9 شعبان 1434

السؤال

زوجتي عنيدة وتكذب عليَّ، وعند زيارتها لأهلها قبل ثلاثة أشهر تقريباً حدثت مشادة كلامية بيني وبينها وهي الكاذبة؛ فغضبت وأخبرَت أهلها ببعض أسرارنا وكذبت في البعض، فصدَّقها أهلها وهاجموني وأساءوا الأدب معي حتى اتهموني بأني غير متربي ولم يرجعوا زوجتي لي إلا بعد أن أثبت لهم أني سليم لأننا لم نرزق بذرية منذ أكثر من ثلاث سنوات وأرسلت لهم أني سليم وزوجتي تعلم بس القصد إذلالي بالطلبات وبعدها طلبوا تغيير الشقة ولا أعلم ماذا أفعل وهم القصد كما علمت إهانتي وإذلالي.. زوجتي طيبة وفيها من الخير الكثير لكنها تسمع من الناس وتصدق كل ما يقال لها خاصة في السوء وخيانة الأزواج! أرجوكم ساعدوني.

أجاب عنها:
يحيى البوليني

الجواب

بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله: أما بعد
فنحمد الله تبارك وتعالى ثم نشكرك أخي الفاضل على ثقتك بإخوانك في موقع المسلم ومستشاريه ونسال الله سبحانه أن يجعلنا أهلا لهذه الثقة وان يجري الحق على ألسنتنا وقلوبنا وان يرينا جميعا الحق حقا ويرزقنا اتباعه.
أخي الفاضل:
لا شك أن الزواج لا شك أنه بالزواج يكتمل دين المسلم ففيه الأمن والاطمئنان والعفة والإحصان وهو سكن للنفس كما قال ربنا (لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا) ولا يمكن إطلاقا لمسلم أن ينكر فضل هذا التشريع الكريم الذي راعى حاجات النفس البشرية ووضع لها ضوابط بلا إفراط ولا تفريط.
ولكن أخي الكريم:
فالنساء كما الرجال تماما لهن بعض الطبائع فيها من النقص والعوج البشريين ويصعب بل يستحيل أن تجد إنسانا بلا عيب وينبغي التعامل معهن على ما فيهن من عيوب مع محاولة الإصلاح دوما من أنفسنا أولا لتفادي عيوبنا ثم من غيرنا ثانيا بدوام النصح والاجتهاد في التقويم بوسائله وضوابطه الشرعية مع اللجوء إلى الله دوما بالدعاء.
ولكن هناك أخي الفاضل بعض العيوب الجوهرية التي ينبغي التوقف أمامها بحسم شديد، أما أن تصحح وإما أن تتم المفارقة بالتي هي أحسن ومن هذه العيوب القادحة التي يجب النظر إليها والوقوف معها بصورة حاسمة في الزوجة ومن أهمها: الكذب وإفشاء أسرار بيت الزوجية.
فلقد ذكرت في راسلتك كذب زوجتك مرتين مما يدل على شعورك القوي بكذبها أو بتكراره وهذا يحتاج منك لحسم فيه، ففي الحديث الذي رواه الإمام مالك في الموطأ: " قِيلَ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أَيَكُونُ الْمُؤْمِنُ جَبَانًا؟ فَقَالَ: (نَعَمْ)، فَقِيلَ لَهُ: أَيَكُونُ الْمُؤْمِنُ بَخِيلًا؟ فَقَالَ: (نَعَمْ)، فَقِيلَ لَهُ: أَيَكُونُ الْمُؤْمِنُ كَذَّابًا؟ فَقَالَ: (لَا).
وذكرت أخي الكريم مشكلة أخرى هي عندي تعتبر من المشكلات الكبرى بل أراها المشكلة الأساسية في رسالتك وهي مشكلة تعاملك مع أهل زوجتك، فلقد ذكرت تعاملهم معك وهو تعامل غير لائق بك ولا بأي رجل، فالسباب والإهانة والإذلال والاشتراط وحبس الزوجة ومنعها وإفسادها عليك واشتراط عدم عودتها حتى تأتي لهم بشهادة طبية أو صحية تثبت انك ليس بك عيب يمنعك من الإنجاب واشتراط شقة جديدة... ما هذا العبث منهم؟.
ولقد سميت مشكلتك بـ "تعاملك مع أهل زوجتك" وليس تعامل أهل زوجتك معك، فأنت المسئول أولا وأخيرا عن هذا التعامل، وأنت – أخي الكريم – من تركتهم يتمادون معك في هذا حتى استطاعوا أن يصلوا إلى ما وصلوا إليه بتراخيك عن حقك والاستجابة لهم والرضوخ أمامهم وتحمل كل هذه الإساءات منهم، وواجب في حقك قبل أن تسال عن مشكلة زوجتك وإصلاحها أن تصلح من تعاملك أنت مع نفسك.
من اجل ماذا تقبل الإهانة منهم؟ ومن اجل ماذا تقبل الإذلال؟ ومن اجل ماذا تقبل هذه الإساءات والشروط المجحفة والسباب؟
ربما لم تقل في رسالتك ماذا بدر منك لكي يصلوا لهذا ولكني لا ابل لك ولا أتصور أن رجلا يقبل بمثل هذا من أهل زوجته، وكيف يكون قيما عليها مقنعا لها قائدا لبيته ولزوجته وهو قد أهين أمامها من أهلها ولم ينتصر لنفسه ولم يوقفهم عند حدهم؟
إن هذه المشكلة هي الأولى بالتصحيح فمشكلة زوجتك مشكلة فرعية وتابعة لمشكلتك مع أسرتها، بل للمشكلة الأكبر وهي تعاملك مع نفسك.
فلا ينبغي فالمؤمن له أن يذل نفسه لمخلوق من اجل أي شيء، بل ولا من اجل أغلى شيء عنده حتى لو كانت امرأته التي يعيش معها ويحبها ويحتاج لها، فلا تهن نفسك وحاول أن تنقذها مما توقعها فيه، فمن يهن يسهل الهوان عليه وما لجرح لميت إيلام كما قال شعراء العرب.
أن أمرك يحتاج منك لوقفة حازمة مع نفسك قبل أن أطالبك بوقفة حاسمة مع غيرك، فمن يقبل هذا على نفسه مع أهل زوجته يقبله منها هي أيضا ويقبله من غيرها من كل أحد إذا رغب فيما عنده من أي شيء يطلبه.
وأخيرا لم الحظ في رسالتك أي ذكر لأهلك، فما موقفهم من كل هذا؟ وهل يقبلون ما يحدث معك أم لم يعلموا به مطلقا، واغلب ظني انك تخفي هذا عن اهلك، واغلب ظني أن زوجتك وأهلها قد تعاملوا مع اهلك بمثل هذا الجفاء والتكبر، ولا استبعد كونهم بعيدين عن اهلك تماما، فالحق بأهلك وكن معهم واشكرهم في أمرك حتى لو عاتبوك، فما الزواج إلا علاقة أسرة بأسرة وليس علاقة رجل بامرأة فقط، فاهلك سترك ودرعك وحمايتك، فلا تقبل لنفسك ما يحدث
أن أول إصلاح أمرك هو إصلاحك لنفسك قبل أن تتحدث عن إصلاحك لعلاقتك مع الآخرين، فأكرم نفسك عن أي شيء ينتقص منك وأكرم نفسك عن أي رغبة أو شهوة تتسبب في إهانتك.
أخي الكريم
إن إصلاح أمرك ميسور بإذن الله بتوكلك على الله سبحانه ولجوئك له ونيتك على أن تحفظ نفسك وتكرمها، وربما يحتاج ذلك منك إلى مراجعة شاملة لحياتك ولثوابتك ولكن ثق بان الله لا يضيع اجر من أحسن عملا.
وبعد مراجعتك لنفسك - أخي الكريم – يمكنك الوقوف على أرض ثابتة في تعاملك مع زوجتك وأسرتها، فإما أن تعتدل وإما أن تغير عتبة بابك
وفقك الله أخي الكريم وأصلح حالك وأعانك على أمرك.