المد الشيعي في مصر
25 جمادى الأول 1434
خالد مصطفى

في ظل الأوضاع السياسية والاقتصادية المرتبكة التي تمر بها مصر والضغط المتزايد على النظام من الداخل والخارج لأسباب عديدة, ومحاولات النظام فتح قنوات التواصل مع المحيط القريب والبعيد لإنعاش الاقتصاد الذي يعد أكبر ورقة تستعملها المعارضة العلمانية لإفشال المشروع الإسلامي, ظهرت في الأفق قضية المد الشيعي في البلاد...

 

وقد تزايد الحديث عن هذا الموضوع الشائك بعد هبوط أول رحلة طيران مصري في مطار طهران بعد قطيعة استمرت أكثر من 30 عاما وبعدها وصل أول فوج سياحي إيراني إلى مصر وأعلنت إيران إلغاء التأشيرات للمواطنين المصريين...

 

في نفس الوقت انتشرت أخبار في وسائل الإعلام عن صفقات بين طهران والنظام المصري من أجل انقاذ الاقتصاد المصري من خلال مشاريع إيرانية وأموال تتدفق على القطاع المصرفي الذي يعاني من نقص السيولة مقابل أن تفتح مصر أبوابها لشيعة إيران من أجل زيارة ما يسمى بـ "عتباتهم المقدسة" وصيانتها والإشراف عليها وهو ما أقلق الكثيرين ممن يعرفون نوابا إيران التوسعية ومخططاتها لبناء إمبراطورية فارسية شيعية والأمثلة في العراق واليمن والبحرين ولبنان أكبر دليل على هذه النوايا...يأتي هذا كله في وقت تتحفظ فيه بعض دول الخليج على النظام المصري وعلى دعمه بالقدر الكافي خوفا مما يثار عما يسمى بـ"تطلعات جماعة الإخوان" وهو أمر مبالغ فيه وتثيره قوى غربية وعلمانية داخل هذه الدول في المقام الأول, وقد وصل الأمر إلى مهاجمة دولة الإمارات رأس النظام في مصر بشكل سافر وفج يتخطى كل الحدود الدبلوماسية المعروفة ولم يحدث حتى مع أحمدي نجاد الذي تحتل بلاده ثلاث جزر إماراتية منذ عشرات السنين, مما ادى إلى توتر العلاقات بين الجانبين, كما هاجمت دبي التقارب مع إيران رغم أن العلاقات حتى الآن بين القاهرة و إيران لا تتجاوز العلاقات بين الإمارات وطهران التي تحتل جزءا من أراضي الإمارات....

 

المهم أن أكبر معارض لهذا التقارب في الداخل المصري هو التيار السلفي الذي يؤسس معارضته على أسباب عقائدية واضحة وقد أعلن عن مؤتمر واسع اليوم الجمعة من أجل التحذير من هذا الخطر ورغم أن الرئيس المصري محمد مرسي يعرف جيدا مدى حساسية هذا الأمر وصدم الشيعة في عقر دارهم بالترضي عن الخلفاء الراشدين وأعلن أنه لن يسمح بأي مد شيعي في مصر وأن هناك محددات للعلاقات بين البلدين إلا أن هناك مخاوف حقيقية ينبغي الالتفات إليها وهي أن جماعة الإخوان المسلمين التي ينتمي إليها الرئيس والتي تحوز الأغلبية في مجلس الشورى الذي يعد السلطة التشريعية الحالية في البلاد موقفها من الخطر الإيراني غير حاسم فهي تشعر أن هناك مبالغة في ذلك وكانت قد اختلفت مع الشيخ يوسف القرضاوي ـ الذي تعده الجماعة مرجعا علميا كبيرا لها ـ في وقت سابق عندما حذر من خطر نشر التشيع في العالم العربي وكانت الجماعة قد أيدت ثورة الخميني في البداية على اعتبار أنها "ثورة إسلامية" وإن كان موقفها تغير تدريجيًا, ويبدو أن الجماعة كانت تخلط حتى وقت قريب بين الشيعة الإثنى عشرية والزيدية مما جعل موقفها من إيران يثير تحفظ الكثير من الفصائل الإسلامية الأخرى....

 

النظام المصري أكد عدة مرات أن العلاقات مع طهران لن تكون أبدا على حساب العلاقات مع الخليج ولا أمن الخليج ويبدو أنه يشير في ذلك إلى العلاقات الإيرانية ـ الخليجية التي تحتفظ بحد أدنى لها رغم التوتر الدائم بين الجانبين ولكن هذا لا ينفي أن نظرة طهران لمصر كقلب العالم العربي والكثافة السكانية الكبيرة فيها والبعد الثقافي البارز لعاصمتها القاهرة وتأثيره على بقية العواصم العربية كل هذا يعد صيدا ثمينا لإيران وشيعتها ومخططاتها خصوصا مع وجود طرق صوفية تقترب في أفكارها من بعض المعتقدات الشيعية الإثنى عشرية وهي ترحب بهذا التقارب بل أن المعارضة العلمانية ـ التي لا يفرق معها السني من الشيعي ـ تنظر للأمر بإيجابية على اعتبار محددات التاريخ والجغرافية كما تقرأها...إيران تعيش أوضاعا صعبة وهي تكاد تخسر أكبر حليف لها في العالم العربي وهو بشار الأسد ويهمها أكثر من أي وقت مضى أن تكسب صديقا جديدا..

 

وليس من المتوقع أن تظهر إيران نواياها سريعا فهي تعلم مقدار التحفظ تجاهها داخل مصر لذا فهي تستخدم التقية كسلاح تراه ناجعا في ظل هذه الاوضاع مما يلقي بتبعة كبيرة على الدعاة الذين ينبغي أن يكشفوا بشكل واسع عن حقيقة العقائد الشيعية والمخططات الإيرانية واضطهادها لأهل السنة, وهو ما سيمثل أكبر حائط صد ضد أي غزو شيعي قادم.