القصير: أحد الثورة السورية
30 رجب 1434
عبد الباقي خليفة

"ولاتهنوا في ابتغاء القوم، إن تكونوا تألمون فإنهم يألمون كما تألمون وترجون من الله ما لا يرجون وكان الله عليما حكيما"( النساء 104 ).

ربما استمرأ أعداء الأمة سكوتها بعد كل معركة لم ينجح مستضعفون ينتسبون إليها في كسبها، لقلة الخبرة  والعدد والعدة. لتقوم هي من خلال ذلك برص صفوفها، وإعداد عدتها، وتجديد نيتها، وشحذ عزائمها، وتواصل حربها لتحقيق أهدافها. فالثورة السورية قدمت من التجارب، ومن التضحيات ومن الدماء ما يؤهلها لقطف ثمار كدحها من أجل الحرية والكرامة واعلاء كلمة الله في أكناف بيت المقدس.

 

 ورغم الدمارالذي الذي ألحقه النصيريون والشيعة من ايران والعراق ولبنان والذي يذكر بدمار سراييفو على يد الصرب،1992 /1995 م وغروزني 1995 /1996 م وما بعدها ، على يد الروس، وغزة على يد الصهاينة ومنها عدوان عامود السحاب السنة الماضية، وما قبلها وبعدها ، فإن معركة القصير لا تزال مستمرة، رغم أكثر من 80 غارة جوية، وصواريخ سكود التي دكت البلدة( 40 ألف نسمة ) ، فضلا عن قذائف الدبابات التي كانت تنهمر على القصير كالمطر وهي مستمرة ليست على الشاشة فقط ، كما تخرصت بذلك قناة المنار، ولكنها في الأذهان، وفي الحرب القادمة. وقد نزلت الآيات التي صدرنا بها هذا المقال في أعقاب معركة أحد التي استمرت حتى الفتح.

 

 استمرار معركة القصير: عندما ( انتهت ) معركة أحد، أراد الرسول صلى الله عليه وسلم استمرارها، حفاظا على عزة الاسلام والمسلمين في معركة كان في المتناول كسبها، لولا أخطاء استراتيجية للرماة .

 

ونادى منادي المشركين اعل هبل، فقال الرسول صلى الله عليه وسلم قولوا الله أعلى وأجل، وقال منادي المشركين العزى لنا ولا عزى لكم، فقال الرسول صلى الله عليه وسلم للمسلمين، قولوا، الله مولانا ولا مولى لكم. وقد رأينا نفس السيرة في توزيع حزب اللات للحلوى، والتعبير بالفرح بما يكشف حقيقة المعركة الجارية في سوريا اليوم، بدون أصباغ وملونات. مع الإشارة إلى أن النصيريين والشيعة لم يواجهوا المجاهدين من "جبهة النصرة" وإنما المنشقين عن الجيش أي" الجيش السوري الحر". ولا شك بأن موعد التقاء علوج النصيريين بالمقاتلين الحقيقيين قد اقترب ، وبالتالي فإن القصير معركة تاريخية بمعنى السيرورة وليس الحدث.

 

في أعقاب معركة أحد دعا النبي صلى الله عليه وسلم الصحابة لتعقب المشركين رغم جراحهم ،ورغم ما نزل بهم من تحالف المشركين في أحد، بسبب مخالفة الرماة لأوامر الرسول صلى الله عليه وآله وسلم . وأحد، درس للمجاهدين في كل مكان وزمان بأن الانسحاب أوالتراجع له أسباب نفسية، وتقنية، وهوما تعرض له المجاهدون في القصير، فكثير منهم ينقصه التدريب، وإجادة استخدام السلاح، ( الجدد منهم وهم الأغلبية ) علاوة على دخولهم المعركة متفرقين بأسماء كثيرة ومشاريع مختلفة ، وبدون قيادة موحدة، وهذا ما أثرعلى نتائج المعركة التي استخدم فيها الطرف الآخرالدبابات ووضعت فيها ايران وحزب اللات ثقلهما، بينما لم ترتق جهود الدول العربية الداعمة للثورة(...) إلى المستوى الذي نبهت إليه المملكة العربية السعودية مبكرا وهو دعم المقاومة بالسلاح.

 

ومع ذلك فإن الوقت لم يفت، وقد أبى الله إلا أن يفضح الحزب الطائفي، ويظهره على حقيقته من زعم المقاومة إلى المقاولة، ومن الصبغة اللبنانية إلى الصبغة الايرانية، ومن نصرة المستضعفين،إلى نصرة المستبدين، ومن نصيرالثوارات إلى داعم الديكتاتوريات.

 

 وقد بدا الإعلام الصهيوني يعبر عن فرحه لتطورات الأوضاع في سوريا بعد معركة القصير، لا سيما بعد تأكده من استخدام النصيريين لأسلحة غير تقليدية في المعركة يمكن أن تكون تعلة له للنسج على منوالها في عدوانه الذي يخطط له .وهناك معلومات مؤكدة عن استخدام النظام النصيري للغازات السامة في القصير، وتعرض نحو 20 ألف نسمة في القصير للمجاعة حيث يعانون بدون ماء وبدون كهرباء وبدون خبز بعد أن دمرت دبابات النصيريين والشيعة كل مقومات الحياة في القصير.

 

تحالف طائفي ولا ديني: إلى جانب تواضع أعداد وامكانيات الجيش الحر، وبعض التنظيمات الأخرى ، رأينا أن النظام النصيري يستعين بشيعة ايران، والعراق، ولبنان ويضعهم في الصفوف الاولى للجبهات، وهناك فيالق عسكرية نظامية وشبة نظامية من الدول الثلاثة تقاتل إلى جانب النصيريين في سوريا منذ عام تقريبا، وكان لحادث اعتقال 48 ايرانيا العام الماضي وتبادلهم مع أسرى من الجيش الحر، قد مثل دليلا من جملة دلائل كثيرة على وجود عسكري ايراني عراقي لبناني شيعي مزدوج في سوريا يساهم مع النصيريين في قتل السوريين. 

 

وقد شاهد الملايين عبر شاشات التلفزيون أنصار حزب اللات يوزعون الحلوى، بعد احتلال القصير، لكن ما رآه البعض غريبا وهو ليس بغريب، ( إذ أن الشئ من مأتاه لا يستغرب ) ، هو وقوف اللادينيين المختفين وراء أسماء ملتبسة لدى طيف واسع من الامة مثل العلمانيين واللائكيين والحداثيين إلى جانب نظام لا يزال يلغ في دماء شعبه بالتعاون مع من يوصفون في الأدبيات اللادينية نفسها بالثيوقراطيين الشيعة ويصطفون معهم في جبهة واحدة .
وإذا علمنا أن اللادينيين لا مشكلة لهم مع الكيان الصهيوني، وينحازون ضد الاسلام في أي معركة ، ندرك أن النظام السوري وحلفاءه الشيعة من نفس الطينة، ويشملهم نفس الحكم .

 

لقد أدرك العلمانيون أن الثورات العربية، مكنت للاسلاميين وقربتهم من مشروعهم فطفقوا يصطفون وينحازون لأعداء الأمة في الداخل( وهم فصيل منهم )، والخارج ، ورأينا وفود اللادينيين من تونس ومصر تحج إلى دمشق على غرار رموز العهدين البائدين في البلدين، ومنهم الهالك عمر سليمان ، ويعلنون صراحة وقوفهم إلى جانب المستبد الظالم القاتل لشعبه . زاعمين أن الثورة في سوريا تريد ضرب التحالف السوري الايراني مع حزب اللات، كما لو كان هذا التحالف رد على العدوان الصهيوني الذي استهدف سوريا قبل وبعد اندلاع الثورة الشعبية. وكما لو أن الصراع مع العدو الذي تدثر به المستبدون طويلا لا يكون سوى في ظل نظام طائفي غاشم، بينما أثبتت الوقائع أنه جزء من واقع مهترئ لم يحرر أرضا ولا انسانا ،بل إن اسعباد الثاني رهن الارض للعدو.
والأغرب أن من يزعمون الوقوف إلى جانب النظام السوري لم نسمع لهم ركزا في الوقوف وراء المقاومة سواء في فلسطين أولبنان أوغيرها ولكن العداء للاسلام جمع بين تلك الأطراف وكشف عن استهدافهم جميعا للاسلام من مشكاة واحدة .

 

مشهد آخر كشف هؤلاء، وهو وقوفهم جميعا ضد الحكومة الشرعية المنتخبة في تركيا،وتأييد ودعم المتظاهرين وكأن الشعب السوري ليس من حقه المطالبة بالحرية والكرامة، فهؤلاء لم يشاركوا في الثورات في بلدانهم، ولم يتوقعوها، بل ووقفوا إلى جانب المستبدين، وعندما رحل الطواغيت ركبوا على الثورات، ويحفظ الارشيف خياناتهم.

 

 لقد بدا واضحا أنهم كانوا إلى جانب حزب اللات يتلقون الاموال من المستبدين وفي مقدمتهم طاغية تونس المخلوع بن علي( نحو 100 ألف دولار سنويا من بن علي لحزب اللات ) . ولم يخجل وزير اعلام قاتل عشرات الآلاف من شعبه ( عمران الزعبي )، من وصف تعامل الشرطة مع المظاهرات في تركيا،ب( الهمجية) رغم أنه لم يسقط فيها أي ضحية في حين أن عشرات الآلاف من السوريين سقطوا بنيران نظام بشارالنصيري، وميئات الآف آخرين فروا من عدوانه الغاشم على المدن والقرى السورية . 

 

ولا شك بأن الذين يقفون اليوم مع بشارالأسد سيغيرون مواقفهم عندما يسقط طاغية الشام كما غيروها بعد سقوط الطواغيت السابقين، بن علي، وحسني مبارك، ومعمر القذافي، وعلي عبدالله صالح، وسيزعمون أنهم نصحوا بشار الأسد بترك السلطة والانسحاب حقا لدماء السوريين، وحفظا لمقدرات سوريا، والسلم في المنطقة الاسلامية، وسيقول أكثرهم نفاقا أنه ساهم في اسقاط بشار الأسد.