مثقف قبطي شجاع.. ومثقفون "مسلمون" بلا قِيَم!!
9 رمضان 1434
منذر الأسعد

الدكتور رفيق حبيب مفكر قبطي شجاع، لأنه يدافع عن الهوية الإسلامية لمصر وهو غير مسلم، في حين يزدريها ويحاربها "مثقفون" ينتسبون بالميلاد إلى عائلات مسلمة!!
ظل الرجل على فكره الذي يغرد خارج السرب، فنال من عداء مؤسسات النظام الاستبدادي للمخلوع مبارك نصيباً وافراً، وبخاصة أن سدنة الثقافة في ظل النظام البائد كانوا حفنة من المتغربين ومحترفي التجارة، ممن نقلوا البندقية من المعسكر الشيوعي عقب هزيمة الاتحاد السوفياتي بالضربة القاضية، فصاروا بين عشية وضحاها " مبشرين" بالليبرالية الغربية، التي دأبوا على شتمها وهجائها سنين طويلة امتدت من شبابهم البائس إلى شيخوختهم الأشد بؤساً. فالمهم عند هؤلاء الاستمرار في محاربة الإسلام تحت راية الخصومة مع تيارات إسلامية، بصرف النظر عن رؤاها المتباينة!! فهؤلاء الذين لطالما خصوا السعودية حاكمين ومحكومين بأقذع شتائمهم، وافتروا على أهلها وعلمائها "تصدير الفكر الوهابي البدوي" إلى مصر، لن يفاجئونا إذا راحوا ينظمون قصائد التغزل بمن كانوا يهجوونهم بالأمس القريب.. فالغاية عند هؤلاء الأمساخ تبرر الوسيلة بحسب "فقه" كبيرهم ميكيافيللي الذي علمهم السحر.
اليوم، ازدادت المعطيات تعقيداً، وبات الصدع بكلمة الحق في مصر مكلفاً، في ظل انقلاب عسكري غشوم، يصر الطغاة على تسميته"ثورة ثانية"!! ولا سيما أنه عهد رهيب ابتدأ بعدوان سريع وماحق على حرية الكلمة التي لا تلائم خطط الذين أزاحوا الرئيس المنتخب، وأتوا بأدوات باهتة نصبوها كواجهات لتستر عارهم، وأنى لها ذلك!!
الدكتور حبيب تشبث بنزاهته كباحث وبإنصافه كمصري يدرك قيمة العطاء الإسلامي الفذ، حيث تزاوجت القدرة الحضارية النابعة من الدين الحنيف مع عبقرية المكان وتاريخه وتكوين أهله، فأصبحت مصر أكثر تألقاً وأعظم تأثيراً في المنطقة والعالم.
نشر رفيق حبيب دراسات متلاحقة حول الربيع العربي، اتصفت بقدرة رائعة على الغوص في العمق، بالرغم من سخونة المجريات الراهنة وسيولة التحولات التي تشبه الرمال المتحركة.
ومما يستحق الوقوف عنده، أن هذا الفكر الحر توقع "سيناريو" الانقلاب التغريبي قبل شهر من وقوعه، بناء على معطيات موضوعية وذاتية رصدها الباحث بدقة وأمانة، في بحثه المعنون: إسقاط الرئيس أم الهوية؟ فتلك قراءة رصينة لبنية القوى المتغربة المهزومة في وسائل الاختيار الشعبي الحر، ولطبيعة تركيبتها التابعة للغرب جملة وتفصيلاً.
أما دراسته المنشورة منذ أيام معدودات: مذبحة الفجر /السيناريو العنيف للانقلاب، فهي مفاجأة من العيار الثقيل، لأنها تنسف كل أراجيف التضليل الإعلامي الأحادي، المنبطح تحت الحذاء العسكري، والمنضوي في معركة الثورة المضادة، منذ اليوم الأول لخلع حسني مبارك.
ينطلق الكاتب في بحثه الأخير من المجزرة الدموية البشعة، التي ارتكبها الحرس الجمهوري قبل أسبوع تقريباً، في حق أكثر من مئة من المتظاهرين العزل، لكي يضع الانقلاب في سياقه الحقيقي، وهو التآمر على الهوية وليس على شخص محمد مرسي ولا على جماعة الإخوان، بحسب الدجل الإعلامي الذي يسعى إلى التعمية والتضليل المتعمد.
يسخر الدكتور رفيق ولكن برصانة من المغفلين الذين يتوهمون أن العسكر يريدون استكمال ثورة 25 يناير 2011م، وكذلك من الذين يتخيلون أن الانقلابيين يسعون إلى الدخول في فترة انتقالية، يعيدون بعدها الحياة السياسية إلى المجتمع!!
فأقصى ما يمكن أن "يجود" به الانقلابيون هو تقديم ديكور ديموقراطي يشبه كل الشبه الفترة الأخيرة من طغيان المخلوع مبارك..
والرجل يتوقع فشل الانقلاب في تحقيق أهدافه المدمرة لمصر، وهذه مسألة تقبل الأخذ والرد، وهي تتوقف-بعد مشيئة الله تعالى-على إدارة الأزمة لدى القوى التي تقود الشعب المحتج، وكذلك على سوء تقديرات الانقلابيين. فالمواجهة لا تزال في بداياتها، وإن كانت المؤشرات حتى اللحظة تشهد بصحة استنتاج حبيب من أن دائرة الانقلابيين سوف تنحسر بعد زوال السحر عن عيون المخدوعين، وأن دائرة المناوئين للانقلاب الخطير تزداد حجماً ونوعاً وأداءً.
إنه لا يعلم الغيب إلا الله. لكن ما يبقى في هذا الشأن الثقافي أن نشهد بجرأة رفيق حبيب، وموضوعيته وقدرته على الإنصاف تحت ضغوط هائلة تدفع إلى نقيض ذلك تماماً.