سر تأخير الضربة العسكرية المحتملة ضد سوريا
27 شوال 1434
تقرير إخباري ـ المسلم

اتسمت السياسة الأمريكية الأوبامية حيال سوريا بالتردد منذ بدايتها , فلم تتخذ قرارا حازما بشأنها , رغم المجازر المروعة المتتالية التي جرت فيها , ورغم سقوط أكثر من مئة ألف شهيد وقتيل فيها , ناهيك عن أكثر من مئتي ألف معتقل , وآلاف من المفقودين , وأكثر من مليوني لاجئ ومهجر , أكثر من نصفهم نساء وأطفال .
وإذا تحدثنا عن غض الطرف الذي مارسته الولايات المتحدة الأمريكية , حيال التدخل العلني لإيران وحزب الله في الحرب الدائرة هناك , فإن علامات استفهام كثيرة وكبيرة يمكن أن توضع حيال هذا التغاضي , حيث تتلاشى قيمة تلك الحرب الكلامية الإعلامية بين واشنطن وطهران , ويظهر واضحا للعيان الموافقة الضمنية لهكذا تدخل , مع التظاهر الدائم بمعارضته إعلاميا , والتأكيد على وقوف الإدارة الأمريكية إلى جانب الشعب السوري , ومساندته ومساعدة جيشه الحر في التغلب على بشار الأسد , من خلال الوعود المتكررة بتسليحه بأسلحة غير فتاكة ؟!!
أما موضوع استخدام الأسلحة الكيماوية , والخطوط الحمراء الكثيرة التي وضعت للنظام السوري حيالها , والتحذيرات المتكررة من تغير قواعد اللعبة باستخدامها , فقد كانت بمثابة ضوء أخضر باستخدام الأسلحة التقليدية الثقيلة أولا , ومحطة تبريرية للتدخل الأمريكي بالحرب السورية في الوقت المناسب لمصالها ومصالح حلفائها في المنطقة , وعلى رأسهم إسرائيل ثانيا .
ورغم ذلك فقد انتهك النظام السوري هذه الخطوط الحمراء أكثر من مرة , وتم تبليغ الأمم المتحدة بوقوع 13 هجوما كيماويا في سوريا , كما اعترفت لندن وباريس وواشنطن مؤخرا بوجود أدلة على حوادث كثيرة سابقة , يشتبه باستخدام أسلحة كيماوية خلالها , من قبل نظام بشار الأسد , دون أن تحرك ساكنا بشأنها , إلى أن وقع الهجوم الكيماوي الأعنف في 21 من أغسطس الجاري , على الغوطة بريف دمشق , والذي أعقب ردة فعل وتحركات دبلوماسية وعسكرية دولية واسعة .
يبدو من التردد الأمريكي السابق على كل هذه الجرائم - بما فيها الكيماوي – أنه ليس ترددا , وإنما اتباع لاستراتيجية هنري كسينجر القاضية بهزيمة الطرفين , والتي كان قد أوصى بها كخيار أمريكي بخصوص الحرب العراقية الإيرانية , يؤكد ذلك ما كتبه الكاتب والمحلل العسكري (أليكس فيشمان) : ( دعوهم يقتلون أنفسهم بهدوء , لماذا يجب علينا أن نمنح العرب سببا للاتحاد حول القاسم المشترك الوحيد بينهم وهو كراهية إسرائيل , دعوهم يقتلون أنفسهم بهدوء )
ولعل واقع الحرب الدائرة على الأرض يؤكد ذلك , فقد حرصت الولايات المتحدة الأمريكية دائما على المحافظة على ميزان القوى بين الطرفين , وحتى بعد استخدام بشار للكيماوي , ماتزال الولايات المتحدة الأمريكية لا ترغب بالإطاحة بنظام بشار من خلال ضربتها العسكرية المحتملة , ولا حتى إضعاف قدراته العسكرية على الأرض , حسب ما صرح المسؤولون الأمريكيون مؤخرا .
لقد قرعت طبول الضربة العسكرية المحتملة ضد سوريا منذ أكثر من أسبوع , وبالتحديد من يوم الإثنين 26/أغسطس , حيث كثرت التصريحات الأمريكية الغربية بقرب توجيه ضربة عسكرية ضد سوريا , بل إن وسائل الإعلام الأمريكية حددت مساء الخميس 29/أغسطس بداية متوقعة لهذه الضربة .
وضمن التحركات الدبلوماسية والعسكرية لذلك , صرح وزير الخارجية الأمريكي جون كيري بالأدلة الاستخباراتية الأمريكية التي تؤكد استخدام الأسد للكيماوي ومسؤوليته عن هذه الجريمة , كما أعلن وزير الدفاع الأمريكي تشاك هيغل الجاهزية التامة لقواته لتنفيذ ضربة عسكرية محدودة ضد سوريا , , بانتظار قرار الرئيس الأمريكي أوباما , الذي فاجئ العالم يوم السبت بقراره طلب موافقة النواب الأمريكي (الكونغرس) على توجيه هذه الضربة , ضمن مشروع قرار ينص على أنه : يسمح للرئيس باستخدام القوات المسلحة الأميركية بما يراه ضروريا ومناسبا فيما يتصل باستخدام أسلحة كيميائية أو أسلحة دمار شامل أخرى في النزاع السوري .
وتعد هذه المفاجئة هي الثانية من نوعها , بعد مفاجئة سابقة بخروج بريطانيا – الحليف الأقوى لأمريكا – من تحالف ضرب سوريا , نظرا لمعارضة مجلس العموم البريطاني توجيه مثل هذه الضربة , والذي اجتمع الخميس وصوت على ذلك .
ويتساءل الكثير من المحللين عن سر وسبب تأخير هذه الضربة كل هذا الوقت , حيث لن يجتمع الكونغرس الأمريكي قبل 9/سبتمبر - موعد انتهاء عطلة البرلمان -حسب بيان معلن من رئيس المجلس جون بينر ؟؟!! رغم الزخم الكبير الذي رافق تأكيد سرعة حصولها في البداية .
كما يتسائل الكثيرون عن سر طلب الرئيس الأمريكي أوباما من الكونغرس الموافقة على مثل هذه الضربة العسكرية المحدودة , رغم حصول ما هو أشد وأكبرحجما منها سابقا دون أخذ موافقة الكونغرس ؟؟!!
فمن المعروف تاريخيا أن قلة من رؤساء الولايات المتحدة سعى للحصول على موافقة الكونغرس لشنّ عمليات عسكرية في الخارج ، خصوصا إذا كان الأمر يتعلق بضربات محدودة كما يفكّر الرئيس باراك أوباما بشأن سوريا.
ومن المعلوم أن الدستور الأميركي يمنح الكونغرس سلطة (إعلان الحرب) , والمرة الأخيرة التي صدر فيها إعلان رسمي تعود الى الحرب العالمية الثانية , وعمليا تجنب كل الرؤساء الأميركيين هذه العبارة , وقاموا بشن عمليات عسكرية أو حملات غزو بري أحادية الجانب عشرات المرات , وذلك باسم الصلاحيات الدستورية التي يتمتع بها قائد الجيوش الأميركية.
وبعد حرب فيتنام وبالرغم من اعتراض الرئيس ريتشارد نيكسون ، صوّت البرلمانيون على (قرار سلطات الحرب) لإجبار الرئيس على الحصول فعليا على موافقة يصوّت عليها الكونغرس لكل تدخل في (أعمال عدائية) تستمر اكثر من 60 يوما .
وفي الحقيقة يرى معظم الرؤساء الأمريكيين أن هذا البند الذي يجبر الرئيس على الحصول على موافقة الكونغرس مخالفا للدستور , واكتفوا بإبلاغ الكونغرس بأي عملية لنشر القوات , ومؤخرا برر الرئيس باراك أوباما التدخل في ليبيا في آذار/مارس 2011، باسم قرار في مجلس الأمن الدولي. وقد طالب الكونغرس حينها بمشاورته من دون جدوى , كما أعلن أوباما صراحة يوم السبت : أنه يتمتع باختصاص وصلاحية التحرك دون إذن مسبق من الكونغرس ، لكنه أراد أن يكون القرار أقوى وأكثر فاعلية بعد النقاش .
وحتى لا نخوض بالكثير من الاحتمالات والتفسيرات لتأخير هذه الضربة , والتي ملأت الصحف ووسائل الإعلام , كضعف التحالف الدولي مع الولايات المتحدة الأمريكية لتوجيه هذه الضربة , خاصة بعد خروج بريطانيا من هذا التحالف , وبقاء أمريكا وفرنسا منفردتين , أو سياسة أوباما الدبلوماسية التي تخالف تماما سياسة سابقه بوش في خوض الحروب التي أرهقت جنود وميزانية أمريكا , فإن احتمالين اثنين أراهما الأكثر احتمالا - حسب رأيي – لهذا التأخير :
1- عدم نضج طبخة ما بعد الضربة العسكرية الأمريكية , والمتمثلة بجلوس طرفي النزاع على طاولة المفاوضات المزمع عقدها باسم جنيف 2 , والتي تمثل هدفا رئيسيا للولايات المتحدة الأمريكية وحلفائها من الضربة العسكرية , فارتأت تأجيلها حتى تنضج الطبخة وتكتمل .
ومن الأمور التي تدعم هذا الاحتمال عدم رغبة أمريكا إنهاء نظام بشار الأسد – على الأقل حسب تصريحات المسؤولين الأمريكيين الأخيرة – كما أنها لا تريد انتصار المعارضة السورية انتصارا كاملا , نظرا لمخاوفها الكثيرة والكبيرة من توجهاتها الإسلامية , وخطرها المستقبلي على حليفتها إسرائيل في المنطقة .
2- أما الاحتمال الثاني فيتمثل في رغبة الولايات المتحدة الأمريكية تلازم موعد الضربة العسكرية ضد سوريا مع ذكرى أحداث 11 من سبتمبر , مع ما يمثله ذلك من إعطاء مزيد من المبررات والزخم لتلك الضربة العسكرية , سواء في الداخل الأمريكي أو الخارجي , وإفساح المجال أمام خيارات أوسع للمسؤولين الأمريكيين .
ويدعم هذا الاحتمال ما تمثله أحداث 11 من سبتمبر من حساسية لدى الشعب الأمريكي , والذي يستغله القادة السياسيون كثيرا في شن هجمات عسكرية خارجية , كما فعل جورج بوش الابن في حربه على العراق وأفغانستان , وكما يريد أن يفعل أوباما الآن .
أيا كان الأمر فإن تأخير الضربة العسكرية المحتملة ضد سوريا سيكون بالتأكيد في صالح بشار وحلفائه , من خلال إعطائهم المزيد من الوقت لنقل الجنود إلى المدارس والمساجد– كما يؤكد على ذلك ناشطون سوريون – , ونقل المعدات العسكرية إلى داخل الأحياء السكنية , كما حصل بالفعل , وجعل الضربة العسكرية أكثر صعوبة وكلفة على الشعب السوري .