الإعلام والمتطاولون على الدين
30 رجب 1434
تقرير إخباري ـ محمد لافي

لا تزال حملة الانتقادات والدعوات لمحاكمة ومحاسبة الكتاب المتطاولين على الدين والمستهترين بمقدساته وثوابته, تتزايد على مواقع الإنترنت وشبكات التواصل الاجتماعي من قبل الغيورين الذين طالبوا باتخاذ إجراءات صارمة في حق هؤلاء, وكان آخرها الحملة التي أنشأها نشطاء على الإنترنت لجمع مائة ألف توقيع للمطالبة بمحاكمة الكاتب محمد آل الشيخ بعد تغريداته التي أنكر فيها صحة أحاديث ثبتت عن النبي صلى الله عليه وسلم وعدم اعترافه بها. 

 

محمد آل الشيخ الكاتب في صحيفة الجزيرة والذي ينحدر من عائلة تعود أصولها للإمام المجدد الشيخ محمد بن عبدالوهاب, كان قد أنكر عبر حسابه الشخصي على موقع "تويتر" صحة حديثين نبويين، وأعلن عدم اعترافه بهما، حيث كتب يقول: "لا حديث بول الإبل ولا حديث جلد الظهر وأخذ المال؛ هذه أحاديث ضد الفطرة السوية وإساءة للإسلام".

 

ولم يقف إنكار تلك الأحاديث التي وردت في اصح الكتب بعد كتاب الله عز وجل, عند الكاتب على الرغم من  الانتقادات الواسعة التي قوبلت بها كتاباته, فقد انبرت للدفاع عنه, الكاتبة في صحيفة الرياض حصة آل الشيخ التي أنكرت بدورها تلك الأحاديث معتبرة أن من شروط تصحيح الحديث "ألا يخالف بدهيات العقول وألا يخالف القواعد العامة في الحكمة – الطب – والأخلاق وألا يشتمل على سخافات يصان عنها العقلاء". بحسب قولها

 

وتجاوزت حصة آل الشيخ إنكار الحديث الصحيح جريا على ما سبقها إليه الكاتب محمد آل الشيخ إلى مهاجمة صحيح البخاري نفسه، وقالت في هذه الصدد: "إننا مخدوعون بأحكام الرجال عندما نستخدم أقوالهم قبل وضعها في ميزان الشك والنقد، فتكتسب قداسة شمولية، كمقولة النووي والذهبي وغيرهما بأن (كتاب البخاري أصح كتاب بعد القرآن)، لتتحول القداسة من التمحور حول الرجال كمعصومين، إلى شمول الأقوال كمقدس، وكأن الله أنزل كتابين على المسلمين؟!،

 

ولم يكن مستغرباً على الكاتبة آل الشيخ انتقاصها لمكانة صحيح البخاري ووصفها لبعض ما وراد في الحديث الشريف بـ"السخافات" فهي أيضاً كانت قد تعرضت لموجة من الانتقادات بعد إساءتها الأدب مع الله عز وجل في تغريدة على حسابها الشخصي شبهت فيها الاستماع إلى صوت أحد المغنيين بالاستماع إلى صوت الله عز وجل قبل أن تبرر كلامها بقولها "أقصد هل أنت تسمع قدرة الله يحذف المضاف لمعرفته دون لفظه" وذلك قبل أن تقوم بإغلاق الحساب وحذفه تماما من على "تويتر.

 

كما أنه لم تمض أيام يسيرة على تلك الكتابات حتى خرجت إحدى الصحف بمقال لأحد كتابها عنون له بكلمات تحوي تجاوزاً عقدياً صريحاً حيث جاء فيه "الملك عبدالله: عمق بالرؤية.. ووضوح في المواقف.. وإبصار ما كان.. وما هو كائن.. وما سيكون".

 

لقد دفعت كل هذه التجاوزات في حق الله عز وجل ونبيه الكريم, والسنة المطهرة بعدد من العلماء والغيورين للتحرك للوقوف في وجه هذه الظاهرة وللإنكار على مثل هذه الكتابات والمطالبة بمحاكمة أصحابها ومحاسبتهم مستغربين أن يكون في بلاد الحرمين بل من أحفاد الشيخ محمد عبد الوهاب، مجدد الدعوة والتوحيد، مثل هؤلاء ممن يتطاول على الله عز وجل و يقدح في الإسلام وينكر صحيح الحديث. كما استنكروا إشغال  الناس والعلماء والمشايخ والرأي العام عن ما يمر به المسلمون من مآسي وحروب, وعن معاركهم مع إيران وأذنابها في الشام.

 

قضايا الإعلاميين والمحاكم الشرعية

ولعل من أبرز الأسباب التي مكنت بعض الكتاب من التمادي في الإساءات لرموز الإسلام ومقدساته هو القرار المعمول به في مثل هذه الحالات من إحالة قضايا الإعلاميين إلى وزارة العمل بلداً من المحاكم الشرعية والتي رأى مجموعة من أهل العلم أنها السبب وراء تجرئتهم على تلك التجاوزات مرة بعد أخرى.

 

فقد رفض مفتي عام المملكة الشيخ عبد العزيز آل الشيخ, محاكمة من تطاول على النبي صلى الله عليه وسلم أمام وزارة الإعلام بدلاً من المحاكم الشرعية, وقال نحن في دولة مسلمة ولدينا قضاء عادل وكل الأمور والخصومات مرجعها المحاكم الشرعية".

 

أما الأمين العام لرابطة علماء المسلمين د. ناصر بن سليمان العمر فقد أكد أن إحالة قضايا الإعلاميين إلى وزارة الإعلام أدى إلى تجرئهم وأمنهم العقوبة وخروج موجة الإلحاد التي نراها الآن, مطالباً بإحالة جميع قضايا المتطاولين على الله ورسوله إلى القضاء الشرعي ليحكم فيهم بما أنزل الله.

 

ويوافقهم الرأي كل من الشيخ عبد العزيز الطريفي والشيخ سعد البريك الذين أكدوا أن استثناء الإعلاميين من المحاكم وإحالتهم إلى لجنة وزارة الإعلام كان من أعظم أسباب تجرؤ بعضهم على الدين, مطالبين بأن يتم تحويل القضايا الإعلامية للمحاكم الشرعية للنظر فيها بدلا من الجهات الاعلامية.

وينص قرار مجلس الوزراء الصادر عام 2000م على عدم إحالة قضايا النشر والإعلام إلى المحاكم الشرعية، ووجوب إحالتها إلى جهة الاختصاص، وهي وزارة الثقافة والإعلام, وهذا القرار مبني على المادة 37 من نظام المطبوعات والنشر والذي يفيد بحصر قضايا المنازعات الإعلامية بوزارة الإعلام كجهة اختصاص.

 

الشيخ القرني يدعو إلى حملة مقدسة

أما الشيخ عايض القرني فقد دعا إلى حملة مقدسة من الدعاة والخطباء ومن في قلبه حياة من الإعلاميين لصد هجوم المستهزئين بالدين والذين شبههم بـ "الحيات والعقارب" التي تخرج من جحورها في غياب وضعف المدافعين عن الإسلام معتبراً أن من علامات السخرية والاستهزاء بالإسلام تهوين شأنه وأنه تراث قديم ويدعو للتخلف,وأن  من صور السخرية بالدين الفرار من الاستشهاد بالآيات والأحاديث حتى لا يوصف الكاتب بالرجعية والتخلف.

واعتبر المشرف العام على شبكة رسالة الإسلام الدكتور عبد العزيز بن فوزان الفوزان عدم تطبيق العقوبات على المسيئين والمتطاولين دفع بهم إلى أمن العقوبة والتطاول على المقدسات. مؤكداً أنهم لو رأوا عقوبة رادعة للكاتب السعودي  حمزة كشغري الذي سبق أن تطاول في تصريحات على تويتر على الرسول الكريم لما تجرأ هؤلاء الكتاب بالتطاولات التي صدرت منهم.

هيئة الدفاع عن النبي الكريم ترد على آل الشيخ

وحتى الهيئة العالمية للتعريف بالنبي صلى الله عليه وسلم ونصرته والتي جعلت من حدود الدول التي لا تدين بالإسلام ميدانا للتعريف بالنبي الكريم والدفاع عنه, وجدت أن من واجب الدفاع عن النبي نصرته الذب عن سنته من المسيئين والمتطاولين حتى لو كانوا ممن ينتسبون للإسلام ومن أبناء بلاد التوحيد, فجاء الرد على لسان أمينها العام المساعد د. خالد الشايع الذي اعتبر أن الطعن في صحيح البحاري هو طعن في الأمة في دينها ومنهاجها, مستنكراً ما كتبته آل الشيخ في جريدة الرياض عن صحيح البحاري, واصفاً ذلك بأنه "طعنةٌ غادرة لتخجلنا أمام العالم الإسلامي".

 

وجاء في بيان الهيئة أن " هذا الكتاب العظيم الذي أجمعت الأمة على تعظيمه، بتعظيم ما حواه من كلام المصطفى عليه الصلاة والسلام عار وعيب أن يكون التهوين من شأنه والتشكيك فيه من خلال جريدةٍ تصدر من عاصمة دولةٍ دستورها القرآن والسُّنة، ويتشرف ملوكها بخدمتهما ونشرهما".

بيان من علماء في السعودية

وقد سبق تلك الانتقادات والتحذيرات, بيان من مجموعة من العلماء دقوا فيه ناقوس الخطر محذرين من انتشار موجة من التطاول على الذات الألهية والرسول والكريم والمقدسات خلال السنوات الأخيرة.

 

وأشاروا في بيانهم الذي وقع عليه 105 من علماء السعودية وأشاروا إلى  ظهور  "شرذمة الزنادقة" الذين تجرأوا على سب الله عز وجل وسب رسوله الكريم والاستهزاء بالشرع الحنيف مطالبين بإحالتهم إلى القضاء الشرعي لتنفيذ أحكام الشريعة فيهم

 

وأيا كانت الأسباب التي ساعدت في انتشار مثل هذه الكتابات, سواء أكان وراءها انحراف فكري وعقدي أو البحث عن الظهور والشهرة, إلا أن من المجمع عليه أن النيل من ذات الله عز وجل والاستهتار بالرسل والأنبياء والمقدسات جريمة كبرى وطريق من طرق الشيطان التي قد تخرج صاحبها من ربقة الإسلام, الأمر الذي يستوجب أن يكون هناك تحرك رسمي لمواجهة تلك التجاوزات وردع أصحابها قبل أن يكون هناك تحرك شعبي, خاصة في بلد تضع كتاب الله وسنته دستوراً لها وخطا احمرا لا ينبغي تجاوزه.