7 ذو القعدة 1434

السؤال

تزوجت من رجل متزوج بامرأتين وأنا الثالثة، ولقد طلق زوجته الثانية، وظل أبناؤها يقيمون في شقتي، وزوجي عصبي يكره النقاش ومشكلتي معه أنه في يومي يذهب عند زوجته الأولى، ولا يعود إلا في فترة النوم أو لتناول وجبة الطعام، ثم يكمل بقية يومي عندها، أما في يومها فيظل معها ويلازمها اليوم بكامله، وحين طالبته بيومي واستفسرت منه عن سبب ذهابه إليهم، يغضب ويرفض أي نقاش في الموضوع، ويهددني بأنه من أسباب طلاقه من زوجته الثانية، كثرة ما تثيره من مشاكل، مع أنني لا أناقشه إلا عندما ألاحظ بأنه قد تمادى في ظلمي فأفيدوني ما الحل؟

أجاب عنها:
صفية الودغيري

الجواب

بسم الله الرحمن الرحيم والصلاة والسلام الأتمان الأكملان على سيدنا محمد وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.
أما بعد: أختي السائلة الكريمة، بداية أشكرك على رسالتك، وعلى ثقتك بموقع المسلم وطرحك لاستشارتك، ومشكلتك التي وردت في رسالتك تعاني منها كثير من النساء في حالات تعدد الزوجات، بسبب عجز أزواجهم عن تحقيق العدل بينهن، وأداء حقوقهن بإنصاف، أو بسبب الميل كل الميل إلى زوجة من الزوجات وتفضيلها عن بقية الزوجات..
ومن الحلول التي تساعدك في كيفيَّة التصرُّف مع زوجك ما يلي:
بداية أقول لأختي الكريمة: أنا مقدرة جدا لظروفك ولما تتحملينه من مسؤولية تجاه أبناء زوجك من طليقته، ثم صبرك على عصبية زوجك ورفضه للنقاش وللحوار، وعدم إنصافه فيما بينك وبين زوجته الأولى، وفي أداء حقوقك الزوجية في اليوم المخصص لكل منكما..
وهذا يؤكد حبك لزوجك واحترامك لمشاعره، وخوفك من الله وحرصك على رقابته، وهذه من مقومات نجاح واستقرار الحياة الزوجية، فالمرأة التي تملك أن تكظم غيظها ولا تكثر من الشكوى والعتاب والجدال مع زوجها، وتتحمل وجود أبنائه معها في بيت واحد هي زوجة فاضلة وناجحة..
ثانيا: أختي الكريمة حتى تكملي مسيرتك على الوجه الأكمل، وتكوني الزوجة الأفضل والأقرب إلى قلب زوجك، عليك أن تحتسبي الأجر في أي قول أو فعل تقومين به سواء اتجاه زوجك أو اتجاه أبنائه أو اتجاه زوجته الأولى..
ثالثا: حاولي أن تبرِّري تصرفات زوجك، وتفسري موقفه وعلاقته بزوجته وبك، خارج منظومة العدل الذي يلزمه أداء الحقوق بينكما بشكل متكافئ، لأن تحقيق العدل لا يدركه إلا من اصطفاهم الله من عباده الصالحين ومن وفقهم الله لذلك، وعلى أساس من الفهم الواعي لطباع زوجك ولشخصيته، وامتلاكك لمفاتيحها، وإماطة اللثام عن أسرار انفعالاته وأسباب هدوئه واتزانه والتحكم بها، ومواطن قوته وضعفه، وقيادة عواطفك قيادة رشيدة تخول لك كسب محبته وتقديره وإعجابه..
رابعا: الأصل أن طبيعية الرجل حين يقرر الزواج من امرأة أخرى، أنه في البداية يميل للزوجة الجديدة لأنه يكون في حالة استلاب للمشاعر، وفي حالة رغبة في التخلص من الروتين اليومي ومن الملل من وجود زوجة واحدة بحياته، فيسعى إلى تحقيق التغيير والتجديد بحياته، وتلبية رغباته العاطفية والنفسية، ولكن بمجرد أن يحقق هذه الرغبات ويشبعها، تستقر أحواله ويبدأ في التفكير من جديد في زوجته الأولى، ويشتاق لحياته معها ولأولاده إن كان له أولاد معها، لأنها اختياره الأول وفرحته الأولى، وقرة عينه من أولاده منها، ولطول العشرة والمودة والمحبة التي جمعت بينهما..
فلا تحاولي أن تقتربي من مملكة زوجته الأولى، أو أن تضعي نفسك في منافسة معها، حتى لا تخسري زوجك كما خسرته زوجته الثانية، إنما ضعي الرهان على من يفوز بقلبه ومحبته، وأثبتي كفاءتك في كسب هذا الرهان خارج إطار المنافسة غير الشريفة..
خامسا: الزوجة العاقلة الحكيمة هي من تنجح في كسب احترام زوجها بذكائها وفطنتها لا بغبائها وسوء عشرتها، والزوجة الصالحة هي من تحسن إدارتها لبيتها ولمملكتها الصغيرة كسلطانة تتربع عرشها وكراعية مسؤولة عن رعيتها، ينحني لها زوجها تقديرا لأخلاقها، ولحسن تربيتها لأبنائها، ولاستقامتها على الحق ولصلاحها، وسلوكها الطيب، محببة لقلبه لأنها لا تكفر بالعشير، وتطيعه في المعروف، قانعة بالقليل، لا تكثر اللوم والعتاب والجدال، تتجنب أسباب غضبه وثورته وعصبيته في أغلب الأحوال..
فكوني بالنسبة لزوجك الزوجة الصالحة والعاقلة الحكيمة بكل حالاته، وستجدي بأنه سيختار وجوده معك في أكثر الأوقات وأفضلها لأنك جديرة بإسعاده..
سادسا: ليكن محور اهتمامك ليس منصبا على المدة الزمنية التي يقضيها مع زوجته الأولى، والتي هي أطول من المدة الزمنية التي يقضيها معك، بل وجِّهي اهتمامك لمعرفة أسباب امتلاك هذه الزوجة لهذه الحظوة والمكانة من الاحترام والتقدير والمهابة لدى زوجها، حتى يكون لديك ما لها من سلطان وتأثير على نفسه..
سابعا: تستطيعين بمعاملتك الحسنة وحسن عشرتك لزوجك، أن تعيدي الشباب والحيوية إلى حياتك الزوجية، وتملكين بحسن التبعُّل والتجمُّل لزوجك، واهتمامك بمظهرك وأناقتك، وبمعاملتك الراقية أن تشغلي تفكيره واهتمامه ووقته، وأن تذيبي جليد الأحاسيس، وتكسري حاجز الصمت بينكما، وتعيدي ترميم ما يمكن ترميمه من تصدعات، وأن تبعثي شريان الحياة من جديد، بهذا تتصدرين الرتبة الأولى لدى زوجك وكأنه لم يتزوج من قبل، وبهذا تصبحين أنت صاحبة القرار، وأنت مستشارته المفضلة..
ثامنا: ليست السعادة الزوجية في عدد الساعات التي يقضيها معك زوجك، بل سر السعادة الزوجية في مقدار الفرحة التي تدخلينها على قلبه ويدخلها على قلبك، وفي نسبة الاحترام والتقدير المتبادل بينكما، وفي مقدار المحبة والمودة والرحمة التي تجمع بينكما بميثاق غليظ، وفي توفير السكن الذي تستظلان تحت ظله، وفي نسبة التفاهم والانسجام والتوافق بينكما، والأمور لا تقاس في الحياة الزوجية لا بالعدد ولا بالطول ولا بالزمن ولا بالأمور المادية.. بل تقاس بما هو أعظم وأرقى وأغلى من ذلك، وأسمى مما هو مادي ومحسوس، وتقاس بالمشاعر والعواطف النبيلة التي هي أغلى من أن يساوم عليها بثمن، لأنها نفيسة في قلب حاملها ومن يبذلها بسخاء وبدون مقابل..
تاسعا: عوِّدي نفسك على مراعاة ظروف زوجك، والتعايش مع واقعه كما هو وإن كان لا يوافق رغباتك وطموحك، فأنت بالأول وبالآخر قد اخترت زوجا قد تزوج قبلك بزوجتين، ولديه أبناء، ولم يجبرك على هذا الاختيار أحد، وعلى هذا الأساس عليك أن تؤهلي نفسك على الانسجام مع ظروفه وطباعه ومواقفه، وحاولي في الوقت نفسه أن تكوني إيجابية، غيري ما يمكن تغييره، واستغلي أفضل الأوقات لمناقشته ومحاورته، في جو هادئ ومريح للنفس، ولا تستعجلي حصاد ثمار التغيير بسرعة، بل اصبري وواجهي ظروفك وما لا يدرك كله لا يترك كله، وما لا يتحقق بالصورة التي تريدينها أنت، يتحقق بصور أخرى من الاعتدال والتوسط..
وفي الختام أقول لأختي الكريمة: تخلصي من إحساسك بأنك داخل دائرة المنافسة بينك وبين زوجته الأولى، ولا تشغلي اهتمامك وتفكيرك لا بعلاقته بها، بل ترفعي عن خوض حرب معها، وتعاملي مع زوجك وكأنه ليس له زوجة أخرى، وكأنك أنت وحدك التي في حياته، تشغلين تفكيره وتمتلكين مشاعره، وستلاحظين حينها أن حالتك النفسية ستتحسن للأفضل، وكذلك سلوكك ومعاملتك لزوجك سترتقي إلى مرحلة أفضل مما هي عليه الآن، وتأكدي بأنك تمتلكين القدرة في أن تكوني الأحب لقلبه والأقرب لنفسه، لو تصرفت بذكاء وحكمة، وأدركت سر وصفة السعادة الزوجية في امتصاص سلبيات زوجك وتحويلها إلى إيجابيات بحسن سلوكك ومعاشرتك الطيبة، وحنانك ومحبتك، وإحسانك إليه..
أسأل الله العلي القدير أن يوفقك الله في مهمتك وأن يملأ قلبه بمحبتك، وأن يرزقك الصبر ويلهمك الحكمة والسداد في الرأي و.أن يبلغك أقصى أمانيك إنه ولي ذلك والقادر عليه.