11 رمضان 1435

السؤال

أنا فتاة عمري 16 سنة، انتقلت إلى الثانوية فتغيرت حياتي بعد صحبتي لرفيقات السوء، تعرفت فترة على شخص أبدى لي إعجابه ثم انفصلت عنه، وتكرر الأمر مع آخر حتى بدأ الجميع يتحدث عني بالسوء، لقد تبت ولن أعيد الأمر مرة أخرى، لكنني أشعر أن الوقت فات،إنني لدي طموحات وأريد تحقيقها بالدراسة، ولكن كل خوفي أن يعرف والدي بالأمر فيمنعوني من دراستي..

أجاب عنها:
أميمة الجابر

الجواب

البعض من الناس يغفل عن ذكر ربه سبحانه ومراقبته، وعندما يقدم على معصية يلتفت حوله هل يراني من أحد من الناس؟
ياليتنا نتذكر قبل أن نخطو إلى ارتكاب أي معصية أن الفضيحة الحقيقة هي التي تكون بين يدي الله تعالى يوم القيامة، يوم الخزي الأكبر، على رؤوس الأشهاد، أمام الخلائق أجمعين الفضيحة الحقيقية أن نجاهر الله سبحانه بالذنب ونتخفى من خلقه.. إنه الحمق الراسخ في النفوس والجهل الواغل في العقول البعيدة عن الهدي والفضيلة.
نقرأ كثيرا في آيات القرآن الكريم دعاء إبراهيم عليه السلام: {وَلا تُخْزِنِي يَوْمَ يُبْعَثُونَ * يَوْمَ لا يَنْفَعُ مَالٌ وَلا بَنُونَ * إِلَّا مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ} [الشعراء: 87-89].
الابنة السائلة.. أشعر من حديث رسالتك أسفك على ما قدمت، وأول ما لفت نظري في رسالتك كلمتك "لقد تبت ولن أعيد الأمر مرة أخرى" هذه الكلمات الإيجابية هي من علامات التوبة إذا كانت نيتك خالصة بينك وبين الله تعالى، فكلمة التوبة كلمة عظيمة، لها مدلولات عميقة وليست مثلما يظنها الكثيرون أنها ألفاظ تردد باللسان ثم يبقى الاستمرار على الذنب.
لذلك أذكرك بشروط التوبة الصادقة:
1- الإقلاع عن الذنب فوراً.
2- الندم على ما فات.
3- العزم على عدم العودة.
فالأمور الثلاثة يجب توافرها والسعي إليها بجد من قلبك كي تنعمين بتوبة صادقة.
كما عليك أن تتفهمي أن تركك لهذا الذنب لابد أن يكون لله وحده لا لمخلوق أياً كان، ولا بسبب عدم القدرة على معاودته، أو الخوف من كلام الناس مثلا.
ولو تدبرت نعمة الله تعالى لوجدت أن ديننا العظيم لم يوجهنا لشيء ويحثنا عليه إلا وفيه المنفعة العظمى لنا، فقد نبهنا نبينا الكريم صلى الله عليه وسلم باختيار الصديق وقال: "المرء على دين خليلة فلينظر أحدكم من يخالل".
فلزم الانتباه في اختيار الصحبة والأصدقاء، ولهذا عليك الاهتمام باختيار صديقات صالحات مؤدبات خلوقات يعنّك على طاعة الله تعالى وتغنمين من مجالستهن والاغتنام من أفكارهن ويدعنك إلى البحث عن مجالس العلم وملء وقتك بما يفيد حتى لا يجد الشيطان لديك فراغا ليذكرك بالماضي أو بالذنب.
أيضا عليك أن تتخذي والدتك كصديقة من أقرب الصديقات إليك، حاولي التودد إليها والأخذ برأيها في كل صغيرة وكبيرة، فأمك هي أحب الناس إليك، وهي أكثر من تخاف عليك، وهي خبرة السنين، فعليك احترام رأيها ونصيحتها مهما كان رأيها مخالفا لهواك، لأنه في نهاية الأمر هو خير لك مادام لا يأمر إلا بما يرضي الله سبحانه.
عليك أيضا أن تعلمي أيضا أنه إذا كانت توبتك خالصة فعلا فإن الله تعالى يحب التوابين فهو سبحانه سوف يرعاك ويسترك وييسر لك الخير، {وَالَّذِينَ اهْتَدَوْا زَادَهُمْ هُدىً وَآتَاهُمْ تَقْوَاهُمْ} [محمد:17] فكوني مطمئنة ولا تخافي من معرفة أبويك هذا الأمر، لذلك لابد من تغيير أحوالك مثلا بالاهتمام بالصلاة في مواعيدها ومحاولة ارتداء الحجاب الشرعي الساتر الذي يبعد عنك نظرة وأطماع أصحاب القلوب المريضة، ومحاولة صيام النوافل فإن الصيام سوف يساعدك على تهذيب نفسك، فهذه الأمور كلها سوف تكون سببا في زيادة ثقة أبويك لك والعفو والصفح والتسامح إذا جد في الأمر شيء.
كما عليك قراءة القرآن الكريم فالحرف بحسنة والحسنة بعشر أمثالها والله يضاعف لمن يشاء، فإن الحسنات يذهبن السيئات.
و الإكثار من الدعاء إلى الله تعالى ذلك الذي يعينك على تغيير أحوالك ويردك إلى الصواب والحق ويعينك على تحقيق أهدافك وطموحاتك فالله تعالى قريب يجيب دعوة الداع إذا دعاه.
أيضا لقد تعلمت درسا مما حدث لك لذلك كوني الفتاه الواعية التي لا تنخدع من الكلام المعسول المزيف وإياك أن تضعي نفسك موضع الشبهات بعد ذلك، فـ"البر حسن الخلق والإثم ما حاك في الصدر وكرهت أن يطلع عليه الناس"، كما قال صلى الله عليه وسلم فافهميه فهو نبراس لك
فعليك مفارقة كل صديقات الماضي السيئات اللاتي كُنَّ سبباً في كل هذه المشكلات يقول الله تعالى: {الْأَخِلَّاءُ يَوْمَئِذٍ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ إِلَّا الْمُتَّقِينَ} [الزخرف:67]
فقرناء وقرينات السوء سيلعن بعضهم بعضا يوم القيامة، لذلك عليك الفرار والسعي لمفارقتهن ونبذهن ومقاطعتهن قبل ألا ينفع الندم.
واعلمي أن الوقت لم يفت، فلا تنسي أن التائب من الذنب كمن لا ذنب له، وأن الله سبحانه يقول: {قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعاً إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ} [الزمر:53].
وفي الحديث القدسي "يا ابن آدم إنك ما دعوتني ورجوتني غفرت لك ما كان منك ولا أبالي، يا ابن آدم لو بلغت ذنوبك عنان السماء ثم استغفرتني غفرت لك ولا أبالي، يا بن آدم لو انك أتيتني بقراب الأرض خطايا ثم لقيتني لا تشرك بي شيئا لأتيتك بقرابها مغفرة.
الابنة السائلة..
عليك غلق كل صفحات الماضي وبداية صفحات جديدة تملؤها الطاعة والعبادة والرجاء والأمل فيما عند الله سبحانه.