مفاسد التردد في الحكم بضلال البوطي
14 جمادى الأول 1434
د. عدنان أمامة

راعني -والله- وهالني ما صدر عن كثير من الروابط والاتحادات والحركات والشخصيات الاسلامية من بيانات ومواقف بشأن  هلاك الشيخ البوطي،  وقد اتسم أغلبها بالتهوين من جريمة نصرته لحزب البعث الملحد لعقود خلت، والتساهل معه في وقوفه الصارم إلى جانب نظام الإجرام في سوريا في مواجهة المستضعفين المطالبين بحريتهم وكرامتهم، بل إن الكثير من تلك البيانات قد  استمطرت له المغفرة والرحمات، وأظهرت الأسى والحزن على فقده ورحيله، وعدت مواقفه المناصرة للنظام من قبيل الاجتهاد السائغ الذي يقع بين العلماء، ومبعث استغرابي أنه ليس ينكر أحد أن الرجل قد بز جميع علماء السوء في العصر الحاضر، وتفوق عليهم في ممالأته للطاغية الكبير حافظ الأسد، ومن بعده ولده بشار، وختم حياته أسوء خاتمة، حيث وافته المنية وفي رقبته  دماء عشرات ألوف الأبرياء من الرجال والنساء والأطفال، الذين قتلهم نظام الإجرام النصيري ابتداء من مجازر حماة وجسر الشاغور مرورا بسجون تدمر وصيدنايا وغيرها وانتهاء بما حل ويحل اليوم في كل بقعة من أرض سوريا الجريحة، كل ذلك حصل ويحصل ببركة فتاوى البوطي ومواقفه المؤيدة لنظام الظلم والكفر والإجرام، وصدرت من البوطي أقوال تعد من نواقض الاسلام الواضحات  الجليات، منها عدم تكفيره للكفار المجمع على كفرهم، فهو لم يكفر النصيريين ولا البعثيين الملاحدة، ولم يكتف بذلك بل حكم لهم بالإسلام والإيمان، وأقسم أن حافظ الاسد -حامل لواء حزب البعث وناشره ومكره الناس عليه باعتراف الدنيا كلها- في الجنة وكذا حكم لولده باسل، وافترى على الله حين وصف بشار- السفاح المجرم الذي أعلن قبل أشهر قليلة بلسان المقال وليس بلسان الحال فقط أنه الحصن والمعقل الأخير للعلمانية ، والذي أكره الناس على السجود لصورته،  والنطق بأنه لا رب إلا بشار-وصفه بأمير المؤمنين، وشبه جيشه- قاتل النساء الأطفال ومنتهك حرمة المساجد والمدنس للمصاحف- بالصحابة الكرام، وأوجب على الناس الجهاد في صفوفهم ضد المجاهدين الموحدين، إلى غير من ذلك من الطوام  والشناعات التي يصعب تعدادها، وعليه رأيت ضرورة بيان  المفاسد العظيمة المترتبة على إصدار مثل هذه البيانات ومبلغ الانحراف الذي كشفت عنه والأثر السيء لها على عامة المسلمين وخاصتهم لا سيما وأنها لم تصدر من المؤيدين للنظام بل من المعارضين له وممن اصطلوا بناره وطغيانه، ولعل أبرزها:

 

1-    العدوان الصارخ على العقيدة الإسلامية، والتضييع لمعالم التوحيد، وقلب الباطل حقاً، والحق باطلا، وزعزعة المسلمات والقطعيات، إذ ما كان معلوما من الدين بالضرورة من كفر البعث والعلمانية وكفر من يحارب الدين ويجبر الناس على الكفر، يغدو حسب فهم البوطي إسلاما وإيماناً،  وأصحابه مؤيدون ملهمون من الله، ومن مات منهم يتقلب في نعيم الجنة، بحسب ما صرح به الشيخ المذكور، ثم يقابل البوطي بعد هذا بالإشادة بعلومه والتنويه بجهوده وجهاده وخدمته العظيمة للدين، وكأنما الأعمال بالبدايات وليست بالخواتيم، ويحشر المرء على ما ابتدأ به، وليس على ما مات عليه كما أخبر النبي صلى الله عليه وسلم.

 

2-    التباس الحق بالباطل، وتوهين قواعد الولاء والبراء ؛ وكسر حاجز النفرة بين المتقين والفاجرين، وتقريب أهل الباطل من أهل الحق، وهذا الأمر مناف لقول الله تعالى: ﴿ وَكَذَلِكَ نفَصِّلُ الآيَاتِ وَلِتَسْتَبِينَ سَبِيلُ الْمُجْرِمِينَ ﴾ حيث تفيد الآية الكريمة أنه لا بد من رسم الخط الفاصل بين الحق والباطل، والكفر والإيمان، وسبيل المؤمنين ومنهجهم وعلامتهم , وسبيل المجرمين ومنهجهم وعلامتهم، بحيث لا يختلط السبيلان ولا يتشابه العنوانان , ولا تلتبس الملامح والسمات بين المؤمنين والمجرمين، وقد شنع القرآن على بني إسرائيل لبسهم للحق بالباطل فقال: (ولا تلبسوا الحق بالباطل وتكتموا الحق وأنتم تعلمون) فكيف نقع فيما وقعوا فيه؟.

 

3-    أن التهوين من ضلال البوطي حرف للمعركة القائمة اليوم بين الكفر والإيمان عن مسارها الحقيقي، ونزع للبعد العقدي منها، وتصوير للناس: أن ما يجري في سوريا اليوم صراع سياسي بين فريقين متنازعين على السلطة، وأن هناك من يقف بصف النظام وهناك من يعارضه، وقد ذهب بعض المعلقين على مقتل البوطي إلى  حد تشبيه ما يجري في سوريا اليوم بما جرى من نزاع بين الصحابة وأن المصيب في موقفه من الثورة السورية له أجران  والمخطئ له أجر، ونسي هؤلاء أو تناسوا  أن كلا الفريقين المتنازعين من الصحابة كان يسعى في اجتهاده إلى تحكيم شريعة الله وإعزاز المسلمين، ولم يكن أحد الفريقين يريد تثبيت الإلحاد والكفر وإجبار الناس عليه كما هو حال النظام السوري الذي ناصره البوطي طيلة حياته.

 

4-    أن في الترحم على البوطي بعد كل هذه الطامات والبلايا التي تلبس بها تشجيع للمنافقين والنفعيين والوصوليين وسائر علماء السوء على الإصرار على غيهم وضلالهم، والتادي في باطلهم وانحرافهم لأنهم يجدون من لم يصلوا إلى معشار ما وصل إليه من مناصرته للنظام المجرم قد قوبل بهذا التبجيل والتوقير واستدرار العفو والمغفرة له،  وانتحال المسوغات لمواقفه المخزية، بل لا أبالغ إذا قلت إن في هذه المواقف الرخوة من هلاك البوطي تشجيع لبشار الأسد ذاته على المضي في كفره وإجرامه، لأنه يتصور أنه ما دام هناك من العلماء وقادة الجماعات الاسلامية من عذر البوطي العلامة الفهامة في موقفه من الثورة السورية فلا بد أن يعذروه من باب أولى.

 

5-    أن في التهوين من ضلالات البوطي نصر لعقيدة أهل التجهم والإرجاء الذين يحصرون الإيمان بالتصديق القلبي فقط، وأن الأعمال لا دخل لها بالإيمان، وأن المسلم يبقى مسلماً مهما صدرت منه  أقوال أو أعمال كفرية، ما دام مصدقاً بقلبه.

 

6-    أن في عدم فضح البوطي وكشف حاله وضلالاته مخالفة لمنهج القرآن القائم على تعرية علماء السوء وأهل النفاق والزيغ وتنكب لسبيل المؤمنين من الصحابة والتابعين الذين كانوا يفرحون بهلاك الطغاة  ويغلظون على أهل البدع والأهواء، حتى لا يفتتن بهم الناس.

 

7-    أن في التقليل من شأن جريمة البوطي خيانة لدماء الشهداء، وجرح لمشاعر الثكالى من النساء، واليتامى من الأطفال، الذين ما حل بهم ما حل إلا بفتاوى البوطي والحسون وأمثالهم.