حديث النفس
27 رمضان 1434
د. خالد رُوشه

كل امرؤ في حاجة ماسة إلى أن يحادث نفسه حديثا صادقا , يجلي فيه الحقائق ويضع فيه النقاط على الحروف , ليجيب فيه عن أسئلة حرجة ربما تكون الإجابة عليها منطلقا لاستقامة على طريق الإيمان من جديد .

الصالحون دائما يحاسبون أنفسهم ويعاتبونها ويلومونها ويقفون معها عبر حديث يجري بين كل منهم ونفسه , وكأنه يخاطب مغايرا عنه , فيهذبه تارة , ويعاقبه تارة , ويحاسبه تارة , ويحسن إليه تارة أخرى .

وحديث النفس ليس ضربا من ضروب الأوهام ولا الخيالات , وإنما هو موقف جاد يقفه كل امرىء منا مع نفسه .
غالبا ما لا يدرك الإنسان نواقصه , وغالبا مالا يهتم الإنسان بعيوبه , وغالبا ما يغفل المرء عن سقطاته , وحديث النفس يعالج كل ذلك , فيكشف العيوب , و يظهر المثالب ويقوم السقطات ..

والجملة التي قالها الفاروق عمر بن الخطاب رضي الله عنه , كانت جملة حكيمة لا تخرج إلا من صالح مداو لأدواء نفسه , معالج لأمراضها , إذ يقول : "حاسبوا أنفسكم قبل أن تحاسبوا ,وزنوا أعمالكم قبل أن توزن عليكم " .

وحديث النفس ينبغي أن يكون شفافا صادقا , إذ إن بعض الناس يضحكون على أنفسهم في أحاديثهم لأنفسهم , فحاله حال الذي ينظر إلى المرآة قائلا لنفسه : يالحسنك , ويالفضلك .

والواجب أن يكون حديث النفس هو حديث البحث عن النواقص لإضافتها , وعن الثغرات لسدها , وعن الانحرافات لتقويمها .

وينبغي أن يكون حديث النفس حديث اعتراف بالخطأ , وحديث بحث عن سبب الخطأ , وحديث مداواة للخطأ , وحديث عزم على عدم تكرار الخطأ .

كثير من الناس يرون أنفسهم أمام أعينهم كاملة غير منقوصة , ويرون ميزاتهم ظاهرة , أولئك الذين يكذبون على أنفسهم ثم يصدقون الكذبات , وأولئك الذين يحقرون الناس , فيرون عيوب الناس جساما ضخاما , في وقت يرون أنفسهم أمامهم وضيئة مضيئة .

هي إذاً دقائق معدودات .. ربما يحتاج أحدنا إلى قلم وورقة , وربما حتى لا يحتاج , ليكتب خطابا يجتر الماضي ويتذكره جيدا ..

وعند بعض الناس تصلح المحاسبة عبر سنين طويلة , أولئك الذين أحبوا مراجعة تاريخ مضى راغبين في لقاء الله بعد تطهير أعمالهم وسنيّ عمرهم , وعند آخرين تمثل لحظة النوم لحظة المراجعة ولحظة حديث النفس , يتدبر فيها أخطاء اليوم ومثالب الساعات القريبة الماضية , وعند آخرين محاسبة النفس بعد كل عمل .. أولئك قوم سباقون .

على أية حال تعتبر محاسبة النفس ومحادثتها بداية لتطهير ما علق بالنفس من سلبيات , وتقصير في حق الله سبحانه وتعالى أو في حق الناس أو في حق النفس , والله سبحانه وتعالى يهدي من سعى وبذل وجاهد واجتهد ليصلح ذاته ويصلح نفسه , قال سبحانه : " ونفس وما سواها فألهمها فجورها وتقواها قد أفلح من زكاها وقد خاب من دساها " وقال سبحانه : " والذين جاهدوا فينا لنهدينهم سبلنا وإن الله لمع المحسنين "