أنت هنا

تونس ومصر وسلاح العلمانية القضائي
18 جمادى الأول 1434
موقع المسلم

في تونس كما في مصر، يدرك الكثيرون أن القضاء في كلا البلدين ما كان يوما مستقلا، ولا عرف سبيلاً إلى تحقيق العدالة لاسيما فيما يخص السياسيين الذين استخدمهم قضاء اختير معلتو منصاته بعناية بحيث يضمن ولاءهم للسلطة، ويساهمون بجهد تثبيت أركان حكم الطاغيتين بن علي ومبارك.

لم يحرز القضاء ـ ما عدا استثناءات طفيفة ـ بطولات في مضمار تحقيق الإرادة الشعبية وتغليبها على إرادة الحاكم، وشارك في عملية تدجين الشعبين للقبول بأمر الطاغيتين، الواقع..
تستر القضاء العلماني كثيراً على عملية مصادرة الإرادة الشعبية، كما تستر على ملفات كثيرة للفساد تطال كبار رموزه، لم يمكن التعامل الجزئي معها إلا قليلا بعد الثورة؛ فالترسانة العلمانية القانونية والقضائية تحول دون تحقيق العدالة وتستخدم ببراعة ثغرات النصوص التي وضعت بعناية من أجل أكل حقوق الشعوب السياسية والاقتصادية.

بالأمس هب قضاة بتونس كما لم يفعلوا على مدى عقود غضباً من مساعي حكومة علي العريض المنتمي إلى حزب النهضة لتحقيق تلك العدالة؛ فانبرى كثير من القضاة لعمل إضراب عام استجابة لدعوة نقابة القضاة وجمعية القضاة التونسيين، من أجل "استقلال القضاء"!

في ظاهر الأمر تبدو المسألة متعلقة برفض القضاة لإجراءات الحكومة بتعيين غير القضاة في "الهيئة الوقتية" التي ستعوض القضاء العدلي أو "المجلس الاعلى للقضاء" الذي تأسس سنة 1967 ولم يكن له وظيفة في عهد بن علي سوى إخضاع القضاء لسلطة الرئيس الهارب وتقويض استقلالية القضاء.. وطلبهم استقلالية النيابة العمومية عن سلطة وزير العدل، وإلغاء آلية الإعفاء التي تم بموجبها إعفاء أكثر من ٨٠ قاضياً تونسياً، لكن باطنه أن ذلك قد أحدث نوعاً من التطهير في سلك القضاء لا ترضاه الدولة العميقة في تونس؛ فغضب أولياؤها وانبرت هيومان رايتس تؤيد!

المشكلة ذاتها في مصر، حيث تقاتل الدولة العميقة التي تضم كأحد أركانها العتيدة بقايا النظام الأتاتوركي المباركي العامل على ضمان "مدنية" الدولة (أي علمانيتها)، والمحافظة على رجال أمريكا في مصر؛ فشنت أكبر الحملات على النائب العام المصري الذي عينه الرئيس مرسي لنظافته فسلت سيوف الغدر و"القضاء" أيضاً ضده، وأصدرت محكمة حكماً معولباً مناقضاً للدستور الذي أقره الشعب المصري بهدف عزل أول نائب مستقل لمصر لا يخضع لأوامر الدولة العميقة.

والمفارقة في تونس كما في مصر، أن المقاومة للتطهير يشترك فيها من يسمون بالثوار مع الدولة العميقة، حتى صار من اللافت للنظر أن حملة الإطاحة بالنائب الحالي تفوق بمراحل الحملة التي شنها مدعي الثورية على النائب المتهم بالفساد والذي ساهم في إهدار عشرات المليارات على مصر بتستره على عصبة مبارك ورجال أعماله، عدا عن مقاومته للتطهير الثوري للقضاء المصري..