدافها لمساجد أهل السنة والأئمة والمصلين .
وأشار السامرائي إلى مقتل 242 مسلما من رواد المساجد خلال الشهرين الماضيين في تلك المناطق , الأمر الذي اضطر الديوان السني لإغلاق مساجدهم في المناطق المحافظات الجنوبية خوفا من العمليات المسلحة ضد أهل السنة عاما والمصلين في المساجد خاصة .
ومع قرار الإغلاق للمساجد فإن عمليات قتل أهل السنة لم يتوقف , فقد صرح الشيخ عبد الكريم الخزرجي مدير ديوان الوقف السني في المنطقة الجنوبية (للشرق الأوسط ) : إن الأيام العشرة الماضية شهدت مقتل 15 شخصا من أهل السنة في البصرة منهم خطيبان وموظفان في الديوان .
وما إن فتحت مساجد أهل السنة أبوابها للمصلين أمس الجمعة , حتى كانت العملية الإرهابية بمسجد (مصعب بن عمير) في منطقة (الرقة) التابعة لقضاء سامراء جنوب مدينة تكريت , والتي راح ضحيتها (12) مصليا وإصابة أكثر من (27) آخرين بجروح , كما أفادت هيئة علماء المسلمين بالعراق .
إن المدقق في هذه عمليات القتل والتهجير التي تطال أهل السنة في العراق , يمكنه أن يلاحظ تركيز المليشيات الشيعية على :
1- رموز وقيادات أهل السنة كالأئمة والخطباء والعلماء , نظرا لكونهم الموجه والمرجع لعامة أهل السنة .
2- المصلين والملتزمين دينيا بشكل عام من أهل السنة , نظرا لخطورتهم على الشيعة في المستقبل كما يعتقدون .
3- كما أن الهدف الأهم من هذه العمليات هو تهجير المسلمين من تلك المناطق , من أجل إحداث تغيير ديمغرافي لصالح الشيعة في العراق , والزعم بأنهم هم الأغلبية في بعض المناطق , رغم أنهم كانوا وما زالوا أقل من أهل السنة في العراق .
لن تنفع المالكي تقيته بالتوقيع على وثيقة شرف لا يحمل أمثاله من الشيعة من معاني الشرف وسماته أي شيء , ولن تستطيع دعوى السلم الاجتماعي المسطور في تلك الوثيقة على الورق , أن يحجب لون دم أهل السنة القاني الذي يسيل من بين يدي المالكي .
لقد آن لأهل السنة في العراق أن يتعلموا من تجاربهم السابقة , وآن لهم أن يفهموا ألاعيب وحيل الشيعة , والتي من أهمها وأخطرها مبدأ التقية , الذي يظهرون من خلالها لأهل السنة الوداعة والمهادنة , بينما يضمرون في قلوبهم الغدر والخيانة , فأمثال وثيقة الشرف والسلم الاجتماعي , ما هي إلا كسب للوقت وتوهين لعزيمة الثائرين وتفريق للمجتمعين من أهل السنة .
فهل ما زال من بين أهل السنة في العراق من يصدق تقية المالكي أو يركن إليها ؟!

(1) سنن البيهقي الكبرى 8/208 برقم 16673