20 جمادى الأول 1437

السؤال

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته: أنا فتاة متزوجة منذ سنتين ونصف تقريبا وقد رزقني الله ببنت عمرها سنة، ومشكلتي أنني وافقت على زوجي عن قناعة على أساس أنه يلتزم بالصلاة ويلتزم في قوله وفعله بالحق بشهادة مجروحة من معظم الناس، ولكنني اكتشفت بعد الزواج أنه إنسان يحب السيطرة والتملك، ويقول ما لا يفعله، ولا يحكِّم الدين ولا قول رسول الله صلى الله عليه وسلم، بل المتحكِّم الوحيد والمسيطر عليه هي والدته، حاولت أن أتجنب أذاها ومعاملتها القاسية، وأن أتقرب إليها وأكون بجانبها في مرضها، وأقدم إليها الهدايا، وأحسن إليها بالمعاملة الطيبة، فتجازيني بالكذب والسِّباب، وحرماني من زيارة أقاربي، وصلة رحمي، ومنعي من حضور الحفلات والمناسبات، على أساس أنني أقيم ببيت لوحدي وهذا يكفيني طيلة حياتي، والمشكلة الأكبر أنها عندما تريد تأمره بإيصالي إلى بيت أهلي بدون سبب، فيتركني عندهم ولا يرد على اتصالاتي ولا يكلم أهلي، ويغضب ويرضى من دون سبب، ويحرمني من مصاريفي الخاصة بي، وهذا جعلني أخاف على مستقبلي معه، ويبرر أفعاله بأنها طاعة للوالدين وطاعة لله سبحانه وتعالى، إضافة إلى أنه عندما تقدم هذا الشخص لخطبتي أخبروني بأن زوجة أخيه الأكبر والتي كانت ملتزمة جدا توفيت وهي نفساء بعد عناء ومرارة في حياتها مع أم زوجي، ولكنني لم أهتم بهذا الأمر، مما جعل أهلي يحملونني كامل المسؤولية..
فما موقف الدين من هذا كله؟؟ وكيف أتعامل مع هذا الشخص؟
وشكرا لكم والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

أجاب عنها:
صفية الودغيري

الجواب

بسم الله الرحمن الرحيم والصلاة والسلام الأتمان الأكملان على سيدنا محمد وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.
أما بعد: أختي السائلة الكريمة، بداية أشكرك على رسالتك، وعلى ثقتك بموقع المسلم وطرحك لاستشارتك، أما بالنسبة لمشكلتك فألخصها في أمور منها:
ـ شعورك بالخذلان بعد الزواج نتيجة اختيارك لزوج لم يكن بمستوى الالتزام الديني والأسري والمادي..
ـ سيطرة أم زوجك وتسلطها وتحكمها بحياتك الزوجية وعلاقتك بأسرتك وبزوجك
ـ شعورك بعدم الأمان والسكينة والاستقرار داخل بيتك وخوفك على مستقل زواجك..
أما النصائح والإرشادات التي أقدمها لك أختي الكريمة فهي كما يلي:
بداية أقول لأختي الكريمة: عليك أن تستوعبي شخصية الرجل مهما بلغت درجة تدينه والتزامه، وأن تفصلي بين ما يشاع عن الرجل أو المرأة قبل الزواج وبين ما يترتب عن العلاقة الزوجية من مشاكل يومية..
فليس كل رجل ملتزم أو امرأة ملتزمة دينيا يتفوقان في علاقتهما الزوجية، ولا يجرح فشلهما في إدارة حياتهما في تدينهما، ذلك لاختلاف الطبائع البشرية عامة، ولاختلاف طباع الرجل وسلوكه عن طباع المرأة وسلوكها، كذلك في أزواج يحكمهم الدين قولا وفعلا وممارسة فينجحون في تطبيق الشرع على حياتهما العامة والخاصة، وفي أزواج يحكمهم الدين ولكن قد يفشلون في تطبيقه باعتدال وتوسط، أو لديهم جهل بالدين فيطبقونه في الفروع ويتهاونون عن تطبيقه في الأصول أو العكس، أو يطبقونه مع الغريب ويقصرون مع الأقارب والزوجة وهكذا..
ولهذا قد يكون زوجك من الصنف الثاني من يحكمه الدين ولكن لديه جهل بأساليب وطرق تطبيقه الصحيحة، أو لديه ضعف في شخصيته أو في تكوينه النفسي والعاطفي، أو هو متأثر بشكل كبير بطبيعة تربيته الأسرية، والتزاماتها بالخضوع الكامل لسلطة الأم التي تمتلك دفة القيادة وإصدار الأوامر داخل الأسرة، والاستسلام الكامل لاختياراتها وتنفيذ قراراتها مهما كانت صائبة أو خاطئة..
ثانيا: تقرَّبي من زوجك ومن طباعه، وتعرَّفي على ما يرضيه وما لا يرضيه، وما يغضبه وما يسعده.. وتعاملي معه وفق ذلك.
ثالثا: وجِِّّهي عنايتك لبيتك فهو مملكتك ومجتمعك الصغير، ووظِّفي طاقتك وثقافتك المنزلية والأسرية حتى تتحول هذه المملكة لروضة غناء، وعشا جميلا هادئاً يهفو إليه زوجك ويتمناه..
رابعا: في مخيِّلة كل رجل أو امرأة أحلام قبل الزواج، في الغالب لا تتحقق بعد الزواج بالصورة التي كانت عليها في الخيال لأنه عالم مثالي، ولهذا تعايشي مع واقعك وحقِِّّقي أحلامك بما لديك من أسباب تحقيقها، واصنعي من زوجك فارس أحلامك بعالمك الحقيقي، وغوصي في أعماق خياله وتعرَّفي على أحلامه وتصوُّراته ورغباته، واصنعي من نفسك فارسة أحلامه أشبه بالتي في مخيلته أو أفضل منها، بحنانك الكبير، وبما يجده معك من أسباب الراحة والاطمئنان، وما يسكن قلبك من الحب والمودة والرحمة والأمان..
خامسا: كوني الزوجة الصالحة والعاقلة التي تهب زوجها الاستقرار النفسي والعاطفي والأسري.. والتي تواجه معه متاعب الحياة ومشاكلها بصبرها وحكمتها، وامتلكي أسباب السعادة الزوجية بما يتوفر لديك من مفاتيحها، وارضي عن زوجك وعن طباعه وعن حياتك معه حتى ولو كانت أمه تضع بينكما حجُبا كِثافا.. لأن الزوجة هي التي تمتلك مقاليد إدارة حياتها وهي القادرة على خلق مناخ مفعم بالسعادة بما تقدمه لزوجها من الدفء والأمان، وبما تتحلى به من الصفات التي يتمناها في شريكة حياته..
سادسا: لا تفسري خضوعك لزوجك واستسلامك لاختياراته وقراراته تحكُّما ولا تسلُّطا، بل أُُنْظُري للمسألة من جانبها الإيجابي، وترجمي حُبَّك واحترامك له من خلال تفهُّمك لهذا السلوك، على أساس أنه نوع من التعبير عن الحب، وطبع ملتصق بشخصية الرجل الذي يتمنى أن تكون أُنْثاه تابعة له تهتم به وتدلِّله، وتطيع أمره، وتحترم رغباته، وتحسن الإصغاء إليه وترضيه، وتشعره بقوته وافتخاره بنفسه وبرجولته..
سابعا: اكْسِبي قلب زوجك وحينها ستغيِّري الكثير من طباعه، وتلزمينه تقديرك واحترام اختياراتك، وتلبية طلباتك المعنوية والمادية، واستخدمي سلاح ذكائك، فالزوجة الذكية هي التي تتمتع باللباقة وحسن التصرف عندما تعترضها مشكلة، الودودة في محادثته لزوجها، التي تأسره بأفكارها المتجدِّدَة واقتراحاتها وأسلوب حوارها، والتي تملك أن تقنعه وتأخذ منه ما تريده متى أرادت ذلك، وفي الوقت الذي ترتضيه..
ثامنا: قد يكون زوجك من ذوي المدخول المحدود وراتبه لا يكفي ليستجيب لكل طلباتك المادية، فتحلَّّي بالصبر والقناعة وحسن التعامل، وشاركيه حياته بحُلْوِها ومُرِّها دون تذمُّر أو اعتراض، وارضي بما قسم الله لك من نصيب ومن رزق، لتجعلي حياتك الزوجية مشرقة..
أما بخصوص حماتك (أم زوجك) فهي مشكلة أغلب الزوجات قديما وحديثا، فالأولى بك أن لا تخصصي لها الجانب الأكبر من تفكيرك واهتمامك، فالزوجة الذكية هي التي تعرف كيف تكسب قلب زوجها بحبها واحترامها لأمه وأهله، وتصلهم بصلاة الرحمة وتكرمهم، وتدفع سيئاتهم بالإحسان إليهم والتودُّد إليهم وتكسب احترامهم..
ومن النصائح التي أقدمها لك بخصوص علاقتك بحماتك:
ـ لا تجعلي شخصية حماتك وطباعها، تحرمك من سعادتك مع زوجك، واربطي بينك وبينها علاقة ودّية محفوفة بالحب والاحترام.. وأشْعِريها بأهميتها ومكانتها في حياتك، وأشرِكيها في اختياراتك وعند اتخاذ قراراتك، وخذي بمشورتها ونصائحها، وامنحيها شعوراً بالتواصل والاندماج معها..
ـ تعاملي معها كوالدتك التي لها حق الطاعة والاحترام والتقدير، ولها من الحب العظيم ما يلزمك تحمُّلها والصَّبر عليها، وإرضاءَها وبِرَّها، مهما صدر عنها مما يجرحك أو يغضبك..
ـ التمسي لها العذر وبرِّري سلوكها بأسباب منها: حكم سنها الكبير وتأثيره على أسلوب تعاملها، وعلى تقلبات واضطرابات مزاجها ونفسيتها، أو ضعف مستوى تعليمها وثقافتها، أو قصور درجة وعيها واستيعابها لظروف الحياة الزوجية العصرية ومستجدات الواقع، أو لأسباب ناتجة عن اختلاف بينكما على المستوى الأسري أو المادي أو الاجتماعي..
ـ أغلب الأمهات يمتلكن رغبة في عرض خبراتهن، ولديهن غيرة وحب لأولادهن يدفعهن للتدخل في حياتهم الأسرية والزوجية.. فتخلَّصي من تحكُّم صوت الأنا، وتحرَّري من رغبتك الذاتية بالاستقلال بسلطتك داخل بيتك ومع زوجك، واستبدليها بصوت الضمير الإنساني وصوت الأمومة وصوت الدين الذي يلزمنا البر بالآباء والأمهات..
ـ رضوخك لحماتك ليس استسلاماً ولا ضعفا، بل هي قمة التواضع والحب وقوة الشخصية، وهي بالنهاية أم زوجك لا عدوة تحاربينها بالعدة والعتاد، بل أنت ترتبطين معها بعلاقة إنسانية، وتوثِّقين رباطَها وصلاتها بالمودة والرحمة والعفو والسماح، والرِّفق واللِّين.. واعْمَلي بقول الحق سبحانه: "ادفع بالتي هي أحسن فإذا الذي بينك وبينه عداوة كأنّه وليّ حميم"..
ـ استوعبي الطبيعة النفسية التي تميز سلوك حماتك، ومشاعر أمومتها وما يتولد عنها من الغيرة والحب والرغبة في الاستحواذ على ابنها وامتلاك قلبه، وشعورها بالخوف على مكانتها، خاصة في حالات الاحتكاك اليومي عندما يكون سكن الزوجية مشتركا، ولكن بمجرد ما يحدث الاستقلال في السكن تصبح العلاقة أكثر استقلالية..
ـ استسلام زوجك لأوامر والدته والسماح لها بفرض سلطتها على حياتك الزوجية، ليس نوعا من الخلل في شخصيته، وليس تنصُّلاً من مسؤوليته، ولكنه نوع من أنواع الحرص على بره بأمه وطاعتها، خاصة أن ديننا العظيم نبهنا لوجوب برِّهم وطاعتهم في غير معصية الله.. وقد رفع الله تعالى من قيمة الوالدين، ورفع من منزلة الأم خاصة لأن فضلها كبير فهي التي حملت به، وغذَّته وأرضعته حتى استقام عوده واستوى، وسهرت على تربيته ورعايته وتعليمه حتى صار رجلا، ولهذا سأل رسولنا الكريم الصحابي الذي أراد الجهاد في سبيل الله: هل لك أم؟! فقال الصحابي نعم، قال: فالزمها، فإن الجنة تحت قدميها.. صدق رسول الله صلى الله عليه وسلم
ولو كان زوجك يعامل أمه خلاف ما ذكرت، هنا حقَّ لك أن تخشي على نفسك وعلى مستقبل حياتك معه، لأن من ليس له خير في أمه وأهله لا خير له في زوجته، ومن كان ناكرا لمعروف أمه، كان لمعروف زوجته أنكر وأجحد..
وختاما أقول لأختي الكريمة: حياتك الزوجية تستحق الكثير من التنازلات والتضحيات للاستمرار، وزوجك وحماتك اقبليهما كما هما، وتجاهلي تصرفاتهما فهذا أسلم لاستقرارك ولتحقيق سعادتك.. وتخلصي من المشاعر السلبية اتجاههما، وأرغمي نفسك على قبول ما ترفضينه اليوم خاصة وأنك في السنوات الأولى من الزواج، فقد يبدل الله سوء حالك لأحسن حال..
وتأكّدي بأن ما تزرعينه اليوم بمثابة فسيلة خضراء من الحب لزوجك ولحماتك ولابنتك.. وهذه الفسيلة ستنمو حتى تصير شجرة مباركة، وستحصدين ثمارها الجنية مع أولادك وفي الآخرة إن شاء الله.. فالزمي الدعاء لعل الله يؤلّف بين قلوبكم جميعاً.. وعليكِ بالصبر الجميل والرضا وشكر الله تعالى على أن أنعم عليك بالزواج ورزقك بطفلة أسأل الله تعالى أن يجعلها قرة عينك وعين والدها ومن الصالحات القانتات..
أسأل الله العلي القدير أن يفرج كربتك ويزرع المودة والرحمة بينك وبين زوجك ووالدته ويؤلف بينكم بإلف المحبة وأن يرزقك الأمان والاستقرار والسعادة الزوجية إنه ولي ذلك والقادر عليه..