11 محرم 1435

السؤال

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.. سؤالي بارك الله فيكم أريد أتزوج من فتاة، أمها صالحة ومن عائلة محافظة، لكنَّ أباها غير اجتماعي وبخيل على أبنائه وانطوائي.
سؤالي هو: هل تنصحونني أن أتزوج ابنته؛ لأني محتار، وأنا قد تزوجت وطلقت مرتين، وأخشى التسرع في الزواج وشكراً. أرجو الإفادة؟

أجاب عنها:
يحيى البوليني

الجواب

بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله أما بعد
أخي الفاضل الكريم
نشكر لك ثقتك في موقع المسلم ومستشاريه ونسال الله أن يجري الحق على ألسنتنا وقلوبنا وان يرينا الحق ويثبتنا عليه
أخي الفاضل
لا شك أن سؤالك مهم جدا ويجب أن يتوقف فيه الإنسان لخطورة المرحلة التي يبنى عليها ما بعدها، فأول ما يجب أن يهتم به المسلم في الزواج هو التدقيق في اختيار الزوج أو الزوجة، فهي الخطوة الأولى والاهم، ويترتب على عدم التدقيق في هذه المرحلة مخاطر عديدة، إذ تكون سببا - إن أسيئ الاختيار - للعديد من المشكلات بعدها.
وتتعدى خطورة الخطأ في هذه الخطوة شخص الزوجين إذ تتسبب في آلام نفسية لكلا الزوجين وآلام نفسية لأسرتيهما وآلام نفسية وجروحا قد لا تجد وسيلة للشفاء منها لأبنائهما إن قدر الله أن يكون لزواجهما ثمرة، ومن هنا نشكر لك اهتمامك بالسؤال قبل الزواج عن كل الظروف المحيطة بمن تنوي الزواج بها.
ولكن النقطة الأهم في رسالتك والجديرة بالتوقف ربما أكثر من سؤالك الحالي وهي خاصة بك أنت، وهي نقطة جديرة بالتوقف عندها وقد برزت في رسالتك عفويا ولابد لي أن أوقفك عندها طويلا.
لقد ذكرت في رسالتك انك تزوجت وطلقت مرتين قبل ذلك وذكرت أيضا أن سنك صغير على ذلك فأنت – كما ذكرت - ما بين الحادية والعشرين والخامسة والعشرين.
ومن هنا نتساءل.. أليس هذا شيئا يستحق التوقف بعناية مع هذه التصرفات السابقة منك والخاصة باتخاذك أربعة قرارات ( زواجين وطلاقين )؟، فلا أشك أن اغلبها كان فيه شبهة خطأ التسرع أو التعجل الشديد منك.
ولاشك قطعا أن – بحسب ما ذكرت أيضا - عمر الزيجتين السابقتين كان قصيرا وربما قصيرا جدا، بما لا يمكنك ولا يمكن زوجتيك السابقتين من وجود فرص حقيقية لكي يكون القرار مدروسا، ولهذا فالعجلة في اتخاذ القرارات تبرز كسمة واضحة في تصرفاتك السابقة.
ومع ذلك لا أريد أن أهدر الاحتمال بأنك كنت مصيبا في قراراتك وغير متعجل، ولكني في الوقت نفسه أتساءل عن دور العائلة معك في قراراتك هذه؟
أين كان موقعهم وموقفهم من قرارات الزواج والطلاق السابقة؟ وهل كنت موافقا لهم ام مخالفا؟، وبالتالي، وهو سؤال مهم في الإجابة على تساؤلك الحالي أين هم الآن من قرارك في زيجتك الحالية الذي ينبغي ألا تكون فيه وحدك؟، فلاشك انك لن تعدم منهم خبيرا أو موجها أو على الأقل شخصا ناضج الفكر وثاقب الرأي لتراجعه ويراجعك في قراراتك قبل أن تتخذ هكذا قرارات متسرعة مثل سابقتها.
أخي الفاضل:
لا شك انك الآن كرجل تعيش حياتك الحالية وكأنك لم تتزوج بعد، فتذهب لتخطب ويرحب بك وتفتح لك الأبواب وتتساءل انت هل توافق عل الزواج ام لا، وهذا حقك فلاشك فيه، ولكن في المقابل هناك فتاتان تحولتا من لقب آنسة لم يسبق لها الزواج فأصبحتا حاليا – بعد قراريك السابقين - تحملان لقب مطلقة، وهو لقب بغيض كريه لا أتمنى لك أن تشعر بتبعاته وآلامه في أخواتك أو قريباتك، فما هكذا الزواج والطلاق يا ولدي، فليس الزواج نزهة في مكان جديد يذهب إليها الزوج فان لم يسترح له تركه وعاد إلى منزله الأول، وليس الزواج والطلاق هينين بهذه الصورة لكي يكون القرار بهما لا يزيد في نظر بعض الرجال عن استبدال سيارة بموديل العام جديد ولا يزيد في نظر بعض الفتيات عن الرغبة في اقتناء رداء جديد سرعان ما تنزعه إذا لم تسترح له.
أخي الكريم:
قبل أن تتساءل عن حالة الفتاة التي تريد خطبتها وعن حالة والدها أن تتساءل عن نفسك آنت، لماذا تريد أن تتزوج، وهل أنت راغب حقا في الزواج لإعفاف النفس وسكن القلب أم تريد أن تتزوج استكمالا لوضع اجتماعي أو للرغبة في مجاراة الأقران.
إن الزواج يا ولدي علاقة بين كائنين كل منهما يحمل سمات نفسية وفسيولوجية تختلف عن الآخر، وكل منهما تربى في وسط غير الآخر، وكل منهما عاش فترة طويلة في حياته قبل الاقتران بالآخر، فبالتالي لابد وان توجد اختلافات بينهما، وعليهما أن يدركا ذلك قبل الزواج وعليهما تحمل بعضهما البعض وتحمل اختلاف الصفات والسمات حتى يتوافقا كل من ناحيته، أما إنهاء الزواج عند أول أو أتفه اختلاف فهذا من الخطأ الكبير الذي يعرض أي علاقة قادمة لنفس المصير
أما عن سؤالك الذي جاء مبتورا، فقد ذكرت فيه صلاح أمها وبخل أبيها عليهم وانطوائيته، والحلقان المذكوران ليسا طرفي نقيض، ولكنك لم تذكر شيئا عن أخلاق الفتاة نفسها فلم تصفها بشيء، فلم تصفها بالصلاح كأمها ولا بالبخل والانطوائية كأبيها مع أن البخل والانطوائية ليسا دليل فساد خلق ولا يقدح في صلاحية البنت للزواج إن كانت صالحة حتى لو كان في أبيها ما ذكرت.
وعلى هذا فلو كانت الزوجة صالحة وغلب على ظنك هذا فلتقدم على الزواج ولا تهتم ببخل الأب فهذه صفة لا تقدح في تدينه رغم أنها غير مستحبة ولكني لازلت أذكرك بالأهم وهو أنت، فقف مع نفسك وقفة صادقة وراجع تصرفاتك وغاياتك من الزواج، فالطلاق يكون بلا سبب واضح سيكون قريبا جدا إذا كان الزواج من الأصل بلا هدف واضح وبلا استعداد لتحمل مسئولية الزواج من كلا الزوجين.
وفقك الله ورعاك.