إردوغان وعمرو موسى..القائم والجالس دوما
1 شعبان 1434
أمير سعيد

لم تحل ليلة من ليالي الشتاء القاسية في اسطنبول دون خروج عشرات الآلاف لاستقبال رئيس الوزراء التركي رجب طيب إردوغان حين عاد من مؤتمر دافوس ملقناً رئيس الوزراء الصهيوني السابق شيمون بيريز درساً قاسياً، حين غادر الزعيم التركي المنصة غاضباً ومتوعداً بألا يحضر هذا المؤتمر مرة أخرى.

لا برودة شتاء 2009 ، ولا حرارة صيف 2013 منعت الأتراك من استقبال الزعيم التركي كقائد عثماني؛ ففي الأخيرة كان الخروج استفتاء آخر على شعبية إردوغان؛ فالشعب الذي هاله ما يحاك دينياً وطائفياً ضده، مع خروج مظاهرات علمانية يقودها في الخفاء، ويؤيدها في العلن، الزعيم العلوي لحزب الشعب الجمهوري المعارض كمال قيليتشدار أوغلو، الموالي لروسيا، وللطائفة النصيرية (العلوية) المتحالفة مع السفاح السوري بشار الأسد، تتفجر بالأساس رفضاً لمشروع تعديل الدستور الذي يصر حزب العدالة والتنمية الحاكم على إقراره إن عبر البرلمان أو عبر الاستفتاء الشعبي، والذي يتضمن بطبيعة الحال اتجاهاً نحو تخفيف القبضة العلمانية القانونية على البلاد، وإطلاق بعض الحريات الإسلامية، والذي أقلقه النظرة الطائفية الضيقة التي نحت إليها مظاهرات ألقي القبض فيها على أجانب معظمهم من الإيرانيين الشيعة، يحرضون على إشعال التظاهرات ضد الحكومة التركية، والتي احتج فيها المحتجون على تسمية الجسر العظيم المزمع إنشاؤه في اسطنبول باسم سليم الأول الذي ينظر إليه النصيريون على أنه قاهرهم، ويراه الإيرانيون مقوضاً لأطماع الدولة الصفوية، وشافياً لوساوسها التوسعية.. ـ هذا الشعب، خرج دون ترتيب واضح لاستقبال الزعيم التركي إردوغان في اسطنبول العائد إليها من جولة مغاربية، ثم استقبلته مجدداً في العاصمة الرسمية أنقرة بقدر موازٍ من الترحاب، بما يشي بارتفاع الوعي الجمعي بما يرتب لتركيا من المحيط الإقليمي، وما ينتظرها من إفشال بعد تسديدها لآخر ديونها لصندوق النقد الدولي.

بالعودة إلى دافوس، حيث كان إلى الجوار يجلس شخص آخر يختلف جذرياً عن إردوغان؛ فحيث يبدو الأخير صاعداً ينتقل من إنجاز إلى آخر، ومن كسب شعبية إلى مضاعفتها، كان عمرو موسى الذي تدرج سلباً من وزير خارجية مصر إلى أمين للجامعة العربية الميتة إلى مجرد عضو فيما يُسمى بجبهة الإنقاذ التي يقودها د.محمد البرادعي، ويكمل فيها الدبلوماسي المخضرم، موسى، ديكور الجبهة، يتلقى تعليماتها، وينصاع لقراراتها بتقييد تحركاته حد قبول العشاء، وتلبية دعوات الأصدقاء والساسة في بيوتهم!

وفيما رأى العالم إردوغان واثق الخطى، رافع الرأس حتى مع اشتداد المظاهرات العنيفة المصطنعة ضده، وتصويره كديكتاتور في مطبوعات الإعلام الصهيوأمريكي، طأطأ المصريون رؤوسهم في دافوس قبل أربع سنوات، وهم يرون رمز الدبلوماسية المصرية السابق متردداً مهزوزاً خاضعاً للأمين العام للأمم المتحدة الذي ألزمه بالجلوس، وخفض مؤيدوه عيونهم مرة أخرى، وللمفارقة بالتزامن أيضاً مع عودة إردوغان، الزعيم، مستلهماً طلات العظماء الكبار من بني عثمان وسط شعوبهم ورعاياهم، حيث موسى يخذل أصدقاءه بقبول جلسة الإذعان التي أجلس فيها صاغراً على كرسي اعتراف جبهة "الإنقاذ" يبرر ويقسم بما يقسمون به، بأنه لن يحيد مرة أخرى عن طريق المقاطعة لجماعة الإخوان، وليغفرها له "المنقذون"، و"المتمردون"، مثلما غفروا له وتسامحوا معه في عضويته التي لم ينفها حتى اللحظة للعديد من المنظمات الصهيونية، وهو ما كانت كشفته سابقاً صحيفة عبرية في معرض مدحها إياه، قائلة: " في حين كان موسى يهاجم إسرائيل كان يهتم أيضاً بالعضوية في كثير من الجمعيات والهيئات الإسرائيلية سواء اليسارية أو الداعمة للسلام مثل مركز بيريز للسلام أو جماعة السلام الحقيقي أو ما إلى ذلك من الجمعيات الأخرى التي كانت تُعنى بالسلام وتتواصل مع كبار المسؤولين عبر العالم، الأمر الذي جعل العديد من الخبراء والمحللين السياسيين الإسرائيليين يرون أن انتقاد موسى لإسرائيل من جهة وزيارته لها من جهة أخرى هو براجماتية متميزة لا يمتلكها أي سياسي مصري الآن، صحيح أنه يقوم بكل ذلك بالتنسيق أمنيا وسياسيا، إلا أن هذا لا يمنع أننا وفي النهاية أمام سياسي محنك.. " [صحيفة يديعوت أحرنوت العبرية 3 نوفمبر 2009].

شتان ما بين زعيم يقول لشعبه "أنا خادمك"، ودبلوماسي أخفق إلا في خدمة "الإنقاذ".. بين زعيم يمارس الأستاذية على الجميع بتواضعه، وبتاريخه الحافل من الإنجازات، وسواه ممن يجلسون أمام الأصاغر صاغرين، كتلاميذ ضلوا طريق التعلم والإتقان..

لقد وقف إردوغان في دافوس، وظل شامخاً، فيما ظل موسى، كما هو جالس من كرسي ذليل إلى آخر شبيه..