بعد إخفاء معالم الجريمة
20 شوال 1434
تقرير إخباري ـ المسلم

بعد إخفاء معالم الجريمة
مراوغة جديدة وخداع لم يكن مستغربا من الحكومة السورية , التي كانت وما زالت تمارس ذلك قبل وبعد كل جريمة تقوم بها , للتمويه والتشويش محليا وإقليميا على مؤيديها وأصدقائها وهم قلة على أي حال , وللتخفيف والتقليل مما قد يبدو ضغطا دوليا عليها , لم يكن في يوم من الأيام جديا , وإنما مظهر من مظاهر السياسة الأمريكية الغربية في سوريا , والذي يبدي موالاته وتعاطفه مع الثورة السورية , بينما لم يظهر حتى الآن جدية بإنهاء نظام بشار الأسد .
هذا أقل ما يمكن أن يقال في التعليق على خبر موافقة الحكومة السورية السماح لفريق الأمم المتحدة الموجود في سوريا بالتوجه إلى الغوطة بريف دمشق , لإجراء تحقيق بشأن استخدام السلاح الكيماوي هناك , وذلك بعد اتفاق تم بين دمشق والأمم المتحدة في الساعات القليلة الماضية , كما جاء على لسان خارجية الجكومة السورية وليد المعلم , عبر كلمة بثها التلفزيون السوري الرسمي .
وقد أعلنت الأمم المتحدة فورالاتفاق بأن خبراءها سيباشرون اليوم الاثنين التحقيق في التقارير حول استخدام أسلحة كيماوية في الغوطة بريف دمشق , والتي راح ضحيتها أكثر من ألفي شهيد و10 آلاف مصاب , وقد أكد مراسل شبكة السي إن إن العربية بمغادرة بعثة التفتيش الدولية المكلفة بالتحقيق باستخدام الأسلحة الكيماوية الفندق التي كانت تنزل فيه بدمشق , متوجهة إلى موقع الهجمات الكيماوية بالغوطة بريف دمشق , خلال كتابة هذه السطور .
وكان بيان قد صدر عن الأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون , أعطى فيه تعليمات للبعثة التي يقودها الدكتور (أكي سيلستروم) , بتركيز اهتمامها على تحديد الوقائع بشأن الحادث الذي وقع في 21 أغسطس وإعطائه الأولوية المطلقة , مشيرا لتأكيدات من قبل الحكومة السورية والمعارضة , بالتزام وقف إطلاق النار والعمليات العسكرية , خلال قيام البعثة بمهمة التحقيق .
واللافت في موافقة الحكومة السورية على ذهاب فريق الأمم المتحدة للتحقيق بشأن استخدام أسلحة كيماوية بريف دمشق , أنه جاء بعد أمرين اثنين غاية في الأهمية وهما :
1- محاولة النظام إخفاء معالم الجريمة البشعة التي قام بها , وذلك من خلال عدة إجراءات وأمور ساعدته على ذلك هي :
• مواصلته قصف منطقة الغوطة بعد إلقاء السلاح الكيماوي عليها , بهدف محاولة اقتحامها أولا , وهو الأمر الذي لم يتح له بسبب المقاومة العنيفة من قبل الجيش السوري الحر, والتي حالت دون تحقيق ذلك , ولمحاولة طمس معالم آثار وبقايا السلاح الكيماوي المستخدم بنفس المنطقة ثانيا , وهو الأمر الذي يحتمل أن يكون قد نجح فيه .
• وقوع انفجار صباح اليوم في منطقة قريبة من موقع استخدام السلاح الكيماوي بريف دمشق , ناجم عن سقوط جسم متفجر , يرجح كونه عبارة عن قذيفة هاون , كما نقلت وذلك قبيل وصول فريق التفتيش التابع للأمم المتحدة إليه , الأمر الذي يوحي ببصمات النظام السوري لإخفاء معالم جريمته الكيماوية .
• تأكيد معظم خبراء السلاح الكيماوي , بأن آثار وبقايا هذا السلاح تتلاشى بعد نصف ساعة من استخدامه , وأن الظروف الجوية إن كانت ملائمة , فلا تبقى آثاره أكثر من 24 ساعة فقط , فما بالك بمرور خمسة أيام كاملة على استخدام هذا السلاح !! لا شك أن الآثار ستكون شبه معدومة .
2- التخفيف قدر الإمكان مما بدا ضغطا دوليا بعد استخدام الكيماوي بريف دمشق , خاصة بعد التطورات العسكرية الأخيرة , من تعزيز الوجود العسكري الأمريكي على المتوسط , واجتماع رؤساء أركان عشر دول عربية وغربية في الأردن , على رأسها الولايات المتحدة الأمريكية وبريطانيا وفرنسا , إضافة لقطر والسعودية وتركيا , لبحث المسألة السورية بعد استخدام السلاح الكيماوي بالغوطة .
إن الذي يبدو للوهلة الأولى في موافقة الحكومة السورية لبعثة الأمم المتحدة للتوجه لمكان الحادث , أنها أتت للتخفيف عن الضغوط الكبيرة التي تعرضت لها الدول الكبرى , جراء سكوتها وتجاوزها عن جرائم بشار المروعة , والتي وصلت إلى حد استخدام السلاح الكيماوي بالقرب من العاصمة السورية دمشق ,
كما أنها تأتي بعد موافقة ضمنية من حلفاء بشار الاستراتيجيين : روسيا والصين وإيران , بعد إخفاء جميع آثار وملامح تلك الجريمة , مما قد يعني خروج بيان غامض وغير واضح من قبل بعثة الأمم المتحدة , حول حقيقة استخدام هذا السلاح أصلا , أو على أقل تقدير , عدم إمكانية تحديد الجهة المسؤولة والفاعلة , مما يعني إخفاء معالم الجريمة ووضعها تحت عنوان : ضد مجهول .
وإن حصل ذلك بالفعل , فهو بمثابة إعلان من بعثة الأمم المتحدة بتبرئة النظام السوري من هذه الجريمة , وبالتالي تخفيف اللهجة العسكرية المتداولة حاليا ضدها , والعودة إلى ما كانت عليه المواقف الدولية قبل استخدام السلاح الكيماوي .
هذا واحد من الاحتمالات , وهناك احتمالان آخران متوقعان هما :
1- أن يكون هناك قرار أمريكي غربي بتوجيه ضربة عسكرية لبعض المواقع السورية , سواء التابعة لنظام بشار , أوتلك التابعة لبعض الكتائب السورية الإسلامية الفاعلة والمعارضة للنظام , والتي تشكل خطرا على اليهود أولا , وعلى الولايات المتحدة الأمريكية والغرب ثانيا , تحت مسمى محاربة الإرهاب , كجبهة النصرة وغيرها المقاتلة في سوريا .
2- أن يكون هذا التصعيد العسكري شكليا فقط , وباتفاق بين الدول الكبرى , وعلى رأسها أمريكا وروسيا , لإجبار جميع الأطراف للجلوس على طاولة المفاوضات , تحت اسم مؤتمر جنيف 2 , والذي تم تأجيل انعقاده أكثر من مرة , بسبب عدم اكتمال الظروف المهيئة لنجاحه , خاصة بعد تصريح وزير خارجية روسيا لافروف , بإمكانية استغلال حادثة الكيماوي للتوصل لإنهاء الأزمة السورية كما قال , ومطالبته الحكومة السورية السماح للجنة الأمم المتحدة التوجه لمكان الحادث , مما يوحي بتوافق أمريكي روسي حول ذلك .
إن الأكيد في ذهاب بعثة الأمم المتحدة للتحقيق بشأن الكيماوي بعد خمسة أيام من وقوع الجريمة , وبعد انتظار موافقة الحكومة السورية العتيدة , أنها لا تظهر جدية البحث عن الفاعل والجاني , بقدر ما تظهر محاولة الدول الكبرى غسل آثار سكوتها عن مثل هذه الجريمة البشعة , وحفظ ماء وجهها الذي لم يعد فيه ماء أصلا , بتحقيق متأخر وظاهري , يبقي لها بعض المصداقية المتآكلة والمتناقصة .