16 محرم 1435

السؤال

أحب زوجي كثيراً، لكن بعد مرور عشرين عاماً من زواجنا اتخذ له غرفة خاصة، أخذ فيها ملابسة وسريراً خاصاً به، يقضي فيها معظم الوقت على الكمبيوتر والنوم، وعندما سألته يقول لي: هذا حال كل شايب وأنت لست مقصرة، زوجي مدخن وإنني أرفض أن يدخن أمام أولادي، وأيضا لا أحب رائحة الدخان بالبيت، أشعر أنه كلما مرت السنون ابتعد أكثر، حاولت أن أتعود على هذا الحال ويكون هو بمثابة الضيف وأعيش مع أولادي، لكن حبي له وتعلقي به يدفعني أن أعود وأتحاور معه بكل هدوء، لكنه يكرر كلامه السابق رغم أن عمره ثمانية وأربعون عاماً، كل ما يزعجني هو بعده عني وإهماله لنفسه وعندما يشعر بحزني يحاول تعويضي بما يرضيني إلا أنه يعود كما كان.

أجاب عنها:
أميمة الجابر

الجواب

السائلة الكريمة..
هذه معاناة الزوجين في معظم الأحيان عند قرابة سن الخمسين، فظاهرة الشعور بالفتور تبدو واضحة بين الكثير من الأزواج، فعندما يكبر الأولاد وتزيد مسؤولياتهم ويزداد الآباء انشغالا بهمومهم تنعكس تلك الهموم بتأثيرها السلبي على صحتهما وبتقدم السن يبدأ ضعف بعض الحواس فيرهقهما التفكير متحسرين على أنفسهما..
لقد سلبت منهما السنين طاقتهما وحيويتهما ونشاطهما وأبدلتهما الوهن والضعف، كان ذلك كافٍ لتدهور حالتهما النفسية، فيظهر ذلك على صورة أفعال.
فالبعض يفضل حب العزلة، والبعض يفضل النوم بمكان خاص به، قد تكون هذه الظاهرة طبيعية، لكن لا مانع من محاولة العلاج بشتى الطرق أو التخفيف من حدتها.
إن لدينا في حالتك هذه بعض الاحتمالات، فأولها ما يعتري – طبيعيا – الأزواج، كما ذكرنا، وثانيها، شيء يخفيه يسبب أحزانه، وثالثها: ضيق ذاتي منك شخصيا أو من أحد من أبنائه، ورابعها: هم لا يعرف هو ذاته مصدره مما يحدث للكثيرين، ومع وضع كل ذلك في الاعتبار فإن لنا أن ننصح ببعض أمور مهمة ينبغي عليك المحاولة عبرها أن تكسري حاجز البعد..
فقد نصحنا الرسول صلى الله عليه وسلم بتكرار دعاء: "اللهم إني أعوذ بك من الكسل وسوء الكبر"، في أذكار الصباح والمساء، وفي نص الحديث يقول الصحابي راوي الحديث: كان يكثر أن يقول ذلك.
فالكسل قد يطرأ على الإنسان بعد سن الأربعين والإرهاق البدني عند أقل مجهود، لذلك كان ذلك الدعاء بمثابة المضاد الحيوي الذي يقاوم الفيروس بل ويعتبر أيضا من مقويات المناعة فيمد الجسد بالمناعة فيمنحه القوة بدلا من الضعف، والنشاط بدلا من الكسل.
أيضا بعد سن الأربعين يحب الإنسان ويميل للجو الهادئ فجلوس زوجك بحجرة خاصة به يمكن أن يكون شيئا طبيعيا لأنه يجد في هذه الغرفة الهدوء والراحة من ضوضاء الأولاد، فيجب عليك لتفادي الجفاء الذي تشعرين به محاولة التقرب له عن طريق مثلا تقديم له هدية ولو بسيطة.
وأيضا الاستئذان عليه بالدخول بحجج شتى، فتارة تقديم شيء لتناوله وتارة لشربه فهذا كوب من العصير مثلا دون أن يطلب منك أو تقديم له بعض أصناف المرطبات التي يحبها من وقت لآخر وتقدمين له كل مرة ذلك مع بشاشة الوجه والكلمات المرحة، وليتكرر ذلك.
ولا تدخلي عليه إلا بمظهر طيب، حينذاك سوف يشعر باهتمامك الذي افتقده بسبب انشغالك عنه بالأولاد، فسوف تجدين منه إن شاء الله مبادلة لهذه اللمسات.
أيضا بمشاركتك في هواياته، فحاولي تعلم ما يحبه من الهوايات وذلك بغرض فتح أبواب الحوار بينكما عن طريق أشياء مشتركة.
عليك أيضا أن تلتمسي له عذرا فربما يشتكي زوجك من مرض ما ولا يريد أن يخبرك بذلك وقد يظهر عنده في صورة اكتئاب أو صورة صمت أو حب الجلوس وحده والنوم أيضا وحده.
فلا داع لإظهار انزعاجك لذلك بل عليك التودد إليه وإظهار حنانك له فقد يحتاج الزوج لقدر من الحنان مثل الأبناء تماما في هذه الأوقات من العمر.
وكما ذكرت في رسالتك أن زوجك مدخن فقد يكون جلوسه وحده سببا لإشباع رغبته في الدخان، دون أن يراه الأولاد حتى لا يكون قدوة سيئة لهم في ذلك ورغم أضرار شرب الدخان الواضحة لكل المدخنين ومعرفة حكمه المحرم لكنهم يصعب عليهم تركه والبعد عنه، فربما مكوثه وحده لمنع أولاده من التقليد.
لكن ينبغي عليك أن تنتزعي زوجك من هذه القوقعة التي يضع نفسه داخلها، فعليك اصطحابه بالأولاد في رحلات أسبوعية للترفيه عنه في جو تملؤه جمالات الطبيعة، فقد يغير هذا اليوم الكثير مما يكبته داخله، بل ويغير نظرته للحياة.
أيضا عليك محاولة الاجتماع مع زوجك في بعض الطاعات مثلا كصيام الاثنين والخميس أو الاجتماع على صلاة ركعتين قيام ليل كل يوم، أو البحث عن فقراء وأيتام ومعوزين والخروج معا لتقديم لهم المساعدات، فهذه الطاعات من القربات إلى الله تعالى والقريب إليه سبحانه يعيش هادئ البال سعيد القلب.
أو تشجيعه واصطحابه لزيارة رحمه، فهذه الزيارات بالنسبة له محببة إلى قلبه ستترك آثارا داخلية، وبركة في علاقتكما الزوجية، وقد يزيد من خلالها حب زوجك لك.
كما عليك تغيير حالك وإعطاء زوجك حقا في بعض الوقت من يومك، وعلى قدر المستطاع الاهتمام بصورتك، مظهرك، بحيث يشعر بذلك التغيير فربما يعود إليك تدريجيا عندما يجد منك كل هذا الاهتمام به.
ومع كل ذلك لا تنسي كثرة الدعاء لله تعالى بأن يبعث بينكما المودة والحب والشوق ويبعد عنكما نزغ الشيطان إن الله قريب مجيب الدعاء.