محنة المرأة العاملة
5 جمادى الثانية 1434
أميمة الجابر

قضية شائكة تشكو منها مجتمعاتنا , وددنا أن نفتح بعض ملفاتها , ننظر إليها عبر مناظير مختلفة , ونراها من رؤى متباينة , نحلل الواقع فيها , ونفهم التراكيب , علنا أن نصل لتوجيه نافع , تلك هي قضية المرأة العاملة

 

وعندما اردنا السؤال حول أسباب دفع المرأة نفسها للعمل طرحت كل منهن سببا لخروجها في الصباح الباكر لتعمل وترهق نفسها وتتحمل المشاق ,  فقالت إحداهن : لا يمكن بعد تعبي و مجهودي كل سنين الدراسة أضع شهادتي العلمية في درج مغلق .

 

و تقول أخرى : أحب أن يكون لي خصوصية بمال أمتلكه يكون لي حق التصرف فيه .. وقد استحيي أن أطلب من زوجي

 

وترى ثالثة أنها تخرج للعمل اضطرارا لرعاية أولادها بعد فقدان الزوج فأصبحت هي الآن الأب والأم في آن واحد

 

ورابعة تقول أنني خرجت للعمل لكي أتعاون مع زوجي لتلبية طلبات أبنائي وبناتي خاصة وإنه محدود الدخل وهم في مرحلة يريدون الكثير والكثير وزوجي لا يستطيع سد هذه المطالب .

 

وأخرى تقول أنني أعاني من عدة أمراض ما يضطرني شهرياَ لمصاريف يصعب عليّ طلبها من زوجي و هو يعاني من كثرة الديون .

 

وأخيرة تعتبر العمل بالنسبة لها تنفيسا عما تسميه " كبتها داخل بيتها بالخلطة مع صديقات " , وتسميه أخريات " تعبيرا عن ذاتها " , وتسميه ثالثة " رغبة في مشاركة الرجال مسئولية المجتمع " ..

 

ولكل واحدة حكاية , و ما خرجت إلا لتلبية رؤيتها الخاصة وتنفيذ متطلباتها التي تبلورت أمامها ..

 

الحقيقة التي اجبرت كل هؤلاء على الاتفاق عليها , أنهن جميعا دفعن الثمن غاليا , وسددن ضريبة باهظة , على إثر ذلك الخروج للعمل

 

فالأبناء الصغار يتركون ثلث اليوم – على الأقل - وحدهم  , بينما أمهم لاتدري ماذا يجري لهم , و تظل طوال فترة العمل مشغولة البال عليهم , غير ما يلحق بهم من أضرار .

 

والرضيع , إما أن يكره الرضاعة الطبيعية باستبدالها دائماَ بالرضاعة الصناعية , أو أن يشعر بالقهر النفسي لشعوره بالحرمان فترة طويلة عن أمه تاركاَ آثاراَ سيئة  عنده 

 

 

أو أن يترك مع مربية غالبا لا تهتم لشأنه كما ينبغي , أو مع أم أو قريبة , كثيرا ما تغفل عن احتياجاته ولا تفهم طلباته

 

أما معاناة الزوج فمهما عادت به عليه من أموال أو رفعت عنه عبئاَ من أعباء الحياة فالأضرار التي تلحق به أشد عليه  مما تكسب , بل يحصل من المشكلات ماهو معروف مشاهد , وفي احيان كثيرة الزوجة لا تقصد التقصير ولكن كثرة التعب و الإرهاق والإنشغال البدني والذهني أوصلها لهذه الدرجة , فيضطر زوجها للنظر خارج البيت و البحث عن امرأة أخرى تعوض له النقص و تقوم بواجباته !

 

عائد سلبي آخر يعود على ابنائها بالمدارس فلا تجد أي وقت لمساعدتهما في مذاكرة دروسهم و متابعتهم , فتتركهم للدروس الخصوصية وسلبياتها و لا تنتبه لتلك المشكلة إلا عند قدوم نتيجة امتحان , فيبدأ يلقي عليها الزوج اللوم و التوبيخ و يتهمها بالتقصير والإهمال لهم !

 

أما بيتها فلا تستطيع ترتيبه علي الوجه الذي يليق , فهنا أوراق في كل مكان , و هنا ملابس متناثرة , وهنا لعب للأطفال , فضاع النظام وافتقدت في احيان كثيرة الاسس الأولية للبيت المناسب للمعيشة الحسنة ..

 

قد يرُد علينا البعض ممن تيسرت أمورهم وزادت دخولهم المالية , بأنهم يستطيعون التغلب على كثير مما ذكرت من مشكلات باستيراد خادمة أو أكثر , لتقوم بالأدوار السابقة , ولست ههنا في حاجة أن أعدد سلبيات وجود الخادمات , وكنت قد أفردت لذلك مقالا خاصا – لكن حتى على التسليم بدور إيجابي محدود للخادمة , فهناك أشياء لايمكن للخادمة أن تنفع فيها أي وجه من نفع ..
 

 

ومثال ذلك دور الأم العاملة تجاه ابويها فكثيرا ما تشعر تجاههم بالتقصير , فليس لديها الوقت لزيارتهما أو تقديم البر المطلوب منها تجاههم , و قد يكون التواصل بينهما بالشهر و الشهرين عن طريق الهاتف فقط  ..

 

أما مع ربها – وهو الواجب الأعظم – فهي – إن استطاعت أن تصلي الصلوات في مواقيتها , وهو مراد صعب المنال على هؤلاء , لا تجد قوة لصلاة ركعتين بالليل , وكثيرا ما تغفل عينها و هي تقرأ وردها القرآني , أو تنسى تردد أذكار الصباح و المساء من زحمة انشغالها .

 

واما التي جعلت سبب خروجها للعمل التنفيس عن نفسها مما اسمته الكبت في البيت , فهذه التي لم تعرف القيمة الحقيقية للبيت المؤمن , ولم تعرف الواجبات المطلوبة منها تجاه هذا البيت , ولم تتفهم مدى الرحابة والسعة التي تجدها المرأة المؤمنة من وقارها في بيتها , تلكم المعاني التي أدركتها أخيرا المرأة العاملة في الغرب وهانحن نسمع صرخاتهن عبر القارات !
 

 

ناهيك بالطبع عما يسيؤها من خلطة في كثير من مجالات العمل مع الرجال الغرباء , فذلك طامع فيها , وهذا ناهش للحمها , وفلان متجرىء عليها , وعلان مفسد لعلاقتها بزوجها , إضافة إلى ما يمكن أن تتعرض له من فتن من محترفي إيقاع النساء في شبكاتهم , ومن المفتونين وقليلي الدين , ومن الأجواء التي تستهان فيها بالحرمات .. وهلم جرا
 

 

إن منظرا يسىء المشاهد له يتحرك أمام أعيننا كثيرا , هو منظر المرأة العاملة التي قاربت الستين , تخرج من بيتها تجر أقدامها , وتتكىء على عصاتها , محاولة الصمود لتستطيع إتمام المدة المحددة لها , كي تحتفظ بالمعاش كاملاَ بعد انتهاء مدة خدمتها !

 

وصرخات المرأة التي خدعها أحد الذئاب البشرية - وكان زميلها في العمل , فأفسد علاقتها بزوجها , وخببها عليه , وتسبب في كراهيتها لعيشتها , واعدا إياها بحياة رغيدة , ثم خدعها بعدما نفذ خطته , وأوضع أنيابه  -  لمدعاة لكل امرأة أن تفكر ألف مرة في تجربتها

 

ذلك حال الكثيرات من النساء العاملات , لكن علي الجانب الآخر أن هناك البعض منهن ناجحات و منظمات في بيوتهن قائمات بكل مطالبهن الزوجية علي أكمل وجه , لكن هؤلاء دفعن ضريبتهن من صحتهن , فهن يضغطن علي أنفسهن للتوفيق في كل شيء , فأصابهن الوهن و المرض لتكليف النفس فوق طاقاتها .

 

وقد نهي الله تعالي علي ذلك في قوله تعالي : " لا يكلف الله نفساَ إلا وسعها  " ,وصدق رسولنا الكريم صلي الله عليه و سلم حينما قال : " إن لبدنك عليك حق "

لذلك علي الزوج مراعاتها قدر المستطاع فإن عجز عن توفير الخادمة لمساعدتها فلا بأس من مساعدتها إقتداء َبنبيه صلي الله عليه و سلم , فقد كان النبي صلي الله عليه و سلم في " مهنة أهله " , معينا لهم ومساعدا لهم 
 

 

و أيضاَ علي الأبناء مراعاتها فكل في الاعتماد علي نفسه دراسيا وشخصيا قدر الاستطاعة ..

 

لست بالطبع رافضة لعمل المرأة بالمطلق , فهناك أعمال للمرأة هي هامة للمجتمع , كعملها كطبيبة , وفي مجال التدريس لبنات جنسها وغير ذلك , وكذلك هناك من يضطررن إلى العمل لموقف أو سبب معتبر كما سبق , وهناك العاملات بظروف حسنة لا خلطة فيها ولا جهد , كالعاملات بمشروعات البيوت الشخصية , فقد اثبتن إنجازات كبيرة , لكنني أقدم نصيحتي بدوري تجاه الخروقات والسلبيات التي قد تغفل عنها الكثيرات بينما هن ينظرن للمرأة العاملة ويتمنين أن يكن مثلها !

 

إن ديننا العظيم أعطي للمرأة الحق في فرصتها للعمل ووضع لها ضوابط بأن تجتنب الاختلاط , ومواطن الفتن , وتلتزم بحجابها الشرعي , و تحفظ عينيها بغض البصر , و تبتعد عن آفات العمل من القيل والقال و ذكر سيرة الناس , وعن اللين في الكلام مع الرجال , ولا تضع نفسها موضع الشبهات لتتجنب كل ما يسيء إليها , وأن تكون طبيعة عملها مما يليق بالمرأة المسلمة , وألا يضر دينها ولا نفسها ولا أسرتها .

 

وأختم كلماتي ببعض نقاط علمية شرعية أرى أنها قد تهم المرأة التي يشغلها موضوع العمل :

- فالأدلة من الكتاب والسنة توجب نفقة الزوج على زوجته مهما كانت غنية إلا برضاها
- نفقة الزوج تكون بحسب وسعة وقدرته , وتشمل الطعام والكساءبحسب حاجتها لقوله تعالى :" وعلى المولود له رزقهن وكسوتهن بالمعروف لا تكلف نفس إلا وسعها "
- حق المرأة على الرجل فيما يتعلق بالكسوة ما تلبسه في بيتها وما تخرج به عادة , ولايدخل في ذلك ما تحتاجه المرأة العاملة من كثرة ثياب أو كسوة معينة
- لو كانت طبيعة عمل المرأة فيها غضرار بنفسها أو بدينها , كالعمل في خلطة مع الرجال الأجانب بما لايمكن معه اتقاء الاختلاط , أو العمل في مجالات محرمة كالربا ومثاله , أو احتاج العمل سفرا بدون محرم أو غيره , فللزوج منعها عنه وقصرها على ذلك , حتى لو كانت قد اشترطت عليه العمل
- راتب المرأة العاملة من حقها هي , إلا أن تسامح في شىء منه أو تهبه لابنائها أو زوجها عن رضا منها
- إن لم يكن عمل الزوجة مشترطاً عليه عند الزواج : فله أن يسمح لها بالعمل ، مقابل أن تساهم معه في النفقات ، بما يتفقان عليه ؛ لأن الوقت الذي تبذله في عملها هو من حقه ، فله أن يستوفي مقابله بالمعروف .
- قال الشيخ ابن عثيمين – رحمه الله - :
" يجب على الإنسان أن ينفق على أهله ، على زوجته وولده بالمعروف ، حتى لو كانت الزوجة غنية ، فإنه يجب على الزوج أن ينفق ، ومن ذلك ما إذا كانت الزوجة تدرِّس ، وقد شُرط على الزوج تمكينُها من تدريسها ، فإنه لا حقَّ له فيما تأخذه من راتب ، لا نصف ، ولا أكثر ، ولا أقل ، الراتب لها ، مادام قد شُرط عليه عند العقد أنه لا يمنعها من التدريس فرضي بذلك ، فليس له الحق أن يمنعها من التدريس ، وليس له الحق أن يأخذ من مكافأتها ، أي : من راتبها شيئاً ، هو لها , أما إذا لم يُشترط عليه أن يمكِّنها من التدريس ، ثم لما تزوج قال : لا تدرِّسي : فهنا لهما أن يصطلحا على ما يشاءان ، يعني : مثلاً له أن يقول : أمكِّنك من التدريس بشرط أن يكون لي نصف الراتب  أو ثلثاه ، أو ثلاثة أرباعه ، أو ربعه ، وما أشبه ذلك ، على ما يتفقان عليه ، وأما إذا شُرط عليه أن تدرِّس ، وقبِلَ : فليس له الحق أن يمنعها ، وليس له الحق أن يأخذ من راتبها شيئاً " " شرح رياض الصالحين "