سورية البطولات.. عامان على الثورة
7 جمادى الأول 1434
د. محمد العبدة

نعم هي سورية البطولات، هي الجزء الأكبر من بلاد الشام الذي عليها مواجهة الأعداء قديما مثل الصليبيين والتتار وحديثا: الصهيونية والباطنية وعندما تكلم شيخ الإسلام ابن تيمية مستعرضا الأقاليم وميزة كل أقليم وذكر المدينة والحجاز والكوفة والبصرة وذكر أهل العلم والفقه والحديث،  قال وأما أهل الشام فهم أهل جهاد، وها هي اليوم تصمد أمام وحشية نظام ليس له شبيه في عالم الإجرام والظلم، ذلك لأنه زيادة على الاستبداد فهو يستند إلى حقد باطني، وفي هذه الحالة يكون القتل أشد بشاعة.

 

صمدت سورية ولم نئن ولم تشتكي وهي مثخنة بالجراح، ومثقلة بلا مبالاة المجتمع الدولي وهو يرى القصف بالصواريخ وقتل الأطفال والنساء وتهجير الملايين. ليس غريبا أن يقف الشعب السوري في مواجهة الطغيان الأسدي الذي طال أمده، فقد ثار شباب مؤمن في عام 1964م في مسجد بني أمية في دمشق ومسجد السلطان في حماة، ثم كان الصراع مع هذا النظام الفاسد منذ عام 1977واشتد ما بين 1979 و 1982 وشهد بطولات قل نظيرها وراح ضحيتها الاف الشهداء في سجن تدمر الصحراوي سيء الذكر ودمرت مدينة حماة.

 

إن الذين أصروا على شعار (السلمية) في بداية الثورة، كان معهم جزء من الحق. وكأنهم يخشون من الدولة التي تريد جر الثورة إلى السلاح وهو ما يبرر لها أن تضرب بقوة، ولكنهم لم يعلموا أن هذا النظام يختلف عن الأنظمة الأخرى في المنطقة وهي التي انسحبت بعد أسبوعين أو ثلاثة من المظاهرات المطالبة بالتغيير، ولأن جيوش هذه الأنظمة وقفت على الحياد، لأنها جيوش وطنية. وكأنهم لا يعلمون أن هذا النظام سيضرب سواء كانت سلمية أو غير سلمية، لشهيته لقتل المسلمين، هو نظام لا يذهب إلا بالقوة.

 

استمرت الثورة وتحولت شيئا فشيئا إلى مقاومة وجهاد ضد عدو محتل لبلد مسلم، عدو عنده من اللاإنسانية ما يفوق أي نظام آخر في العالم. فهل سمع الناس في شريعة القتال والحروب أن جيشا يعذب طفلة صغيرة؟ّ! إنها سادية لا تكون إلا عند هؤلاء القرامطة الحشاشين.

 

في هذه الثورة وهذا الجهاد ظهر جيل جديد من الشباب، فيه من البطولة ما يرفع رأس كل مسلم، وفيه من التضحيات ما لا يقدر عليها إلا من آمن بالله وأحب الحق وكان معدنه أصيلا، ظهر هذا الجيل وهو واع لأبعاد المعركة ومداخلها ومخارجها، ربما لم يتوقع كثير من الناس ظهور مثل هذا الجيل في سورية وقد عاش تحت ظل الاستبداد ومحاولات الدولة الأسدية إفساد العقول والأخلاق. ولكن الله غالب على أمره. لم تكتف الثورة بهذه المقاومة بل قدمت الخدمات للناس، فأسست المدارس وتخلص التلاميذ من المناهج المسمومة التي تمجد الصنم والأصنام كلها، وقامت محاكم شرعية وأقبل الناس عليها لأنهم يريدون حكم الشرع في كل قضية من قضاياهم. يطمئنون لهذا الحكم لأنه يحفظ حقوقهم.

 

الإنجازات كثيرة والحمد لله، والتضحيات جليلة والجراح عميقة، وقد خسرنا الاف الشهداء والاف الجرحى والمعوقين ولكن لو قلبنا المعادلة وقيل: إذا كان النظام بها الإستعداد والعتاد، وهذا الدعم من شيعته، فكيف لو بقي عشر سنوات أخرى؟ هل من السهل اقتلاعه؟ ألم يكن يسعى لتشييع أكبر عدد ممكن من الشعب السوري (1) ليقول في النهاية أن السنة ليسوا هم الأكثرية.

 

استمرت الثورة وكان من حسناتها الكبيرة أن انكشف الغطاء أمام أعين الناس الذين كانوا على جهل بالعقائد الباطنية، وعلى جهل بإيران وأهدافها وصنيعتها الذي يسمى (حزب الله) تبين للناس زيف ما يسمى الممانعة وزيف الكلام المبهرج لساسة ايران عن فلسطين والعداء لإسرائيل هذا شيء لم يكن ليقنع الناس ولو كتبت في ذلك عشرات الكتب، وهذا من بركات هذه الثورة وحسناتها.

 

استمرت الثورة وسقطت رؤوس من الذين خططوا للتسلق عليها واستغلالها لمصالحهم الخاصة، وهم أناس يتقنون هذه الأدوات ويعرفون الاتجاهات والطرق، بارعين في استخدام حاسة الشم عن بعد، فلا يزال عندنا من أمراض التخلف الشيء الكثير، ومنها التهالك على المناصب ولو كانت وهمية لا تغني من الحق شيئا. استمرت الثورة ، ولمن المعارضة السياسية في الخارج لم تواكب حيوية وقوة الثورة في الداخل والمشكلة أن هذه المعارضة تملك سياسيا أوراقا كثيرة لم تستعملها لأنها تخاف من أشياء هي أوهام تظنها حقائق. يخافون أن يقال عنهم كذا، أو أن الغرب يريد غير ذلك.

 

إن من السياسة أن يقال للغرب إن أهل السنة هم الذين يتعرضون للإبادة الجماعية ولا خوف على الأقليات التي يدندن حولها الغرب كثيرا، لماذا لا يقال إن سوريا بلد إسلامي ومن الطبيعي أن يأتي أناس يدافعون عن شعبها، ففي المقاومة ضد (فرانكو) في اسبانيا جاء المتطوعون من أمريكا الجنوبية ومن أوروبا، جاء كتاب كبار ينخرطون في صفوف المقاومة ضد الاستبداد مثل الروائي الشهير (همنغواي) والكاتب السياسي البريطاني (جورج أورويل) فهل حرام علينا حلال على غيرنا؟!

 

البعض يظن أننا في مأزق ولذلك لا بد من التنازل، ولكن هناك فرق بين الإبتلاء وكيف يدافع وبين التنازلات المخلة بالدين والأخلاق والمخلة بثوابت الثورة.
يجب أن نلوم أنفسنا قبل أن نلوم الغرب، إن توحد الثورة في الداخل هو من أعظم أسباب النصر وربما يكون أحد العوائق لهذا التوحد هو الدخول في التفاصيل، وعندئذ يبدأ الخلاف والتباعد بين وجهات النظر رغم النوايا الحسنة. إن طريقة الاتفاق على كل التفاصيل غير صحيحة فجمع الكلمة يحتاج إلى الاتفاق على الأسس والخطوط العريضة فقوة الداخل تفرض نفسها على الخارج السياسي حتى لا يضطر للتنازل واتخاذ المواقف الضعيفة.

 

الغرب لا يرضى أن يكون في بلاده (ديكتاتور) كما علق احد الأوروبيين  على ( شاوشيكو) رومانيا قائلا: (لا مكان لك في أوروبا) ولكن الغرب لا مانع عنده من وجود ديكتاتوريات في العالم العربي والاسلامي، واضطر أخيرا لمواكبة ما حصل في الربيع العربي من باب الأمر  الواقع، وهذا أحد أوجه التفسير للامبالاة أمريكا خاصة بما يصنع سفاح سورية ، وأقول: أحد التفاسير ، والأمر أعظم من ذلك فما يجري في سورية لا يسكت عنه الغرب لو جرى جزء صغير منه ي بلاد أخرى، فلا بد أن هناك أسبابا أخرى مهمة وأظن أن الكل يعرفها.

 

ــــــــــــــــ

1- راجع كتاب البعث الشيعي الذي صدر قبل الثورة.