أولاد عبد الناصر.. حول بشار الأسد
10 شعبان 1434
حسن صبرا

وجه عبد الحكيم عبد الناصر، رسائل تهنئة إلى عدد من أصدقائه بمناسبة احتلال عصابات بشار الأسد وحزب الله مدينة القصير السورية، وسبي نسائها وقتل رجالها، وارتكاب مجازر بشعة بحق الآلاف من أطفالها وشيوخها.

قال عبد الحكيم عبد الناصر في رسائل التهنئة: إن الجيش العربي السوري الذي انتصر على العصابات الإرهابية، هو الجيش العربي الأول، جيش الجمهورية العربية المتحدة.

يندرج الخبر المذهل، تحت عنوان: صدق أو لا تصدق، لذا بادرت للاتصال بالدكتورة هدى جمال عبد الناصر، عبر رسالة هاتفية كتبت فيها: الحقي شقيقك عبد الحكيم فقد فعل كذا وكذا.

 

بعد ثلاث دقائق، تتصل بي د. هدى لتسألني الخبر، فقلت لها إن عبد الحكيم أرسل هذه الرسالة إلى أمين عام حركة الناصريين الأحرار في لبنان د. زياد العجوز، وهو الذي أخبرني به، وأرسله لي ثانية إلى هاتفي.

صرخت د. هدى قائلة: يا خبر أبيض.. ده مش معقول. ثم لخصت لي الموقف تفسيرا لموقف شقيقها الصغير بالنقاط التالية:

* إن جمال عبد الناصر ليس مسؤولا عن سلوكيات أولاده وقد رحل عنهم منذ 43 سنة.

* إن عبد الحكيم ليس سوى مهندس، لا علاقة له بالسياسة.

* إن عبد الحكيم واقع تحت تأثير حمدين صباحي، وإن حمدين لا يهمه سوى زعامته وترتيب أوضاعه.وكانت د. هدى ردت على حمدين صباحي، عندما دعا هذا الأخير إلى إقفال قناة السويس أمام سفن البلدان التي تمول بناء سد النهضة الإثيوبي الذي سيقلص حتما من المياه التي تحصل عليها مصر من نهر النيل (55 مليار متر مكعب سنويا.. لتصبح نحو 43 مليار متر مكعب سنويا).

قالت د. هدى في حديث صحافي إن المرور في قناة السويس محكوم باتفاقيات دولية، ملزمة لمصر، إلا للدول التي تعلن حالة الحرب عليها، وإذا أرادت مصر علاجا لمشكلتها مع إثيوبيا فلتلجأ إلى الاتفاقيات الدولية معها، أو تحتكم إلى القانون الدولي (يقول الخبير القانوني الدولي د. علي الغتيت، إن اتفاقية 1902 بين دول حوض النيل تنص على التحكيم الدولي في حال حصول خلاف بين أعضائها).

 

مواقف حمدين صباحي الداعمة لبشار الأسد، ليست خافية على أحد، وقد حاول كثير من قيادات المعارضة السورية اللاجئين إلى القاهرة، في أحاديثهم معه كسب موقف إعلامي واحد لصالح الثورة السورية ضد الطاغية المستبد دون جدوى.

بل إن حمدين وفي حمأة العدوان الذي يقوم به حزب الله ضد شعب سورية، منذ سنتين على الأقل، أعلن في حديث صحافي أنه إذا تسلم السلطة في مصر، فسيعلن تحالفه مع الحزب المذكور. وحمدين نفسه هو الذي اعتذر للإخوان المسلمين عما سماه اضطهاد عبد الناصر لهم.. وهو يرى كيف يرفع المصريون الآن، صور عبد الناصر نكاية بالإخوان المسلمين. وكان وفد من الحزب العربي الناصري بقيادة أمينه العام (المتنازع على الرئاسة مع سامح عاشور) أحمد حسن زار بشار الأسد منذ عدة أشهر وأعلن مبايعته زعيما للأمة العربية، متطاولا على ثورة الشعب السوري ضد الديكتاتور المتوحش، وقد كتبت يومها في مجلة «المصور» المصرية مقالا وضعت عنوانه على غلافها: ناصريون في مصر، شبيحة عند بشار.

 

الكاتب الناصري رفعت سيد أحمد اتهم السوريين الثائرين على بشار الأسد بأنهم ليسوا سوريين وليسوا ثوارا.

أما سامح عاشور فمن الذين وقفوا في دمشق أمام بشار مسلمين له راية عبد الناصر (لقد أعطى من لا يملك لمن لا يستحق).

لم يعد خافيا على أحد، لائحة أسماء القابضين من قسائم النفط التي وزعها صدام حسين قبل احتلال العراق في 20-3-2003، والتي نشرتها جريدة «المدى» العراقية عام 2004، وتضم أسماء ناصريين وقوميين عرب من مصر ولبنان. مقابل إعلان تأييدهم لسلطته على شعب العراق.. التي أنتجت الحروب والاستعباد والقتل والسجون والتعذيب طيلة عقود في بلاد الرافدين.

أما «كبيرهم» محمد حسنين هيكل، فإنه كان وما زال قائد كتيبة الإعلام الإيراني في مصر، مدافعا عن سياسات نظام طهران في إيران، وسوريا والعراق ولبنان، مدافعا عن احتلال حزب الله لبيروت عام 2008، مبررا قمع الثورة الخضراء في إيران عام 2009، شامتا بثورة الشعب السوري ضد المجرم الذي يحكمه عام 2011، تحت زعم أن الثورة لا يمكن أن تنتصر لأن حلب ودمشق لم تشارك فيها، فلما خرجت حلب كلها ودمشق وريفها من تحت حراب عصابات الأسد.. صمت هيكل عن الثورة صمت القبور. وهكذا.. يرسم كثير من الناصريين في مصر ولبنان، المتحالفين مع نظام طهران الشعوبي. ومع نظام بشار المذهبي، وتحالفهم السابق مع صدام حسين ومعمر القذافي، أسوأ صورة عن الرجل الذي يقيم الكرامة والاستقلال والانحياز إلى الفقراء في كل مكان.. ويزعمون أنهم من أنصاره.

لم يعد يهم هؤلاء الناصريين، حقوق الناس في البلدان التي يمن حكامها عليهم بفتات الدنانير والدولارات، من أجل رفع صور الحكام المستبدين، ومحاولة تغطية جرائمهم ضد الناس بكتابات ومقالات وزيارات يبايعون فيها الحاكم المجرم، حتى بات مرتبطا في أذهان الناس أن الاستبداد هو صناعة قومية، يلهث وراءها ناصريون من أجل لقمة العيش والوجاهة.

غير أن الصورة ليست هكذا دائما.. ففي سوريا مثلما هناك ناصريون يبايعون بشار الأسد كما بايعوا والده من أجل كرسي حكم تأتى عبر انتمائهم إلى ما يسمى «الجبهة الوطنية التقدمية».. فإن في سوريا ناصريين حاربوا نظام الأسد الأب والابن وما تراجعوا رغم تعرضهم للسجون والنفي والطرد من الوظائف.. وفي مقدمتهم مؤسس الاتحاد الاشتراكي العربي في سوريا د. جمال الأتاسي (رحمه الله) وابنته المناضلة سهير الأتاسي، ومؤسس التيار الشعبي الحر في سوريا ضد بشار د. خالد الناصر.. والكاتب الصحافي محمد خليفة.. والآلاف غيرهم وكلهم مشاركون بفعالية في الثورة ضد الوحش بشار.

وفي لبنان ناصريون يرفضون مواقف المرتزقة عند الأنظمة المستبدة، حتى لو رفعوا صور جمال عبد الناصر، ويعرضون حياتهم للمخاطرة وهم يتحدون حزب الله وإرهابه، مثل زياد العجوز وحركة الناصريين المستقلين - المرابطون وحزب الاتحاد - والحركة التصحيحية بقيادة حسن شلحة ومحمد عز الدين.

هؤلاء وغيرهم يجدون في مواقف د. هدى جمال عبد الناصر نموذجا يحتذى لتوكيد المبادئ والمثل العليا التي اعتنقوها منذ عشرات السنين.

فهدى عبد الناصر، تقف مع ثورة الشعب السوري ضد الطاغية بشار الأسد.. وقد سمعت منها أن بشار هو أسوأ من هتلر، لأن هتلر الذي حارب الكثيرين لم يطلق النار ويصب حمم المدفعية والطائرات والأسلحة الكيماوية على شعبه، مثلما يفعل السفاح بشار الأسد ضد السوريين من أجل أن يبقى في السلطة.وعبد الناصر هو الذي أوقف أي عمل عسكري ضد الذين ارتكبوا جريمة الانفصال عام 1961، وأعاد الجنود المصريين الذين كانوا أنزلوا في اللاذقية لنجدة القوى الوحدوية في سوريا، التي عارضت الانفصال، لمنع الاشتباك وإسالة دماء عربية بأيدٍ عربية.

وهو الذي وافق على استعادة سوريا مقعدها في جامعة الدول العربية، ولم يعترض على استعادة مقعدها في الأمم المتحدة بعد انهيار دولة الوحدة التي ضمتها مع مصر.

وهو الذي قال أعان الله سوريا على ما ابتلاها في ظل حكم حزب البعث لها.

 

المصدر/ الشرق الأوسط