12 صفر 1435

السؤال

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
أنا كنت مبتلى بمشاهدة قنوات الأفلام، وقد تبت ولله الحمد، ولكن القنوات لازالت موجودة، ووالدي يشاهدها، وقد هممت بإزالة القنوات، ولكن الوالد هداه الله يقول لا تُزِلْها كلها بل بعضها، ومن هذا الكلام، ما توجيهكم لي حفظكم الله؟

أجاب عنها:
سعد العثمان

الجواب

الحمد لله وحده، والصَّلاة والسَّلام على من لا نبي بعده، وعلى آله وصحبه...
أخي الفاضل: بداية أرحب بك أجمل ترحيب في موقع المسلم، وأشكرك على ثقتك، بموقع المسلم، ومتابعتك له، ونسأل الله - عزَّ وجلَّ - أن يجعلنا أهلاً لهذه الثِّقة، وأن يجعلَ في كلامنا الأثر، وأن يتقبَّل منا أقوالنا وأعمالنا، وأن يجعلها كلَّها خالصة لوجهه الكريم.
أخي العزيز: من بين السُّطور التي كتبتها ألمح قلبًا ينبض بعاطفة قلَّ من يحملها في هذا الزَّمان، تبث فيها ألمك من مداومة والدك على مشاهدة الأفلام التي تلهي عن طاعة الله، إضافة لما يتخلَّلها من مشاهد محرَّمة.
نبارك لك أخي توبة الله عليك، فأبشر بكلِّ خير، فهي فاتحة لكلِّ خير، ومغلقة لكلِّ شرٍّ، ولعلَّ حرصك على ترك والدك لهذا الذنب من بركات هدايتك، نسأل الله أن يسعد قلبك بدوام الطَّاعة وصلاح والدك.
وإخوانك في موقع المسلم يعدونك بتقديم كلِّ ما يستطيعونه؛ ليكونوا عونًا لك في الخير أينما كنت، وفي ما يلي نقدم لك همساتٍ علَّها تكون نبراسًا يضيء لك حياتك، وتكون عونًا تبين لك طريقة التَّعامل مع والدك في هذه المسألة:
أولاً: "يهدي الله لنوره من يشاء".
فتذكرْ دائمًا أنَّ الهداية من رحمة الله، يلقيها في قلب من يشاء من خلقه، وما علينا عمله هو مساعدة مَن نحب ليرى الطَّريق الصَّحيح، ولا نضمن النَّتيجة.
ولك أسوة حسنة برسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم مع عمِّه أبي طالب، الذي نصر النَّبي في مواقف كثيرة، وكان رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم حريصًا على هدايته حتَّى آخر رَمَقٍ في حياته، ولكن خاتمته كانت على ملَّة عبد المطلب، وشاء الله أن تكون هذه النِّهاية رسالة لنا تذكرنا: بأنَّنا مهما عَظُم حرصنا، فلن نملك أن نهدي قلبًا أعرض عن الهدى؛ {إِنَّكَ لاَ تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ} القصص: 56، نحن علينا العمل والبذل، والنَّتيجة تبقى بيَدِ الله لا نملكها ولا نتوقَّف دونها.
فاستعن بالله على هداية والدك، وذلك بالدُّعاء له في صلواتك وخلواتك بأن يحبِّب إليه الخير وأهله، وأن يبغِّض إليه الشَّر والمنكر وأهله.
ثانيًا: لا تكن داعية بقولك فحسب بل بسلوكك أيضا.
فحين تودُّ دعوة والدك لترك مشاهدة هذه الأفلام، فليكن هذا في منتهى اللُّطف، ولك في خليل الله عبرة، فمع كون أبيه كافرًا، فقد سلك معه أرقَّ أسلوب ليدعوه إلى الله، فتأمل كيف صوَّر القرآن الحوار: {يا أبتِ لا تعبد الشيطان}، {يا أبت}، {يا أبت}، في منتهى اللُّطف، وقدَّم بين يدي نصحك أنواع البرِّ والإحسان، حتَّى يشعروا أنَّ الدِّين هو سبب تغير سلوكك إلى الأفضل، فالدِّين يحثُّ على البرِّ والصِّلة.
ثالثًا: ادع إمام المسجد لزيارة والدك.
اشرح له مشكلة والدك، ولكن لتكن أول زيارة للتَّعارف، وبناء جسور المودَّة، واحذر من الحديث فيها عن مشاهدة والدك للأفلام، بل تكون جلسة تعارفية، يختلط فيها والدك بأهل العلم والصَّلاح، فكلمات أهل العلم تؤثِّر في والدك أكثر من كلماتك، فإنَّ والدك إذا ما كلمته يتذكر أنَّك كنت تشاهد هذه الأفلام معه يومًا، إضافة لكونك ولدًا له، فلعلَّ هذا يمنعه من قبول النُّصح، وإنَّما عليك بإمام المسجد أو أصدقاء والدك من الصَّالحين، واجعلهم يشاركونك النُّصح لوالدك فلهذا أعظم الأثر.
رابعًا: اختر الوقت المناسب لدعوة والدك.
ليس من الحكمة أن تدعوه لترك الفيلم، وقد اندمج في مشاهدته، بل اختر الوقت المناسب واللفظ المناسب لتذكيره ووعظه، فاخرج معه في نزهة وحاوره في هذا الأمر على انفراد، واذكر ما في والدك من إيجابيَّات.
خامسًا: أوجد البديل.
إن والدك يشكو فراغًا، ولأجل هذا يلجأ لمشاهدة الأفلام ليسلي بها نفسه، فأوجد له البديل المناسب، كالقنوات الإسلاميَّة التي تدعو إلى الخير وتحضُّ عليه، وكذلك الأفلام الوثائقية التي تزيد في العلم والمعرفة وسيجد انجذابًا شديدًا لها، وإن كنت تعلم أنَّه يحبُّ أحد الدُّعاة، أو يتأثَّر به، فاحرص على إحضار أشرطة هذا الدَّاعية ليسمعها، وإن كانت له حلقات تلفزيونية، فتخير وقت ظهور هذا الداعية، وذكر والدك بمتابعته، ففي هذا بديل لمشاهدة الأفلام.
وفي الختام لا يسعنا إلا أن نلجأ إلى الله تعالى، متوسِّلين إليه أن ينوِّر قلبك وقلب والدك وأحبابك، وأن يسدِّد الخطى، وأن يرزقنا وإياك الثَّبات على الحقِّ، وحسن الصِّلة بالله سبحانه وتعالى.