غسيل العقول
16 ذو القعدة 1434
خالد مصطفى

أصبحت أدوات السيطرة على الجماهير من العناصر الأساسية للعبة السياسية التي صنعتها النخب في العالم لتحقيق مصالحها وتخدير الشعوب وإيهامها بأنها الأقدر على معرفة ما ينفعها وبالتالي عليها تسليم القيادة لها..

 

إن المدقق في المشهد السياسي بشكل عام داخل الدول العربية والإسلامية يجد أنه يأتي كانعكاس في كثير من أجزائه عن المشهد السياسي في العالم..فلقد استوردنا طريقة إدارة البلاد والنظم السياسية المطبقة في الخارج بحسناتها ومساوئها وإن كنا استغرقنا أكثر في المساوئ لأن الشعوب الغربية أصبحت أكثر وعيا وثقافة وهو ما جعل حجم غسل عقولها أقل خطورة على الأقل بالنسبة لرؤية مصالحها الداخلية ..

 

أما الشعوب العربية فلا زالت تدور في حلقة مفرغة وتسير في نفق مظلم منذ أن عانت من الاحتلال الاجنبي الذي أفقرها وصادر حريتها وغيّب وعيها وعمل على تجهيلها ليسهل عليه قيادتها ثم مع الأنظمة العسكرية الاستبدادية التي ورثت الاحتلال ودخلت معه في صفقات سرية للجلاء وحفظ المصالح وقامت بتنفيذ الكثير من سياسته في التعامل مع الجماهير للحفاظ على الحكم لأطول فترة ممكنة وكأنها تحصل على ثمن وقوفها في وجه الاحتلال حتى ولو كان في كثير من الأحيان وقوفا شكليا يخدم مصالح احتلال آخر ونفوذ آخر في هذه الدول..

 

لقد فطنت النخب السياسية في العالم كله لضرورة وأهمية أجهزة الإعلام والسيطرة عليها لغسل عقول الجماهير وبث الأفكار التي تريدها فقط ومنع الأفكار التي ترى أنها لا تخدم مصالحهم وازدادت أهمية أجهزة الإعلام مع اتساع المسافات وكثرة أعداد السكان وصعوبة التواصل معهم بشكل مباشر..

 

وكانت هذه الأجهزة في بؤرة اهتمام الحكام الجدد في عالمنا العربي عقب زوال الاحتلال واهتموا بفتح قنوات للإذاعة والتليفزيون وراعوا أن تكون تحت السيطرة الكاملة للحكومة وأن تتبع إدارتها السلطة بشكل مباشر عن طريق وزير  يتم اختياره بعناية, وتم وضع سياسات إعلامية دقيقة لتوجيه الجماهير, وشهدنا أمجادا تصنع في الخيال عن طريق هذه الأجهزة الإعلامية الحكومية ورأينا معارك وانتصارات لا توجد في الواقع فقط لأن الإعلام أرادها وزينها للمواطنين بل رأينا هزائم يتم تحويلها لانتصارات بامر الإعلام.. وظلت الجماهير تعيش لعقود طويلة في غياب عن الوعي حتى جاءت ثورة الاتصالات وظهر الإنترنت والموبيل والفضائيات وبدأت المعلومات تتدفق من شتى الوسائل وهنا شعرت النخب الحاكمة وغير الحاكمة بالأزمة فبدأت حملتها للسيطرة قدر ما تستطيع على الإعلام الجديد ولأن الإعلام المرئي أكثر تأثيرا فقد ركزت اهتمامها به وتحالفت مع رؤوس الأموال التي تحتاج إلى دعمها من أجل تشكيل مجموعة قنوات تمثل لوبيا ضاغطا لتحقيق مصالحها ورأينا قنوات خاصة توالي السلطة وقنوات أخرى تعارض بشكل صوري لتجميل السلطة..في نفس الوقت بدأت بعض البلدان التضييق على المواقع الإخبارية على شبكة الإنترنت وعلى مواقع التواصل الاجتماعي حتى لا يصل إلى الجماهير إلا فكرة واحدة فقط هي ما تريده هذه النخب..

 

إن أمريكا ضربت المثال في هذا التوجه عندما أعلنت الحرب على ما أسمته وقتها "الإرهاب" وحشدت إعلامها والمرئي والمسموع والمكتوب من اجل هدف واحد هو تشويه المسلمين والعرب وبعد مرو أكثر من عقد بدأت الحقائق تتكشف واستيقظ الشعب الأمريكي على الخديعة الكبرى التي عاشها وعلم أنه تم التلاعب به لخدمة مصالح سياسية للمحافظين الجدد..الغريب أن هناك من يقوم الآن وفي عالمنا العربي بنفس الخديعة وبنفس الأسلوب ونرى فئات من الشعب تسير في نفس الاتجاه دون أن تفكر أو تراجع التاريخ القريب الذي ما زال ماثلا..

 

إنها خدعة الإعلام وكذب الصورة المفبركة والإلحاح وتطبيق نظرية "اكذب ثم اكذب حتى يصدقك الناس"..