26 ذو الحجه 1434

السؤال

السلام عليكم..
أنا متزوجة منذ 7 سنوات، مشكلتي بدأت من بداية زواجي وقائمه إلى الآن، المشكلة أن زوجي ذو شخصية غريبة فهو عصبي جدا بذيء اللسان جارح وجاف في تعامله معي، وفي نفس الوقت طيب وحنون بمعنى أنه يجرحني ثم يأتيني يعتذر مني ويحزن ويندم.. من بداية زواجي وإلى اليوم لم أشعر بالاستقرار النفسي لأنه دائما يهددني بالطلاق وأنني لست الزوجة المناسبة له، دائما يحطمني كثيرا بالانتقاد، أشعر أنه تزوجني لأكون خادمة فقط ولست زوجة يثور ويتعصب إذا حاولت أسأله عن أي شيء، يحرمني من الطلعة أو حضور مناسبات أقاربي أو السوق إلا في النادر وإذا وافق فأماكن هو يحددها، ما أحس بأهميتي في حياته أبدا، أما من ناحيتي فأنا سلبية جدا معه، ما أحاول أتقرب منه لأنه بذيء اللسان، والنقاش معه ممل ولابد ينتهي بمشكلة صرت أخاف منه وهو استغل النقطة هذه، أنا أخاف منه لسبب واحد أنه يشرب الخمر ويحشش وأنا أسكت لأني أخاف يفقد عقله ويسبب لي عاهة أو يذبحني، أنا في قرار نفسي أن لو شخصيتي قوية زوجي سيتغير..
سؤالي هو كيف أرجع لشخصيتي قبل الزواج ما كنت هكذا أبدا لكن من كثرة تهديده لي بالطلاق وعصبيته صرت أخاف منه؟، أنا الآن في بيت أهلي وأريد أرجع لكن أرجع بكرامتي وقوة شخصيتي لأني أنوي أن أبدأ معه بطريقة ثانية للعلم أنا عندي ثلاث بنات.. وشكرا..

أجاب عنها:
سميحة محمود

الجواب

وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته..
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحابته ومن والاه.
في البداية نرحب بكِ وندعوك دوما لتصفح موقعنا ومداومة التواصل معنا.
ابنتي الحبيبة.. ذكرتِ أنكِ متزوجة منذ سبع سنوات، ومشكلتك قائمة منذ بداية زواجكِ (مشكلتي بدأت من بداية زواجي وقائمة إلى الآن) وذكرتِ أيضا أن زوجكِ (ذو شخصية غريبة) والسبب أنه تجتمع فيه متناقضات، بمعني أنه (عصبي جدا وبذيء اللسان، جارح وجاف في تعامله) وفي نفس الوقت (طيب وحنون) فهو عندما يجرحك يأتي ويعتذر، بل إنه يحزن لما يفعله ويندم علي ذلك!!
وبالطبع هذه الحياة جعلتك تعاني من عدم الاستقرار، لأنه في خضم غضبه يهددك بالطلاق، ويصفك بأنك زوجة غير مناسبة، مما جعلك تشعرين بعدم الاستقرار النفسي لكثرة تهديده لكِ بالطلاق!! ثم تعللين ما أنت فيه بأنكِ (سلبية جدا) وكأن الحل في تخطي هذا الوضع هو أن تستعيدي كرامتك وتثبتي وجودك معه وشخصيتك وتعودي كما كنت قبل الزواج.. بالطبع حلولك هذه مقبولة، بل ومتأخرة كثيرا، ولكن ليست الحل الناجع لما تعانين منه، لأن السبب فيما أنتي فيه والذي يبدو أنك تتجاهليه هو أنه كما ذكرتي (يشرب الخمر ويحشش) بل الأغرب أنك تقولين أنك (أسكت لأني أخاف يفقد عقله ويسبب لي عاهة أو يذبحني)!! وكأن غضبك لنفسك فقط وليس غضبا لله تعالي!!
ابنتي الكريمة..
أما تعلمين أن الخمر هي أم الخبائث؟
أما تعلمين أن من يشرب الخمر لا يدري ما يقول وما يفعل لأنه يفقد عقله؟
أما تعلمين أن من يشرب الخمر يهون عليه كل شيء؟ فكيف بكِ علي هذه السلبية طوال السبع سنوات هي فترة زواجكِ؟
ألم تفكري يوما في اتخاذ موقف إيجابي تجاه زوجك ليتوب ويقلع عن هذه الكبيرة؟
ألم تفكري يوما كيف يكون هذا الأب قدوة لبناته وهن يرونه يترنح أمامهن بصورة مخزية، لا يدري ما يقول وما يفعل؟ أم أنه يتعاطى تلك المشروبات في السر وليس في العلن؟
وكيف حاله مع الصلاة؟ هل يؤدي الصلاة المكتوبة؟ أم أنه تارك لها؟ لأنكِ لم تذكري شيئا عن ذلك وكأن هذا الأمر ليس في بؤرة اهتمامك؟
هل هو مقصر في الإنفاق عليكِ وعلي بناته؟ أم أنه يغطي احتياجاتك وبناتكِ؟
هل زوجك يتعاطى الخمر في البيت أمامك وعلي مشهد من بناته؟ وهل بناتك في عمر يسمح لهن بمعرفة الحلال والحرام ويعلمن أن الأب يقترف أم الكبائر؟
هل هو مصاحب لأصدقاء سوء يشجعونه علي هذا؟
ألم تفكري يا قرة العين يوما أن السبب الرئيس فيما تجدينه من تناقض في شخصية زوجك يرجع بالأساس لتعاطيه هذه الموبقات؟
كل هذه الأسئلة كنت أود معرفة إجابتها حتي تتضح صورة حياتك مع هذا الرجل؟
ابنتي الفاضلة.. ذكرتِ في رسالتك أنك تنوين التعامل مع زوجك بطريقة أخري يكون لكِ رأي فيما يحدث منه من تجاوزات بحقكِ... هذا بالطبع أمر مهم، ولكن ما أود منكِ أن تبدئي به هو موضوع إقلاعه عن هذه المنكرات، لأن شرب الخمر والمخدرات هي رأس البلاء، وبعون الله معافاته منهما سيكون له أثر كبير علي تغيير حالته إلي الأفضل، لهذا مهم جدا إتباع خطوات تنفيذية معه، وأنصحك بإتباع الآتي:
1 – اعتبري الفترة التي تمكثينها في بيت أهلك خلوة تراجعين فيها حالك مع الله: فتشي في علاقتك بالله تعالي؛ فإن كنت مقصرة في أمر من أمور الدين فأبدأِ بنفسك فورا، احرصي علي صلاتك في أوقاتها، وأكثري من النوافل وذكر الله والاستغفار والصلاة علي رسول الله صلي الله عليه وسلم. احرصي علي اتباع الشرع في ملبسك وهيئتك ونظراتك وكلامك وتعاملك مع بناتك.
2 – أكثري من الدعاء؛ أن يصلح الله زوجك ويعافيه من هذا البلاء ويعينك علي إصلاحه وهدايته، واعلمي أن الهداية بيد الكريم الفتاح، وعليك بإخلاص النية لله وبذل الأسباب، ثم انتظري توفيق الكريم الوهاب.
3 – عند اتصال زوجك بك لإرجاعك بيتك؛ تحدثي معه بكل وضوح أنك تخافين علي بناتك أن ينشأن وهن يشاهدن أبيهن يتعاطي الخمر، فيسقط من أعينهن وينظرن له نظرة دونية، وأنك تخشين عليهن من كلام الناس ونظراتهم إليهن بسبب فعل أبيهم... لهذا أطلبي منه الكف عن هذا الأمر والتوبة إلي الله، وقولي له أنك علي استعداد للوقوف بجانبه والصبر عليه حتي يبرأ من هذا البلاء شرط أن تعلمي منه نية أكيدة في التوبة.
4 – بعد عودتك إلي بيتك، اجتهدي في انتشاله من هذا البلاء، وتذكري حديث الرسول صلي الله عليه وسلم: (لأن يهدي الله بك رجلاً واحدًا خير لك من حمر النعم) فكيف إذا كان الرجل هو الزوج، كيف إذا كان هذا الرجل هو أقرب الناس إليك، فاجتهدي في النصح له، وكوني نعم الصاحبة ونعم الصديقة ونعم الناصحة، فاجتهدي وحاولي بقدر المستطاع في النصح له.
5 – إن كان لزوجك صحبة سيئة من الأصدقاء، فحاولي علي قدر استطاعتك أن تبعديه عنهم ولو بتقليل فترات تواجده معهم، واشغليه بأمور البنات وتربيتهن ومطالب البيت، واحرصي علي استخدام ما عندكم من أموال فيما يعود علي أسرتكم بالنفع، ومن الممكن أن تشركي العقلاء والفضلاء من أهله في العلاج.
6 – اعلمي أن تحريم الخمر لا يقتصر علي شاربها، بل يشمل أيضا الحضور في مجالسها، لهذا لا يحل لكِ الجلوس مع زوجك عند شربه للخمر، بل الواجب عليك وعظه ونصحه وتذكيره بالله. اذكري له حديث الرسول صلي الله عليه وسلم: (مَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ فَلَا يَجْلِسْ عَلَى مَائِدَةٍ يُدَارُ عَلَيْهَا بِالْخَمْرِ) رواه الترمذي، فإن لم يستجب لك في تركها، ففارقي مجلسه حال شربه لها.
7 – إن كان زوجك تارك للصلاة، فحثيه عليها وبيني له عاقبة تارك الصلاة، وإن كان يصلي فشجعيه على الإكثار من النوافل، شجعيه على الذهاب إلى المساجد وأن يكون له درس أو جلسة من دروس العلم، شجعيه على أن يستمع للأشرطة التي تُحذر من هذه المعاصي والمخالفات، المهم كوني إلى جواره، واجتهدي في النصح له.
8 – ابحثي عن الأشياء التي تسعد زوجك وافعليها، وابتعدي عن ما يسبب تعصبه وغضبه، كما أنصحك بالتخلص من الأشياء التي تفعليها ويكرهها، تحاوري معه بأدب وهدوء، وانصتي إليه عند التحدث، واحذري من السلبية، بل تحدثي بثقة وتخلصي من الخوف أو الأفكار السلبية أو التذمر أو الإحساس بالعجز والقهر، كوني مبتسمة دائما، لا تظهري خوفك واضطرابك أمامه، قاومي حدته وقسوته بذكاء وحكمة، تفهمي طباعه وشاركيه في همومه وساعديه في حل مشاكله، احتويه وكوني له الأم الحنون صاحبة الصدر الدافئ الذي يستوعب المشاكل ويتفهم الحلول المناسبة ويضحي من أجل إسعاد من يحب.
9 – اعلمي أن المرأة تمتلك أسلحة وإمكانيات خطيرة كأنثى جميلة في روحها وفي مشاعرها، وفي تصرفاتها، فتفنني في امتلاك قلبه، بإرضائه وطاعته في غير معصية، وبإسعاده بتلبية رغباته بقدر وسعك وطاقتك، طبعا فيما لا يغضب الله، حينها ستجدي زوجك يتغير في تصرفاته وردات أفعاله، حافظي علي حسن مظهرك وتعطرك وتفنني في إسعاده؛ فأنوثتك هي سلاحك لترطيب قلبه وتليين مزاجه، وتهدئة عصبيته، وكوني كالمصباح الذي يملأ ضوءه كل أركان البيت، كوني حاكمة حازمة وملتزمة وحكيمة ولست فقط ملكة متوجة أو سلطانة على عرشك بل أنت سلطانة بقوة وصدق كلمتك وبالتزامك بواجباتك، وبقوة شخصيتك، وبإتقانك لوظيفتك، وبحرصك الدائم على الحفاظ على أناقتك لأنها دليل جمالك، وعنوان بهائك، ولا تنسى أن ديننا حث على ذلك، وأمر بحسن تبعلك لزوجك، وأن من صفات الزوجة الصالحة أن تكون من خير متاع الدنيا، وكما وصفها النبي صلى الله عليه وسلم فقال: (ألا أخبركم بخير ما يكنز المرء؟: المرأة الصالحة، إذا نظر إليها سرته، وإذا غاب عنها حفظته، وإذا أمرها أطاعته).
10 – تحيني أقرب فرصة لاصطحاب زوجك إلي الحج أو العمرة، فالحياة في أجواء هذه الشعائر سيرطب قلبه ويلينه ويذهب عنه الشيطان ويعينه علي طاعة الله وتذوق حلاوة الإيمان والتعرف علي أناس صالحين، فاغتنمي هذه الفرص، فإن فيها الخير الكثير.
11 - احرصي على ضبط أعصابك ودعوته بالرفق واللين والموعظة الحسنة بين الفينة والأخرى، واحرصي علي أن تقنعيه أنك تحبين له الخير، وأن يكون وقورا ومحترما بين الناس، وأن يكون مثاليا في كل شيء، مع الدعاء له بالهداية في ظهر الغيب، وتحري أوقات الإجابة خاصةً في الثلث الأخير من الليل.
12 - احرصي على تربية بناتك تربية سليمة، مع إبعاد هذا المنكر عن نظرهن قدر الإمكان، ولا أقل من أن تطلبي من زوجك أن لا يتناول الخمر أثناء تواجدهن، حتى يهديه الله تعالى ويتوب من شربها.
وفي الختام .. نسأل الله أن يهدي زوجك لأحسن الأخلاق والأقوال والأعمال وأن يعينك على تخليصه من هذه السلبية، ونسأل الله أن يوفق الجميع لما يحبه ويرضاه، وسوف نكون سعداء في حال تواصلك، ونتمنى أن نسمع عنك وعنه الخير، ونسأل الله لكم التوفيق والسداد.