ماوراء التاريخ .. تداعيات الثورة السورية
26 شعبان 1434
د. محمد العبدة

ما وراء التاريخ مصطلح يذكره المؤرخون وخاصة الغربيون منهم ويقصدون به الحوادث الخفية التي تجري وراء ظاهر الماجريات التي يراها الناس ويرصدونها ، وهذه الحوادث سوف تؤدي في المستقبل إلى تحولات كبيرة لم يتوقعها المهتمون بمسيرة الأحداث وصراعات البشر ،ونحن المسلمين نقول : هو تدبير الإرادة الإلهية ، ومشيئته تعالى ويده الخفية في مسار تاريخ البشرية ، واستدراجه لمن وقع عليه قدر الله ويستحق هذا الاستدراج ، وبعض المؤرخين يبتعدون عن ذكر الدين أوسنن الله في الكون إما ليظهر أنه لا يعتمد التفسير الغيبي ( الميتافيزيقيا ) أو للتظاهر ب ( الموضوعية ) والحيادية ، ولكن كل هذا لا يحجب الحقيقة وهي أن لله سننا كونية في المجتمعات والأفراد ، وسننا في التحولات الكبرى في تاريخ البشرية .
ذكر القرآن الكريم أمثلة لهذا التدبير الإلهي ، قال تعالى ذاكرا صراع الروم والفرس وموقف المسلمين من هذا الصراع :

 

’’ألم * غلبت الروم * في أدنى الأرض وهم من بعد غلبهم سيغلبون * في بضع سنين  لله الأمر من قبل ومن بعد ويومئذ يفرح المؤمنون * بنصر الله ينصر من يشاء وهو العزيز الرحيم ،، الروم 1-5
إن انتصار الروم على الفرس هو إضعاف للإمبراطورية الفارسية وهي القوة الكبرى على الساحة الدولية يومئذ ، وهي قوة مخيفة ، فلما كسرت شوكتها كان ذلك تمهيداً وايذاناً بانتصار المسلمين على هذه الإمبراطورية والقضاء عليها قضاءً نهائياً ، وهذا أحد أسباب فرح المسلمين بانتصار الروم . ومن جهة أخرى فإن هذا الانتصار الذي تحقق للروم ربما يكون قد استنفد قوتهم وأنهك جيوشهم وهذا مما مهد الطريق أيضاً لانتصار المسلمين عليهم وفتح بلاد الشام ومصر وغيرها من البلاد التي كانت تحت نفوذهم ، روى ابن أبي حاتم عن الزبير الكلابي قال : رأيت غلبة فارس الروم ثم رأيت غلبة الروم فارس ثم رأيت غلبة المسلمين فارس والروم .

 

كما جاء في سورة آل عمران وسورة الأنفال حول غزوة بدر وكيف أراد الله سبحانه وتعالى هذه المعركة ، وأراد من المسلمين أن يصارعوا الكفر مبكراً لأمر يريده ، ولم تكن وجهة المسلمين في البداية للقتال ولكن لأخذ القافلة ( وتودون أن غير ذات الشوكة تكون لكم ، ويريد الله أن يحق الحق بكلماته ويقطع دابر الكافرين ) الأنفال / 7

 

لقد استدرج الله سبحانه الكفار لتقع المعركة التي يريدها ، وذلك بأن قلل المسلمين في أعينهم حتى يتجرأوا عليهم ، وقلل الكفار في أعين المسلمين ليتجرأوا ايضاً، أي أن الله أغرى كلاً من الفريقين بالآخر ( إذ يريكهم الله في منامك قليلاً ولو أراكهم كثيراً لفشلتم ولتنازعتم في الأمر ولكن الله سلم إنه عليم بذات الصدور . وإذ يريكموهم إذ التقيتم في أعينكم قليلاً ويقللكم في أعينهم ليقضي الله أمراً كان مفعولاً وإلى الله ترجع الأمور ) الأنفال / 43 -44
وهذا من لطف الله وتدبيره لأن في هذه المعركة ظهر الإسلام وانتكس الكفر والشرك ، وانتقم الله من أعدائه ، والذين حضروها من الصحابة هم خير أجيال المسلمين .

 

وكما جاء في سورة الحشر التي تتحدث عن غزوة بني النضير وكيف قام اليهود بتخريب بيوتهم بأيديهم . وإذا أراد الله شيئاً هيأ أسبابه ومقدماته ، وتأتي الحوادث إرهاصات لتحول كبير يكون له الأثر الواضح في التاريخ .
قبيلة تركية تطرد من موطنها ،وتهاجر إلى مكان هو جزء من دولة السلاجقة في بلاد الروم ( الزاوية الشمالية الغربية من تركيا اليوم ) ولكن هذه القبيلة التي خرجت فارة من جيرانها سيكون لها دور كبير في تاريخ المسلمين ، من هذه البقعة سيكون تأسيس الدولة العثمانية التي عاشت أكثر من سبعة قرون وفتحت أجزاء كبيرة من قارة أوروبا ، وفتحت مدينة القسطنطينية التي بشر الرسول صلى الله عليه وسلم بفتحها .

 

هل إرادة الله سبحانه وتعالى وتدبيره الخفي هو الذي جرَ ايران الرافضية وحزبها في لبنان لأتون المعركة في سورية ، وذلك حتى ينكشف أمرها وأمر حزبها ، وتتعرى أمام العالم الإسلامي بأنها دولة عدوانية مجرمة لا تختلف عن أجدادها القرامطة والحشاشين .
إيران التي حاولت تلميع وجهها أمام العرب والمسلمين حين كانت ترفع من وتيرة العداء لإسرائيل ظاهرا وتقيم العلاقات الحميمة معها باطناً ، كان ذلك زمن الشاه وزمن الملالي ، وقد ساعدتها اسرائيل في حربها مع العراق ، وكانت تمدها بالسلاح وقطع غيار طائرات ( الفانتوم )

 

وتضغط على أمريكا لتحسين علاقتها مع إيران , وإيران هي التي ساعدت إسرائيل بالخرائط والمصورات  لضرب المفاعل النووي العراقي ، كل هذا أصبح مكشوفاً معروفاً . ( انظر كتاب حلف المصالح المشتركة العلاقات السرية بين ايران واسرائيل وأمريكا ) لتريتا بارسي .

 

إيران التي كان هدفها وما يزال أن تكون قوة إقليمية مهيمنة لها دور كبير في أحداث المنطقة ، وأمنيتها أن تتقاسم الهيمنة مع أمريكا  ، وتبادلها أمريكا بالاعتراف بهذا الدور ، وهذا محقق وخاصة في عهد ’’ أوباما‘‘ ، وإلا كيف يسكت الغرب وأمريكا عن احتلالها للعراق ، وشركاؤها النصيريون محتلون لسورية ولبنان .

 

إيران التي اختبأت وراء شعارات إسلامية ومؤتمرات القدس ظهرت على حقيقتها ، وظهر وجهها القبيح بسبب الثورة في سورية ، وكذلك حزبها في لبنان الذي حاز على شعبية كبيرة في العالم العربي ’’ مع الأسف‘‘ بسبب ضعف الوعي السياسي ، وقبل ذلك بسبب ضعف الوعي الديني ، فالشعوب العربية لم تتلق الثقافة المطلوبة في فهم أعداء الأمة ، ولم يُقرأ عليها التاريخ وكيف فعل هؤلاء بالمسلمين ؟
وكيف وقفوا مع أعداء الإسلام دائما ؟
إن مكر هؤلاء يخفى على كثير من الناس ، ولا يعلمه إلا من عرف عقائدهم وتاريخهم .

 

 استطاع الحزب أن يخدع كثيرا من المسلمين ، ومن الطبيعي أن يخدع كثيرا من القوميين الذين يتميزون بالسطحية في التفكير السياسي .
والسؤال أيضاً : هل انجرار هؤلاء إلى أرض المعركة في أرض الشام ، سوف يؤدي ليس إلى انكشافهم فقط ، بل إلى ضعفهم وانحسار ظلهم , وتكون نهاية تكبرهم وغرورهم وظهورهم على الساحة العربية الإسلامية .
وهل هذه الأحداث الكبيرة التي تجري على أرض الشام هي تطهير لهذه الأرض المباركة من الزغل والمنافقين والرافضة الباطنية ؟!

 

حتى تكون هذه الأرض خالصةً نقية ، وموئلاً للمسلمين حين تقع الملاحم الكبرى ؟
وهل تأخر النصر في سورية  وعدم الاعتماد على دعم الدول الغربية المنافقة , مما يجعل هذه الثورة معتمدة على الله وحده , فالغرب لا يهمه عدد المجازر ولا هدم المدن بالطائرات ( وهذا مخالف للقانون الدولي )
الذي يتظاهرون باحترامه , ويعدون وفي اليوم التالي يتهربون .

 

لقد انكشف هذا الغرب أيضا وخاصة أمريكا ، وقالها أوباما صراحة ً : ليست مهمتنا مساعدة وحفظ المسلمين السنة  ،’’ مقابلة تلفزيونية‘‘، وهذا طبيعي لأن إيران مستعدة لكل شيء إذا قاسموها الكعكة في المنطقة العربية .
هل هذه إرهاصات تتلوها إرهاصات أخرى ، نحن لا نجزم هنا ولا نقع في التأويل والإسقاط الذي لا نستطيع التأكد منه ، ولكنها رؤية مستقبليه ، ونظرات في سنن الله الكونية التي لا تتخلف ولا تتبدل ، والله غالب على أمره ولكن أكثر الناس لا يعلمون .