5 صفر 1435

السؤال

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.. جزاكم الله خيرا على مجهوداتكم ونسأل الله أن يجعله في ميزان حسناتكم، أما بعد: فمشكلتي أﻧﻨﻲ تعرفت على فتاة من ﺧﻼل اﻟﻔﻴﺴﺒﻮك، واﺳﺘﻤﺮ اﻟﺤﺪﻳﺚ ﺑﻴﻨﻨﺎ لفترة، تطورت خلالها ﻋﻼﻗﺘﻨﺎ لإﻋﺠﺎب ﻣﺘﺒﺎدل، قد ﻟﻤﺴﺖ ﻓﻴﻬﺎ اﻟﺤﻴﺎء والالتزام، واﻟﺘﺪﻳﻦ، ﻓﻘﺮرت أن اﺧﺘﺎرﻫﺎ زوجة لي في المستقبل، وأخبرتها بقراري فرحبت به، وﻣﻊ اﻟﻮﻗﺖ زاد ﺗﻌﻠﻘﻬﺎ ﺑﻲ بخلافي، لأنني لم أخترها إلا لأنها ملتزمة وذات حياء وأرتاح للحديث معها، وليس لتعلقي بها ذلك التعلق الذي يجعلني أحبها ولا أطيق فراقها، وقد استمرت علاقتنا وﺣﺪﻳﺜﻨﺎ ﻋﻠﻰ اﻟﻔﻴﺴﺒﻮك لمدة ﺛﻤﺎﻧﻴﺔ أﺷﻬﺮ، اﻟﺘﻘﻴﻨﺎ خلالها ﻣﺮة واﺣﺪة ﻓﻲ اﻟﺠﺎﻣﻌﺔ ﻟﻤﺪة رﺑﻊ ﺳﺎﻋﺔ ﺑﻌﺪ إﻟﺤﺎح ﻣﻨﻲ، إلا أنني اكتشفت ﻗﺒﻞ أﺳﺒﻮﻋﻴﻦ أﻧﻬﺎ أرﺳﻠﺖ ﻟﺼﺪﻳﻘﺘﻬﺎ راﺑﻄﺎ ﻳﺤﺘﻮي ﻋﻠﻰ ﺣﻮار أو ﺧﺼﺎم ﺑﻴﻦ ﺻﺪﻳﻘﺘﻴﻦ، وﻓﻴﻪ ﻛﻼم ﻓﺎﺣﺶ وﻣﺨﻞ ﺑﺎلأﺧﻼق، ﺣﻴﻨﻬﺎ ﺻدمت وﻟﻢ أﺻﺪق ﻣﺎ رأﻳته، وﻋﻨﺪﻣﺎ سألتها ﺑخصوص هذا الأﻣﺮ أخبرتني بأنها لم تقرأ محتوى الكلام، بل أرسلته ﻓﻘﻂ ﻟﺘطلع ﺻﺪﻳﻘﺘﻬﺎ على ذﻟﻚ اﻟﺨﺼﺎم، وأﻗﺴﻤﺖ لي أنها صادقة في كلامها، ولأطمئن على نزاهتها وأتأكد من صدقها قررت أن آخذ اﻟﺒﺎﺳﻮورد اﻟﺨﺎص ﺑﺤﺴﺎﺑﻬﺎ ﻋﻠﻰ اﻟﻔﻴﺴﺒﻮك، وأطلع على ﻛﻞ ﺗﻔﺎﺻﻴﻞ حواراتها مع أصدقائها، ورﺳﺎﺋلها، وﺗﻌﻠﻴﻘﺎتها، وﻣﻨﺸﻮراتها.. فاﻛﺘﺸﻔﺖ أﻧﻨﻲ للأسف كنت مخدوعا فيها، وأﻧﻬﺎ ﻛﺎﻧﺖ ﺗﺘﺤﺪث ﻣﻊ زﻣلاﺌﻬﺎ ﻓﻲ اﻟﻘﺴﻢ ﺑﻜﻞ ﺣﺮﻳﺔ وﻣﻦ دون ﻗﻴﻮد، على الرغم من ﻋﻠﻤﻬﺎ بأﻧﻨﻲ ﻏﻴﻮر ﺟﺪا وﻻ أﻗﺒﻞ أن يكون للفتاة اﻟﺘﻲ ﺳأﺗﺰوح بها علاقة مع رﺟال ﻣﻦ ﻗﺒﻠﻲ أو سبق لها أنها تحادثهم، ووﺟﺪت بأن ﻛﻼﻣﻬﺎ كان ﺗﺎﻓها ﺟﺪا،وأن لديها رغبة جامحة في الضحك والمرح بدون التزام بأي حدود،وليس لديها اهتمام بالحديث ﻓﻲ أمور اﻟﺪﻳﻦ إﻻ ﻧﺎدرا ﺟﺪا، وأغلب ﺣﻮاراﺗﻬﺎ ﻣﻊ ﺻﺪﻳﻘﺎﺗﻬﺎ دون اﻟﻤﺴﺘﻮى، وﻏﻴﺮ أﺧﻼﻗيه أﺣﻴﺎﻧﺎ، وليس ﻟﺪﻳﻬﺎ التزام ديني ولا ﻧﻀﺞ ﻓﻜﺮي، وقد ﻛﻨﺖ أﻇنها مختلفة ﻋﻦ ﺑﺎﻗﻲ اﻟﺒﻨﺎت، وأن ﺗﺪﻳﻨﻬﺎ ﺳﻴﺤﻤﻴﻬﺎ ﻣﻦ رﻓﻴﻘﺎت اﻟﺴﻮء، ولكنها كانت مثلهم فتاة ﻣﺘﻔﺘﺤﺔ وﻣﻌﺎﺻﺮة، وﻟﻴﺴﺖ ﺗﻠﻚ اﻟﻔﺘﺎة اﻟﻤﺤﺎﻓﻈﺔ التي كنت أنوي الزواج بها، ومع ذلك أعترف بأنها تتصف ببعض اﻟﻤﻤﻴﺰات، ولن أجد من تحبني مثلها، وأخشى إن ﻓﺎرﻗﺘﻬﺎ أن تتعب بسببي خاصة وأنها رفضت ثلاث أشخاص تقدموا لخطبتها لأجلي، وقد واﺟﻬﺘﻬﺎ ﺑﻜﻞ ﻣﺎ عرفته عنها وعن أحوالها، فبررت لي حديثها مع زملائها ﺑﺘﻠﻚ اﻟﻄﺮﻳﻘﺔ لأنهم بمثابة إخوة لها، واعتذرت لي واعترفت بخطئها وندمها، وتوبتها، وطلبت مني أن أمنحها فرصة أخرى لتثبت لي ذلك، واستعطفتني كي لا أفارقها بأي حال، إلا أنني لم أعد أﺮاﻫﺎ صالحة للزواج بعد الذي رأيته منها، وأنا الآن في حيرة من أمري هل أتخلى عن هذه الفتاة على الرغم من حبها لي واستحساني لبعض مميزاتها؟؟ أم أقبل بها كزوجة وأسامحها على أخطائها وتصرفاتها الطائشة، مع عدم قدرتي على نسيان ﻣﺎ راﻳﺘﻪ في حسابها؟؟ ﻻ أﻋﻠﻢ كيف أتصرف، وما هو الرأي الصواب والقرار الصحيح الذي علي اتخاذه بشأنها، أفيدوني وﺟﺰاﻛﻢ اﻟﻠﻪ ﺧﻴﺮا..

أجاب عنها:
صفية الودغيري

الجواب

بسم الله الرحمن الرحيم والصلاة والسلام الأتمان الأكملان على سيدنا محمد وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين أما بعد: أخي الكريم، بداية أشكرك على رسالتك، وعلى ثقتك بموقع المسلم، أما بالنسبة لمشكلتك فألخصها في أمور منها:
ـ صدمتك في الفتاة التي قررت الزواج منها بعد أن تعرفت عليها عن طريق برنامج التواصل الفيسبوك..
ـ اكتشافك لحقيقة شخصيتها المتحررة التي ليس لديها نضج فكري ولا التزام ديني من خلال اطلاعك على طبيعة حواراتها مع زملائها وصديقاتها على حسابها الخاص على الفيسبوك..
ـ عدم قدرتك على اتخاذ القرار الصائب بشأن زواجك من هذه الفتاة وترددك في قبول اعتذارها ومبرراتها والاطمئنان لتوبتها واستقامتها..
أما النصائح والإرشادات التي أقدمها لك فهي كما يلي:
بداية أقول لأخي الفاضل أكرمك الله: إن نجاح الحياة الزوجية وإنشاء أسرة إسلامية سعيدة يعتمد بالأساس على إقامة قواعدها على أرضية صلبة وثابتة، وصلاح الأمم والمجتمعات رهين بصلاح أبنائها واستقامتهم، ولهذا يستوجب تنظيم العلاقة التي تربط بين الرجل والمرأة قبل الزواج، فيلتزم كلاهما بالضوابط والحدود الشرعية في الحوار والخطاب والتواصل، والتعامل فيما بينهما باحترام، وأن يتم التعارف بينهما عن طريق الخطبة الشرعية وليس قبلها، ولا عبر برامج التواصل الاجتماعي كالفيسبوك مثلا أو ما يشابهه من وسائل الانفتاح التواصلي بين الجنسين والاحتكاك مع بعضهم البعض، فتلك علاقات مشبوهة تنشأ في الخفاء، بعيدا عن رقابة الآباء والأمهات، وبعيدا عن المتابعة الأسرية والقانونية، إضافة لما تتضمنه من تنازلات وتجاوزات مخلة بالأخلاق والقيم الدينية والاجتماعية.. باسم الإعجاب أحيانا وباسم الحب والتعبير عن مكنونات القلب أحيانا أخرى، مما يعرِّض الاثنين لرياح الفتن، ويوقعهما في حبائل الشيطان وغوايته ويزين لهما الباطل ويهوِّنه حتى يوقعهما في مفاسد عظيمة، ولهذا نهى النبي صلى الله عليه وسلم أن يخلو الرجل بالمرأة فقال: (لا يخلون رجل بامرأة إلا ومعها ذو محرم) وقال صلى الله عليه وسلم: (ما خلا رجل بامرأة إلا كان الشيطان ثالثهما)، وأمر الله تعالى المؤمنين والمؤمنات بغض البصر فقال عز من قائل: {قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ذَلِكَ أَزْكَى لَهُمْ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا يَصْنَعُونَ * وَقُلْ لِلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ} [النور: 30، 31].
ثانيا: الأولى بك أخي الكريم أن تراعي مقاصد الشريعة في سد الذرائع التي قد توصلك إلى ارتكاب الحرام، وتجنب إنشاء علاقة كالتي بينك وبين هذه الفتاة ولو بنية الزواج، لأنها قد تجُرُّك إلى المهالك، وما أدى إلى الحرام فهو حرام، وأنت لم تذكر هل صار بينكما عقد شرعي أو لا، فإن لم يكن هناك رباط شرعي فكل ما يحدث بينكما مما ذكرته يقع في إطار المحظور
ثالثا: مسألة الزواج مسألة مصيرية فحكِّم الدين في اختيار شريكة حياتك وأم أولادك في المستقبل إن شاء الله، واظفر بذات الدين تربت يداك، فإذا خسرت المرأة دينها وحياءها ماذا سيتبقى لها بعد؟ ليس إلا قالبا قد يكون جميلا وبراقا ولكنه فارغ من جوهر روحه.. فهذا هو الأصل في الاختيار للزوجة وما ينبغي أن يقع عليه الاعتناء، فإن ضعيفة الدين ضعيفة في صيانة نفسها وتزري بزوجها، وتشغل قلبه بالغيرة، وتنغص عيشه ولهذا يقول المصطفى صلى الله عليه وسلم: (إنما الدنيا متاع وليس من متاع الدنيا شيء أفضل من المرأة الصالحة).
ثالثا: حكِّم عقلك ولا تنجرف وراء عواطفك وتغفل عن دراسة قدرتك على التعايش مع هذه الفتاة كزوجة، بل من الحكمة أن تنظر لما يناسبك وينسجم مع طباعك واختياراتك..
وإلا فماذا سيكون مصير هذا الزواج وأنت تشك بمن ستتزوج بها، ولا تنس ما عرفته من أحوالها وقصور تفكيرها، وضعف التزامها الديني، وانفتاحها وتحررها، وتجردها من كثير من القيود والحدود الدينية والأخلاقية..؟؟
في الغالب إما الانفصال والطلاق، أو في أخف الحالات ستراودك الكثير من الهواجس والشكوك، وتستحيل حياتك شقاء مستمرا.. وسيخرس صوت عاطفتك وينطق بعدها صوت العقل والضمير الديني، فينتابك حينها الشعور بأنك قد أسأت الاختيار بزواجك من فتاة فقدت احترامك وسقطت في عينيك وتفكيرك وإحساسك، ولن تنسى بأنها لم تعد تلك الفتاة النقية العفيفة، والطاهرة البريئة..
وستظل صورتها المشوهة تلاحقك، وتزرع بقلبك الغيرة والكثير من الشكوك..
رابعا: على جانب آخر و وفي حالة كونكما قد ارتبطتما رباطا شرعيا، فقد تكون هذه الإنسانة قد أخطأت بتجاوزها في الحديث الذي ذكرته، ولكنها اعترفت بخطئها، وندمت على ما صدر منها من تصرفات طائشة، وهي حاليا ترغب في أن تبدأ معك حياة إيمانية جديدة، فلا تحرمها من هذه الفرصة للتوبة، واختبرها لتتأكد من صلاحها ومن استقامتها، وامنحها الوقت الكافي لتبرهن عن توبتها، هذا في حالة إذا كنت تملك القدرة على العفو والسماح والرحمة، ونسيان ماضيها، وتملك أن تصنع منها إنسانة مختلفة عن السابق، تشبه التي في أحلامك أو قريبة من صفاتها، فكن عونا لها على تصحيح نظرتها للحياة وتوثيق علاقتها بالله، وازرع بداخلها ما تحب أن تزرعه من نبات طيب، وشجعها على أن تكون لها رسالة نبيلة في الحياة،، وكن سببا من أسباب استقامتها وصلاحها..
وفي الختام.. أقول لأخي الفاضل: الأصل في الرباط بين الرجل والمرأة هو إرضاء الله سبحانه، فغياك أن تسول لك نفسك بناء بنيان في الهواء أو على زيف من معصية الله سبحانه، فإن سرت في طريق الشرعية في الارتباط فادرس كل هذه الخيارات التي قدمتها لك، واستعن بالله واستخره في أمرك فهو القادر على أن يلهمك الصواب، ويختار لك ما ينفعك وما فيه الخير لك في دينك ومعاشك وعاقبة أمرك، واستشر في أمرك من تثق بهم وتطمئن لنزاهتهم وحكمتهم، ولا تتعجل في أمرك، وانظر إلى المسألة بتفاؤل، وإذا اطمأنت نفسك لإرضاء ربك وهدوء قلبك فأكمل المسيرة، وإلا فاتركها واستعن بالله على تركها
.. أسأل الله العلي القدير أن يكتب لك ما فيه الخير وأن يلهمك السداد والرشاد في الأمر، وأن يرزقك الزوجة الصالحة التي تصونك وتعفك وتكون عونا لك على دينك وعلى تربية أبنائك..