الضعفاء وسط صراع القوى النووية
2 جمادى الثانية 1434
خالد مصطفى

يقف العالم على أطراف أصابعه مشدودا في فزع بعد اشتعال التصريحات النارية بين كوريا الشمالية التي تمتلك عددا من الرؤوس النووية من جهة وكوريا الجنوبية والولايات المتحدة المتحدة من جانب آخر..

 

الصراع في شبه الجزيرة الكورية قديم منذ انقسام العالم إلى معسكرين شرقي شيوعي وغربي رأسمالي وانضمام دول كثيرة لهذا الحلف أو ذاك ورغم أن الشيوعية اندثرت كنظام وكفكر إلا أن هناك عدة دول لا زالت تتمسك بها مثل كوريا الشمالية والصين وفيتنام وكوبا مع اختلافات في طريقة التطبيق وطريقة التعامل مع العالم الغربي..

 

كوريا الشمالية من الدول التي لا زالت تعيش في التجربة الشيوعية بصرامة كما أنها ترى أن الولايات المتحدة تحتل كوريا الجنوبية ومن المفترض أن تعود تحت لوائها...

 

والحقيقة أن الكوريتين لازالتا في حالة حرب منذ عشرات السنين نظريا على الأقل وكل فترة تشتعل حرب التصريحات بينهما ويعيش العالم على أعصابه خصوصا في السنوات الأخيرة عندما دخل السلاح النووي إلى ترسانة السلاح الكورية الشمالية وبدأ التهديد باستخدامه يتصاعد...

 

أمريكا بالطبع لا تحمي كوريا الجنوبية من أجل "حماية الديمقراطية والحريات" إلى آخر هذه الشعارات البراقة والكاذبة في نفس الوقت ولكن لها مصالح اقتصادية وعسكرية واسعة في هذه المنطقة التي تتيح لها مراقبة الديناصور الصيني الصاعد بقوة والتنين الروسي الجريح والذي لا زال يسعى لاستعادة جزء من دور الاتحاد السوفيتي القديم....

 

المشكلة أن هذه المنطقة التي تعيش فيها أكبر كثافة سكانية في العالم يمكن أن تدفع ثمن عنجهية شاب صغير يدير قوة عسكرية ضخمة ورثها من أبيه مع شعارات جوفاء عن التقدمية وإنقاذ العالم من براثن الإمبريالية العالمية من ناحية ومن ناحية أخرى مصالح دولة "عظمى" تعتبر أن العالم صنع من أجل تحقيق رفاهيتها ورفاهية شعبها ولو على جثث الأبرياء وتدمير نصف الكرة الأرضية وهي في ذلك منسجمة مع تاريخها الدموي منذ تفجير القنبلة النووية في هيروشيما وناجازاكي في أربعينيات القرن الماضي وقتل ملايين العراقيين والأفغان في حروب استعمارية من الدرجة الأولى في هذا القرن...

 

الملاحظ في هذا الصراع أنه يكرس "لنظرية القوة" التي أطلقتها الولايات المتحدة بعد انفرادها بالعالم عقب انهيار الكتلة الشيوعية وتفكيك الاتحاد السوفيتي وها هي تذوق مرارته؛ فبلد مثل كوريا الشمالية كانت إلى وقت قريب لا تجد طعاما لشعبها وليس لديها ما تخسره يمكن أن تضع العالم كله وليست الولايات المتحدة فقط أمام اختبار يجبرها على الانصياع لإرادتها فقد رأينا كيف تراجعت الولايات المتحدة عن تجربة اطلاق الصاروخ البالستي العابر للقارات مينيوتمان 3 للشهر المقبل من قاعدة فاندنبورج في ولاية كاليفورنيا لتجنب تأجيج التوتر مع بيونج يانج وسعيا لتهدئة الأوضاع المتوترة, كما أعلنت كوريا الجنوبية إرجاء اجتماع عسكري مهم مع الولايات المتحدة كان يفترض ان يعقد منتصف الشهر  الحالي في واشنطن، بطلب من سيول، بسبب أجواء التوتر في شبه الجزيرة..

 

لا يمكن أن نفصل ما يحدث في شبهة الجزيرة الكورية مع ما يحدث بين إيران وأمريكا بشأن السلاح النووي وكيف تتراجع الولايات المتحدة دوما عن تهديداتها مع كل ما يقال عن تقدم في التجارب الإيرانية لصنع القنبلة النووية بينما نشاهد دولا عربية وإسلامية كثيرة تستجدي إخلاء العالم من السلاح النووي ويتجاهل العالم نداءاتها, وتقف تشاهد الدول الأخرى وهي تتخذ خطوات جادة نحو امتلاك النووي وما بعد النووي وعند وقع خلاف بينها وبين الولايات المتحدة لا تستطيع أن تصمد نتيجة لاختلال موازين القوى وليس مع أمريكا فحسب بل مع "إسرائيل" أيضا التي يقال أنها تمتلك أكثر من 200 رأس نووية...والسؤال الآن الذي يطرح نفسه بقوة هل بقي في هذا العالم موضع قدم للضعفاء؟