21 شعبان 1434

السؤال

بسم الله الرحمن الرحيم أنا منفصلة عن زوجي منذ فترة، وقد رزقني الله منه ببنت، وكان سبب طلاقي عصبية زوجي الشديدة وعناده، وتدخل والدته في حياتنا، وأنا كنت صغيرة لم تكن عندي دراية بالحياة الزوجية، إضافة إلى حملي المبكر، فلم أتحمل طباعه فطلبت منه الطلاق، بعدها تزوج بأخرى، ولكتني ما زلت أحبه، وهو يسأل عنى وعن ابنته، وكان يسألني عن أسباب عدم زواجي، فكنت أحتج بأمي المريضة، وبعد وفاتها جلست مع أبي فبدأت أشعر بالوحدة، لأن أبي لا يشاركني نفس الأفكار والاهتمامات، فطلبت من طليقي أن نرجع لبعضنا ونربي ابنتنا، فقال لي: لا أستطيع أن أفتح بيتين، فعرضت عليه مساعدتي، فطلب مني أن أمنحه فرصة للتفكير، وكل مرة يختبرني فيها أفشل، فطلبت من أخته أن تتدخل بيننا فوافقت، فقال لها هي أيضا: سأفكر، ولحد الآن لم يحسم في الموضوع، ولم يرد علي ويرفض أن يكلمني أو يكلم ابنتي، فتعبت نفسيا، ولكنني التجأت إلى ربى فهو سندي في الحياة، أطلب منكم الحل: هل أصبر أم أنسى هذا الأمر وأعيش حياتي..

أجاب عنها:
صفية الودغيري

الجواب

بسم الله الرحمن الرحيم والصلاة والسلام الأتمان الأكملان على سيدنا محمد وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.
أما بعد: أختي السائلة الكريمة، بداية أشكرك على رسالتك، وعلى ثقتك بموقع المسلم وطرحك لاستشارتك.
ومشكلتك ألخصها فيما يلي:
ـ انفصالك عن زوجك بسبب عصبيته المفرطة وعناده
ـ زواج طليقك من امرأة أخرى وإحساسك بالرغبة في الرجوع إليه
ـ رفض طليقك طلبك بالعودة إليه بحجة عدم قدرته المادية على فتح بيتين
ـ شعورك بالوحدة والتوتر النفسي بسبب تردد طليقك في الرد على طلبك بالعودة إليه على الرغم من المساعدات التي قدمتها إليه..
أما الحلول التي أقدمها لك فهي كالتالي:
أولا: لا شك أختي العزيزة أن الطلاق أبغض الحلال، إلا من اضطر إلى ذلك، ويبقى الإصلاح بين الزوجين ما أمكن خير من الفراق، ولهذا فرغبتك بالرجوع إلى زوجك أراها لمصلحتك ومصلحة ابنتك، ولتنجحي في ذلك عليك بالصبر والمجاهدة، والحكمة حتى تدركي مرادك، فما أسهل الهدم وما أصعب البناء، فاليد التي تهدم هي نفسها التي تبني إنما الفرق بينهما في بذل الجهد والوقت والوسائل..
ثانيا: توكلي على الله واستعيني به، وضعي يقينك فيه، وثقي بأنه سبحانه هو وحده من بيده أن يجلب لك الخير ويدفع عنك الشر، وهو الأعلم بما ينفعك مما يضرك، فاستخيري الله في أمرك، وهو سبحانه سيختار لك الأفضل، وسيقدر لك الخير ويرضِّك به، وألحي عليه بالدعاء آناء الليل وأطراف النهار، وفي مواطن استجابة الدعاء، واذكريه سرا وعلنا وفي خلواتك، وتقربي إليه بالطاعات، فهذا سيساعدك في التخلص من توترك النفسي، وسيبعث في نفسك الشعور بالسكينة والطمأنينة والراحة.
ثالثا: تذكَّري بأن إصلاح ما بينك وبين طليقك يستحق المجاهدة، والتنازل، والتضحية، والتسامح، والمودة، والرحمة، والإيثار، ومقابلة السيئة بالحسنة، والعفو، والصفح، والإحسان، والتعامل معه في إطار شرعي، ملتزمة بالأخلاق النبيلة، والاستقامة، والصلاح، والتمسك بدينك وقيمك، وبأخلاق المرأة الشريفة العفيفة، فهذا من شأنه أن يفرض احترامك عليه ويرفع من مكانتك لديه.
رابعا: لا تستعجلي قطف الثمار قبل أوان نضجها، خاصة وأنك اتخذت الأسباب الممكنة، وصارحت طليقك برغبتك في العودة إليه، واستعنت بأخته للتدخل للتوفيق بينكما، وهو الآن بحاجة لفترة كافية للتفكير بهدوء بمستقبل علاقته بك وبابنته، ولاتخاذ قراره بعيدا عن أي مؤثرات أو ضغوط نفسية، فاتركي له حرية الاختيار ولا تجبريه على ما يكرهه.
خامسا: لقد أخطأت أختي الكريمة حين استعجلت الطلاق، فاعملي على أن تكفِّري عن هذا الخطأ، واكسبي ثقة طليقك من جديد، واغتنمي زيارته لرؤية ابنته بحضور والدك أو أحد محارمك وإن لم يتيسر ذلك فعبر وسيط صالح لتنقلي له بعض امور :
ـ عبِّري له عن رغبتك في العودة إليه، واطلبي منه أن يسامحك ويغفر لك تقصيرك في حقه، وأظهري له ندمك على ما ارتكبته من أخطاء في الماضي، واستعدادك لفتح صفحة جديدة معه بعيدا عن المشاكل السابقة، واستعدادك للتغيير من طباعك في سبيل إسعاده وإسعاد ابنتكما، وتجنب المواقف والتصرفات التي كانت تضايقه، سواء في طريقة تفكيرك، أو في مظهرك، أو في أسلوب حديثك وتعاملك معه.
ـ ذكِّريه بواجبه اتجاه ابنته، وابعثي بداخله مشاعر الأبوة والحنان، وبيِّني له أن من واجبكما أن تتحمَّلا معا مسؤوليَّتَكُما في تربية ورعاية ابنتكما، وإيثار مصلحتها على مصلحتكما، والتنازل لأجل حمايتها والحفاظ على حقوقها، وعلى سلامة تكوينها النفسي والتربوي والصحي، واعترفي له بضعفك وعجزك عن تربيتها بمفردك، وحاجتك لحمايته ومساندته..
ـ ذكِّريه بالذكرى الحسنة التي مرت في حياتكما، وامْدَحيه واذْكُري محاسنه وأثني عليه ما استطعت، وتأكدي بأن ذلك حتما سيسعده، خاصة وأنك ترفعين من مكانته وقدره أمام والدك أو أخته أو أحد محارمك، ولأن الكلمة الطيبة الجميلة صدقة، وتسُرُّ النفوس وترطِّبها وتُلَيِّنُها وإن كانت كالصخر، والإلحاح في الطلب صاحبه لا يرد.
سادسا: كما استعنت بأخته لإقناعه بالرجوع إليك، استعيني كذلك بوالدته، فقد تكون هي من بين أسباب عزوف طليقك عن ردك، لما كان بينكما في السابق من مشاكل، فاحرصي على أن تتودَّدِي إليها وتكسبي محبَّتها من جديد، وقومي بزيارتها برفقة ابنتك، واغتنمي أية مناسبة وقدمي إليها هدايا تسرُّها، أو أرسليها إليها عن طريق أخته، أو اتصلي بها واسألي عن أحوالها، وكرِّري زيارتك لها فهي بكل الحالات الجدة الوحيدة لابنتك، وفي مقام أمك التي توفيت رحمها الله، ولأنها أم ستشعر بمعاناتك، وحبها لحفيدتها سيشفع لك، وسيكون لها تأثير أقوى على ابنها في إقناعه بالرجوع إليك.
سابعا: استعيني كذلك في الرجوع إليه والتوفيق بينكما بحكم سواء من أهلك أو أهله، لأنّ الأقارب هم الأدرى من غيرهم بأحوالكما، والأعرف بطبيعة الخلاف الذي كان بينكما والأدرى بأسباب الطلاق، وبالتالي سيكون تأثيرهم أبلغ وأطيب في التوفيق بينكما، فإن تعذر ذلك استعيني بغير الأهل من ذوي العدالة والنزاهة في الحكم على الأمور، وأصحاب الحكمة ورجاحة العقل والخبرة، وممن لديهم أهلية الجمع بينكما، والقدرة على لَمِّ شتات البيوت.
ثامنا: قد يكون تردد طليقك في العودة إليك له عدة احتمالات، إما لأن لديه مبرراته المادية التي تمنعه من ذلكأ أو لأن كرامته كرجل تمنعه من قبول مساعدتك، أو لأنك فشلت في كل الاختبارات التي كان من الممكن أن تكسبي بها ثقته وتغير رأيه حولك، أو لخوفه على بيته الجديد من الانهيار بعد أن صار زوجا، خاصة في حالة لو رفضت زوجته الجديدة عودته إليك، أو لأنه لم يقدر لحد الآن أن ينسى تجربته القاسية معك، مما جعله متخوفا ومترددا في الرجوع إليك، أو عازفا عن ذلك، أو غير مستعجل لاتخاذ هذا القرار..
وختاما أقول لأختي الكريمة: تسلَّحي بالصبر فهو مفتاح الفرج، وخذي بالأسباب المشروعة، والحلول الممكنة، التي تساعدك بتوفيق من الله للرجوع إليه، وإصلاح ما بينكما، ولا تستعجلي الأمور، واحتفظي بهدوئك واتزانك النفسي، فالمسألة مسألة وقت وسيكشف الله لك الحقيقة.
وحتى لو لم يكتب لك الله الرجوع إلى طليقك، ما عليك إلا الاستسلام لأقدار الله، وثقي بأن ما قدره هو ما فيه الخير، واختياره أفضل من اختيارك لنفسك، وهو أرحم بك من نفسك، وأعلم بمصلحتك منكِ، واعلمي بأنه ما حرمك إلا ليعطيك وما منعك من شيء إلا ليعَوِّضَكِ ويخلُفَكِ بخير منه، ومن يدري لعل الأنسب لك أن تطوي صفحة هذا الرجل من حياتك، وتبدئي حياة جديدة مع ابنتك، وليكن لديك عمل نبيل ووظيفة شريفة تنفعك وتنفع ابنتك ومجتمعك، واشغلي نفسك باهتمامات وأنشطة ذات قيمة عظيمة ورسالة هادفة، وتخلصي من شعورك بالفراغ والوحدة بملازمة الصحبة الطيبة من الأخوات الصالحات المؤمنات التقيات، حتى يعينوكِ على أمر دينك، ويبعثون في نفسك القوة والنشاط، لأن المؤمن قوي بأخيه كما المؤمنة قوية بأختها، وهذا سيساعدك إن شاء الله في التخلص من معاناتك ومن توترك النفسي، وسيصرف عنك تعلقك بطليقك ورغبتك في مراجعته.
أسأل الله العلي القدير أن يصلح شأنك ويوفقك لما فيه الخير، ويفرج كربتك، وييسر أمرك، ويقدر لك ما فيه الخير في دينك ومعاشك وعاقبة أمرك.