تونس: فشل الانقلاب الثاني عبرالاغتيالات
1 شوال 1434
عبد الباقي خليفة

تشهد تونس منذ ثورتها 17 ديسمبر/ 14 يناير 2011 م ، محاولات عديدة لإعادة الإستبداد بطرق مختلفة، سواء باستمرار النظام السابق بشخوص جديدة كما كشفت عن ذلك عملية الانقلاب الفاشلة التي دبرها مدير الأمن الرئاسي في عهد المخلوع، علي السرياطي، يوم 14 يناير 2011 م، والتي أجهضها الجيش باعتقاله، أوعملية الالتفاف على الثورة والتي تمثلت في استدعاء شخوص النظام المنهار لقيادة المرحلة الانتقالية الأولى لمدة تقرب من العام، تم خلالها اتلاف وثائق وتثبيت الدولة العميقة في أماكنها ولا سيما مؤسسات الدولة ، وتحديدا الفلول داخل الأمن ، والاعلام، والإدارة، بل وتعزيزها .

 

وقدعمل هذا الثالوث الإجرامي، على تعكير صفو الوئام المدني بعد انتخابات 23 أكتوبر 2011 م حيث تم إلقاء القبض على بعض العناصرالأمنية الفاسدة، بعد تورطها في أعمال اجرامية، وعمليات سطو وقطع طرق بالجملة. ويتساءل كثيرون عن دور فلول النظام السابق ، وعناصر الأمن الفاسدة التي تم تسريحها في ارباك الوضع الأمني في البلاد، ومدى تعاون بعض أطياف المعارضة من جرحى الانتخابات في التعاون معهم.

 

اغتيال جديد: مثلت عملية اغتيال محمد البراهمي( قومي ناصري ) يوم 25 يوليو 2013 م، فرصة جديدة لدعاة الانقلاب للدعوة للانقضاض على السلطة على غرار ما وقع في مصر. وقد سبقت عملية الاغتيال  محاولة مشابهة في 6 فبراير 2013 م تمثلت في اعتيال القيادي اليساري شكري بلعيد، لإثارة البلبلة في صفوف التونسيين ، وزيادة حدة الاحتقان ، على طريق النيل من الربيع العربي ، والاجهاز عليه . فيما أعقبتها تصريحات للعناصر الانقلابية ، متزامنة مع محاولات لجمع تواقيع لما يسمى بحركة ( تمرد ) وتكوين مليشيات اجرامية من أصحاب السوابق وخريجي السجون وأحط ما عرفه المجتمع التونسي من نوعيات البشر، سميت باسم مستفز للمؤسسات الأمنية والعسكرية " الدفاع عن المواطن والوطن ".وتزامن ذلك مع تصريحات تنفي الآخر وتحديدا الاسلامي، فهذا ناصر العويني ( شيوعي ) يقول "إما نحن أو هم " وهذا عدنان الحاجي( يساري) يقول" يجب قتل الإسلاميين" وهذا عبد العزيز المزوغي( يساري مهجن ) يقول" سوف نسحلكم في الشوارع" وهذا الطاهر بن حسين الذي كان والده عمدة في العهد الفرنسي "يقول يجب قتل العريض( رئيس الوزراء ) والغنوشي ( رئيس حركة النهضة )" وهذا الشويعر الصغير أولاد أحمد يقول ومنذ وقت مبكر" سأحرض على الحرب الأهلية في صورة فوز حركة النهضة في الانتخابات " وهذا عياض اللومي ، من الفلول، يؤكد" نعد التونسيين بحمام دم في صورة إقصاء التجمعيين" ويختمها الباجي قايد السبسي( وزير سابق في عهدي بورقيبة وبن علي) بتوعد التونسيين ب" حرب أهلية في صورة إقصاء التجمعيين".

 

كل هذه التصريحات وما رافقها من عمليات تعطيل للمسارالانتقالي داخل المجلس الوطني التأسيسي( البرلمان ) سبقها وأعقبها دعوات لحل المجلس الوطني التأسيسي، وتغييرالحكومة، بحكومة( انقاذ )لا يكون من بينها أعضاء من الأحزاب الحاكمة اليوم .

 

وكان الانقلابيون يبحثون عن حدث ينطلقون منه لتنفيذ مخططهم الانقلابي ، فسعوا لدى الجيش وقوات الأمن ، لينفذوا انقلابا على غرار ما حدث في مصر، لكن القوات العسكرية والقوات الامنية رفضت الانحياز لطرف سياسي، مدعوم خارجيا، فكانت عملية الاغتيال في ذكرى الجمهورية( 25 يوليو ) لتصب الزيت على النار وتفجرالأوضاع. وتنطلق الدعوات للعصيان المدني، وإسقاط الحكومة . وصدرت بيانات من أحزاب المعارضة من بينها بيان "التيار القومي التقدمي" الذي اعتبر عملية الاغتيال "لارباك الوضع السياسي الهش" ولكن " ضمن إطار الجريمة الارهابية المنظمة لاسكات الأصوات الحرة والديمقراطية" في تناقض واضح . ودعا البيان إلى العصيان المدني "لاسقاط الحكومة الضعيفة أصلا وغير القادرة على اخراج شعبنا من مأزقه على حد تعبيره " كما دعا لما وصفه " مهزلة المجلس التأسيسي... وإنهاء مسلسل الدستور الذي طال أكثر من اللازم"، حسب قوله . وصدرت عديد البيانات الإنقلابية من الأحزاب الداعية لذلك ، ولم تكتف الأحزاب السياسية بالبيانات بل خرجت بعض الجموع في محاولات يائسة للاستيلاء على مؤسسات الدولة بما في ذلك ، المجلس الوطني التأسيسي، والحكومة، والولايات( المحافظات) وحتى المقرات السيادية في البلدات المختلفة.

 

 وقال القيادي في الحزب الجمهوري أحمد نجيب الشابي، "على هذه الحكومة أن ترحل والمجلس التأسيسي توفي، لانه عجز عن صياغة الدستوروأن ما تحتاجه البلاد حكومة انقاذ وطني".
وأعلن القيادي عن حزب العمال الشيوعي الجيلاني الهمامي" جبهة الانقاذ الوطني، التي تم الاعلان عن تأسيسها والمتكونة من أحزاب الجبهة الشعبية، والاتحاد من أجل تونس، وعدد من المنظمات والجمعيات ستشرع في مشاورات حول تكوين حكومة انقاذ وطني واختيار رئيس للحكومة يكون من الشخصيات الوطنية المعروفة بكفاءتها واستقلاليتها بداية من 28 يوليو 2013"م . وبدأت هذه الجموع الصغيرة تحاول تشكيل لجان لتسيير الأوضاع في مختلف المؤسسات، دون وعي منها بأنها تفكر بالتمني، فقد تصدى لهم أنصار الشرعية والقوات الأمنية وأفشلوا موآمرة الانقلاب المدعوم دوليا، وتم رفع الخيام التي تم نصبها أمام المجلس التأسيسي .

 

وكشف عن المؤامرة تنظيم أنصارالشريعة، الذي رفض، الزج باسمه في جريمة اغتيال البراهمي، سواء من قبل الجهات الرسمية أوالمعارضة أو الاعلام، واعتبر الاغتيال" محاول للزج بالبلاد في فوضى يستفيد منها المتورطون من أزلام النظام السابق وأذيال الصهاينة والصليبيين في البلاد" وكان البعض قد راهن على سكوت التيار الاسلامي لاتهامه بقتل البراهمي. وجاء في البيان"أنصار الشريعة يعتقدون أن ما يحدث هو حلقة جديدة من حلقات التشويه للتيار السلفي الجهادي عموما ولطليعته أنصار الشريعة خصوصا، بهدف إزاحتها عن الساحة بعدما اكتسحت بالدعوة البلاد فدخلت قلوب العباد" واعتبر البيان أن" الحل الوحيد للخروج بالبلاد من كل أزمة هو تجديد الميثاق مع الله عز وجل بإقامة شريعته كما يحبها ويرضاها" وإنه" لن يقوم لأي دولة أساس إلا بتحكيم كتاب الله وسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم".

 

وقال المحلل السياسي صافي سعيد" ما يحدث في تونس انقلاب دولي، ويجب التمييز بين التجاذبات والعنف السياسي، وبين الارهاب" وتابع" هناك قرار دولي مفاده أن الموجة الاسلامية التي جاءت بها الثورات عليها أن ترحل" وأردف" ربيع الثورة سافرت نسائمه من تونس إلى بعيد ، ثم عاد إلينا غباره ، ونحن اليوم في منطق مختلط ومكثف مضبب يختلط فيه العنف والارهاب والسياسة والتجاذبات ، ومن مظاهر الاختلاط دخول منظومة الامن ومنظومة الجيش في السياسة ، حيث نرى أن منظومة السياسة تريد أن تجر الجيش وتغريه للتدخل". وواصل قائلا" تونس تدفع ثمن موقفها مما يجري في مصر، وعندما تكون ضد الانقلاب في مصر فأنت ضد الكويت وضد الامارات وغيرها وضد دولتين أوروبيتين جميعها مستعدة لتقديم المليارات مقابل تنفيذ انقلاب ينهي المسار الانتقالي"وختم بالقول" ما يحدث في تونس انقلاب دولي وإرهاب دولي".

 

الاغتيال يستهدف النهضة: لقد بات من الواضح أن عملية الاغتيال كانت تستهدف وقف المسار الانتقالي في تونس، مع قرب موعد الانتخابات، وانهاء الدستور، وتشكيل الهيئات الدستورية، والانقلاب على ما تم حتى الآن من تقدم. ووصف بيان حركة النهضة ما جرى" عملية اغتيال نكراء جبانة ..... تستهدف أمن البلاد ودفعها نحو العنف والتقاتل ، وتأتي هذه الجريمة في سياق التقدم الذي شهدته العملية السياسية بانتخاب الهيئات التعديلية وإعداد مشروع الدستور والتوافق على أغلب القضايا الخلافية". واعتبرت حركة النهضة الاغتيال" جريمة خطيرة تستهدف الثورة وضرب الوحدة الوطنية وتعطيل المسار الانتقالي الديمقراطي" ودعت السلطات الامنية والقضائية إلى بذل كل جهد وتخصيص كل الامكانيات للوصول إلى الجناة وإنارة الرأي العام ومحاكمتهم" ودعت كل التونسيين إلى الحفاظ على الوحدة الوطنية والتضامن وضبط النفس لتفويت الفرصة على المجرمين الذين يريدون تخريب تجربتنا وضرب تعايشنا" وقال الشيخ راشد الغنوشي إن" شرعية المجلس الوطني التأسيسي خط أحمر" وجدد زعيم حركة النهضة، التأكيد على انفتاح الحركة على كل المبادرات والاطروحات التي من شأنها أن تحقق المصلحة الوطنية وإجراء الانتخابات قبل نهاية العام الجاري.

 

وقد قطع رئيس الوزراء التونسي علي العريض الشك باليقين، بخصوص مطالب الانقلابيين، حيث أكد على أن"الحكومة ستواصل أداء واجبها وستستمر في مضاعفة الجهد وأن أعضاءها يتحتم عليهم تحمل المسؤولية بالكامل وفاء بالعهود والمواثيق" وبرا بشعبنا وشهدائنا"وجدد التأكيد على ضرورة أن ينهي المجلس الوطني التأسيسي استكمال صياغة الدستور بالمصادقة عليه في أجل لا يتجاوز نهاية شهر أغسطس على أقصى تقدير، والانتهاء من وضع القوانين الانتخابية قبل 23 أكتوبر القادم ، واجراء الانتخابات في 17 ديسمبر 2013م . وأن الحكومة ستواصل جهودها الرامية لتطوير المجالات الاقتصادية والاجتماعية وستضل حريصة على تلازم البعدين المعنوي والمادي تكريسا لهوية الشعب وترسيخ مبادئ التضامن وتحقيق تماسك الاداء الاقتصادي . والالتزام بتطبيق القانون على الجميع واطلاق حوار وطني مفتوح مع كل الاطراف السياسية والنقابية والمجتمعية حول جميع الاهتمامات والمقترحات التي من شأنها أن تعزز فاعلية العمل .

 

وأعرب رئيس الحكومة التونسية عن استيائه من استغلال بعض الاطراف لعملية الاغتيال وتوظيفها لغايات سياسوية ومحاولة اسقاط الحكومة وانهاء عمل المجلس التأسيسي. ووصف الانقلابيين بأنهم مجموعات من الانتهازيين الذين فشل مسعاهم الانقلابي على الشرعية بعد انتخابات 23 أكتوبر 2011م.

 

أخيرا: ليس هناك فوضى في تونس، فالناس يزاولون أعمالهم، والحياة تسير بنسق طبيعي في الشوارع ، ما عدا بعض الفقاقيع التي سرعان ما تخبو، تمثلها القوى المستفيدة من المال السياسي والرشاوي الدولية، وبعض فلول النظام السابق، وقوى اقليمية تخشى استقرار الاوضاع في تونس وما يمكن أن تقدمه من نموذج يحتذى به ، وتحديدا نظام الجنرالات في الجزائر، وبعض شيوخ النفط . وقوى دولية تخشى ضياع مصالحها غير المشروعة والتي تعود للعهد الاستعماري البغيض وتواصلت في عهدي بورقيبة وبن علي وفي مقدمتها فرنسا. وقد زاد عدد الملحقين العسكريين في تونس في سفارات الدول الاقليمية والدولية مما يتوجب على الدولة التونسية تقليصهم، لا سيما بعد جريمة مقتل 8 من الجنود التونسيين بطريقة الاستخبارات الجزائرية في تسعينات الدم بالجزائر .