المصطلحات سلاح لتشويه إسلاميي مصر
16 رجب 1434
علا محمود سامي

لم يترك المعارضون للمشروع الإسلامي في مصر، والشرعية القائمة، بابا إلا وتركوه بغية تعزيز هذا التشويه والعمل على إسقاط هذه الشرعية، حتى أن هذه الأهداف تنوعت عبر عدة مسارات مختلفة، غير أنه مع فشل كل مسار، كان يلجأ أمثال هؤلاء إلى أخرى بهدف تحقيق أهدافهم التي أعلنوا عنها صراحة.

 

ولتحقيق هذين الهدفين استخدموا العديد من المصطلحات لإحداث أكبر قدر من التشويش سعيا إلى التشويه على المشروع الإسلامي في مهده، والعمل على الحيلولة دون إتمام شرعية الرئيس الدكتور محمد مرسي، على الرغم من كونها الأولى في مصر، والتي أفرزت رئيسا منتخبا عبر كافة العصور المصرية.

 

واستحر هؤلاء نجاحهم في إفشال التجربة البرلمانية الأول أيضا انتخابيا، بعدما تمكنت المحكمة الدستورية العليا من حل مجلس الشعب، صاحب الأغلبية الإسلامية، منتصف شهر يونيو من العام الماضي، وما سبقها من حكم للقضاء الإداري بحل الجمعية الدستورية الأولى، خلاف حالات التربص بالأخرى الثانية والتي أفرزت أول دستور في البلاد مستفتى عليه، بجانب حالة التربص القضائي ذاته لمجلس الشورى، والتهديد بحله، وخاصة إذا اقترب من مناقشة تعديلا على قانون السلطة القضائية.

 

لذلك بعدما استشعر هؤلاء أن الوصول إلى تحقيق نجاحاتهم أصبحت متتالية، فلم يجدوا عزما سوى من الاستمرار في بث الشائعات، وإثارة المصطلحات في غير موضعها تجاه الإسلاميين ومشروعهم والرئاسة في آن، دون نظر في قليل أو كثير في كل ما يتعلق بصدقية قولهم، فضلا عن عدم موضوعيته بالأساس، وذلك عبر مسيرة الثورة ذاتها إلى يومنا، إذ لم تجف مداد الصحف ومعها كاميرات الفضائيات في تحويل قرائها ومشاهديها إلى مجرد متلقين لما تنقله هذه الوسائط الإعلامية، سواء من جانب العاملين فيها الذين جعلوا أنفسهم معلقين ومحللين سياسيين من أصحاب اللون الواحد، مع ضيفوهم المسماة بالنخبة، والتي لم تعرف أيضا سوى ذات اللون الواحد.

 

وعبر هذه الوسائط راحت أصحاب الأقلام والفضائيات المسمومة تعمل على توجيه أشكال عدة من الأكاذيب والشائعات، وللامعان في التشويه والتشويش فقد صدرت مصطلحات لإلباس الحقائق على الناس، بدعوى إقامة الدولة الدينية، على الرغم من التصريحات المتتالية من قبل الإسلاميين برفضهم لهذا المصطلح، وتأكيدهم بأنه ليس في مشروعهم الإسلامي، وأن هذا الاقتباس هو من العصور الوسطى التي شهدتها أوروبا، فضلا عن الحديث عن الجنة والنار وأن من يؤيد الاستفتاء أو ينتخب الإسلاميين فانه سيلحق بالفردوس الأعلى، ومن عداهم فسيكون مصيره النار، خلاف الحديث عن مصطلحات خطف الإسلاميين للثورة ، وأنهم لم يشاركوا فيها، على الرغم من اعتراف كل من شارك بالثورة بأن الإسلاميين هم من عملوا على حماية ميدان التحرير من بلطجية الحزب الوطني المنحل مطلع شهر فبراير من العام 2011 في المعركة المعروفة إعلاميا ب"موقعة الجمل"، علاوة على أن مشاركتهم في الثورة بالأساس منحتها زخما وحضورا جماهيريا، وأخرجها من كونها مبادرة شبابية إلى شعبوية، فضلا عن أن الثورة بالأساس ما هى إلا محصلة لتراكم جهود عبر عقود عديدة من المواجهات مع النظام المخلوع، وهو الأمر الذي سدد خلاله الإسلاميون العديد من الضرائب الباهظة منها حصد الأرواح والتعذيب والاعتقال ، والفصل من الوظائف، والتعنت ضد ذويهم، والتشويه الإعلامي ضدهم.

 

مصطلح التوافق نفسه لم يسلم من تلويك الألسنة، بعدما صارت تردده ، للدرجة التي جعلتها تنادي بالتوافق حول الدستور والحكومة والبرلمان، ما يعيد الى الأذهان الحديث أثناء الانتخابات الرئاسية عن "الرئيس التوافقي" ، وكأنها بذلك تجهض إرادة شعب بأكمله في أن التوافق بين القوى السياسية ينبغي أن يكون فوق إرادة الجماهير، وهو ما نادته به ما تسمى بقوى المعارضة في أن يكون هناك توافق حول الدستور قبل إقراره، دون أن تفكر في إجابة عن التساؤل الأهم: ماذا لو تم التوافق السياسي حول أمر من الأمور، ثم لفظه الشعب وقال كلمة مغايرة؟

 

خلاف كل ما سبق ، فإن ذات الوسائط راحت تطلق مصطلحات عن بيع الأراضي المصرية أو تأجيرها والتفريط فيها، ولم تصدر أجهزة ووسائل الإعلام شائعاتها وافتراءاتها هذه من فراغ ، بل دللتها بأكاذيب وأمورا مختلقة، وكأن هناك مركزية في إعداد المصطلح ليتم تصديره إلى متلقيه ليسهل التخديم عليه، والزعم بصحته، ما جعل الرئاسة والمسؤولين يصدرون العديد من التصريحات ينفون ويكذبون فيها مثل هذه الافتراءات.

 

وعلاوة على ذلك، فقد وصل قطار المصطلحات وما يحمله من شائعات إلى محطة الانتخابات الرئاسية المبكرة ، وهو الأمر الذي صار الإعلام المصري، وتحديدا الخاص منه يعمل على الترويج له على نطاق واسع بغية ترسيخه في أذهان المصريين، والتسليم به واقعا لامحالة لمواجهة كافة الأزمات التي تعيشها البلاد.

 

الأبواق التي تردد مثل هذا المصطلح هى ذاتها التي أعلنت عن رفض إجراء انتخابات برلمانية حاليا، بدعوى عدم توفر الأجواء الآمنة لفعالياتها، غير أنه وفي تناقض غريب لما تصرح به وتدعو إليه، وليس بجديد عليها، راحت ذات الأصوات تنادي بإجراء انتخابات رئاسية مبكرة، ليكون ذلك العجب العجاب ذاته في أن الرئيس المنتخب الذي لم يستكمل مدته الانتخابية المقدرة بأربعة أعوام، لم يتم عامها الأول بعد عليه أن يدعو إلى إجراء انتخابات رئاسية مبكرة، وكأن هؤلاء يريدون انتخابات مفصلة على مقاساتهم هم ، تعبر عنهم وليس عن عموم الشعب المصري، وسان حالهم بذلك يشبه الراسب في الامتحانات ، الذي يتمنى دوما إعادة الامتحان ليحقق درجة نجاح، حتى لو لم يكن مؤهلا أو مستعدا لها.

 

هذا غيض من فيض مما تشهده الساحة المصرية على أيدي أمثال هؤلاء الذين يصدعون رؤوس العامة ليل نهار عبر برامجهم الفضائية المريضة وصحفهم الفاشلة لتحقيق أهدافهم، وإثارة اللغط حول كل ما يمس للحقيقة بصلة، وما هو ثابت ومستقر حتى في أدبياتهم التي تنادي بتطبيق الديمقراطية واحترام ممارساتها، غير أن الحقيقة المؤكدة التي يتغافلها القوم أن كل مخططاتهم ومؤامراتهم منذ الاستحقاق الرئاسي، وما قبله من استفتاء 19 مارس عام 2011 كان مصيرها الفشل، وإن تعطلت المسيرة فإنها لم تقف عند مثل هذه الشائعات المغرضة أو المصلحات الواهية.