ميدل إيست مونيتور: تقديرات أعداد متظاهري 30 يونيو غير صحيحة
9 رمضان 1434

على الرغم من الصعوبات المعروفة في تقدير أعداد الحشود الكبيرة، من الواضح أن لعبة الأرقام تم لعبها من قبل المعارضة والجيش من أجل تنظيم وتبرير انقلاب ضد الرئيس محمد مرسي. ولسبب ما, العديد من الأطراف الخارجية استخدمت هذه الأرقام لتبرير تأييدهم للتدخل العسكري.

 قدم الجيش فيديو مصور من قبل مروحية عسكرية للمظاهرات في القاهرة الى وسائل الاعلام لتبرير انقلابهم، مؤكدا أن جميع الشعب خرج في مظاهرات ضد الرئيس مرسي وأن بناءاًعلى ذلك لم يكن للجيش أي خيار سوى أن ينضم الى الشعب. و لكن تم تجاهل حقيقة أن بعض لقطات الفيديو المقدم كدليل ضد مرسي كانت في الواقع مأخوذة من فيديو لمظاهرة لمؤيدين مرسي.

 ومما يثير القلق أن بعض الدول في الغرب بالاضافة الى شخصيات سياسية رائدة دعمت هذه الحجة دون التأكد من صحة الأرقام المعلنة. لقد شاركوا في الانقلاب، الذي كان يستهدف ليس فقط الرئيس المنتخب ولكن عملية التحول الديمقراطي في مصر أيضا على أساس أن هذه هي إرادة الأغلبية الساحقة من الشعب.

 لإعطاء إحصاءاتها شيء من الاحترام والمصداقية،ادعى التحالف المناهض لمرسي أنه تم الحصول على احصائيات حشدهم من التغطية والتحليلات التي أجراها برنامج Google Earth. على الرغم من أن لم تتأكد هذه الأرقام من قبل عملاق الأقمار الصناعية، فإن التقديرات تراوحت ما بين 14.3 مليون و 33 مليون متظاهر. عند البحث على الشبكة لم يظهر أي بيان رسمي من Google Earth لتأكيد هذه الادعاءات. و طلب MEMO من جوجل التعليق على هذا الموضوع لكنه لم يتلق ردا على هذا الطلب.

 ما جعل الأمور أكثر شكاً هو تدخل رئيس الوزراء البريطاني السابق توني بلير والذي قال أنه كان على الجيش ان يختار بين "التدخل أو الفوضى". وأضاف أنه على الرغم من أن وجود "17 مليون" فرد في الشوارع لا يعتبر انتخابات، فإنه "استعراض رائع لقوة الشعب."

 قبل عشر سنوات، في 15 فبراير 2003، المنظمين ووسائل الاعلام نقلوا ان اثنين مليون مواطن بريطاني سار في لندن احتجاجاً على الحرب في العراق، وحتى شرطة العاصمة قدرت أن عدد الحاشدين وصل الى 750,000على الأقل و تجاهلهم بلير بازدراء. الحجم الضخم لهذه المظاهرة التاريخية تم تسجيلها من قبل مروحية شرطة العاصمة. في تلك الوقت لم تكن لندن الوحيدة المعارضة للغزو بل كانت هناك مظاهرات متزامنة في 800 مدينة أخرى حول العالم، شارك فيها ما يقدر ب 30 مليون متظاهر في ما كان يعتبر أكبر مظاهرة عالمية في يوم واحد في التاريخ. و بناءاً على ذلك عند مقارنة مقاطع الفيديو من هذه المظاهرات والتي من 30 / 6، يبدو أنه من غير المحتمل أن 30 مليون شخص أو حتى عشر هذا الرقم تم حشدهم في مصر في 30 يونيو.

 على الرغم من أن جوجل حتى الان لم يؤكد هذه الأرقام المهولة التي نقلته جبهة الإنقاذ والتمرد، لقد قام باحثون غربيون باستخدام مسطرة Google Earth لقياس حجم استيعاب ميدان التحرير والأماكن المحيطة به. وبعد استخدام هذا الأسلوب نفسه، استبعد الدكتور كلارك ماكفيل، وهو أستاذ فخري في علم الاجتماع في جامعة إلينوي، وخبير في علم قياس الحشود، إمكانية خشد مليون شخص في الساحة.

 في حين أن القاهرة ليست ممثلة لمصر بأكملها فانها كمعظم العواصم مركزا لاحتجاجات وطنية كبرى. ان مساحة ميدان التحرير هو 53,000 متر مربع و المساحة من محيطها إلى الجانب الآخر من النيل عبر جسر قصر النيل هو 13,000 متر مربع. و المنطقة الممتدة من ميدان التحرير إلى جسر 6 أكتوبر هو 20,000 متر مربع. وفقا لذلك، فان مجموع المساحة التي تجمع فيها المتظاهرين هي 86,000 متر مربع.

 و ان افترضنا أن أكبر عدد من الناس يمكن حشرها في المتر المربع الواحد هو أربعة، فهذا يعني أن السعة القصوى لميدان التحرير والمناطق المحيطة بها يوم 30 يونيو كانت 344,000 المتظاهرين.

 أما بالنسبة لمساحة القصر الرئاسي والناطق المحيطة بها، فان شريط الفيديو الذي عرضته المعارضة كشفت أن طول المظاهرة كان 1,400 متر (أقل قليلا من كيلومتر ونصف)،و بلغ عرضها 45 مترا، مما يعني أن المساحة الإجمالية هي 63,000 متر مربع.

 وبالاضافة إلى ذلك، كان هناك مظاهرة أخرى شمال القصر في مساحة 9,000 متر مربع. مما يفيد أن مجموع المساحة المتاحة للمتظاهرين في محيط القصر الرئاسي هو 72,000 متر مربع.

 وفقا لذلك، فإن العدد الإجمالي للمتظاهرين حول القصر الرئاسي، وذلك باستخدام معادلة أربعة أشخاص لكل متر مربع، يبلغ 288,000 متظاهر. وبالتالي فإن المجموع الكلي للمتظاهرين في ميدان التحرير ومنطقة القصر الرئاسي يبلغ حوالي 632,000 شخص في اليوم المشار اليه. هذه الحسابات متسقة مع النتائج التي توصل إليها باحثون و مدونون مختلفون.

 و حتى إذا زدنا الأرقام، فإن عدد متظاهرين يونيو 30 لا يمكن أن يزيد عن بضع ملايين من الناس في البلد كله. في الواقع، لا وسيلة من وسائل الاعلام ذات مصداقية، حتى تلك التي ضخمت و بالغت الأعداد،استخدمت أي تعبير غير المصطلح الغامض "ملايين المتظاهرين". و لكن وسائل الإعلام المصرية لم تكن متحفظة في تقاريرها. ووصف محمد حسنين هيكل، الكاتب المصري المخضرم ووزير الإعلام السابق في عهد جمال عبد الناصر المظاهرات يوم 30 يونيو بانها "غير مسبوقة في السياسة البشرية الحديثة ... أكبر من كل ما شهدتها إنجلترا أو فرنسا".

 ومع ذلك، لا يوجد شيء في سلوك وسائل الإعلام المصرية قبل 30 يونيو يمكن أن يوحي بأنها ستقدم تقدير غير متحيز للحشود في اليوم.المشار اليه. فان حملته الهادفة لشيطنة الرئيس مرسي و الاخوان طوال العام الماضي و حتى بعد الاطاحة به, بالاضافة الى دور الاعلام في تأييد، و نشر و الثناء على أفعال تمرد منذ أن بدأت و حتى تحقيق هدفها، يمنعنا من اتخاذ وسائل الإعلام المصرية كمصدر موثوق محايد على حجم احتجاجات 30 يونيو.

 انه من غير المعقول أن استخدام مدبري الانقلاب لبرنامج Google Earth كمرجع لم ينظر بطريقة انتقادية في مصر والشرق الأوسط و لا في الغرب. أن الأفراد في مواقع السلطة والنفوذ تقبلت الأرقام دون أي تحليل نقدي أو تثبت. لكننا لا نعلم اذا هذا كان كسلاٍ منهم أو بسبب التواطؤهم مع المعارضة المناهضة لمرسي.

 ما هو مؤكد هو أن مصر تقف اليوم بشكل خطير على حافة كارثة وطنية. مع عدم وجود دستور ولا برلمان و برئيس مدني منتقاة بعناية من قبل الجيش، أصبحت البلاد في حالة من الشلل السياسي والاستقطاب. على الرغم من أن عملية التحول الديمقراطي التي بدأت يوم 25 يناير 2011 عانت من نكسة، لم يتم إجهاضها. فان المصريين الثوريين الذين أسقطوا نظام مبارك في 18 يوما، سيستعيد زمام المبادرة و الشرعية الديمقراطية من أجل تحقيق الصالح العام. فان التقديرات المزعومة لبرنامج Google Earth لا يمكن أن تحل محل صندوق الاقتراع في تحقيق الإرادة الديمقراطية الحقيقية للشعب

 

المصدر/ كلمتي