الصمت.. ليس حلاً
28 ربيع الثاني 1434
د. خالد الشمراني

طالعت مقالاً بعنوان: ( الصمت ..صديق لا يخون أبداً ).. للكاتب الاقتصادي المتميز أ.عبدالحميد العمري؛ يعرب فيه عن إحباطه الشديد من "فساد الأوضاع" واعوجاج الأحوال،رغم جهود الإصلاح التي يبذلها المصلحون والغيورون على حاضر ومستقبل الوطن،ووصل الأستاذ العمري إلى نتيجة مفادها: أن(الاعوجاج أكثر مناعة) من حجة المصلحين وبلاغتهم..ومن كل ما آتاهم الله من قوة وعزم!

 

وعزز (العمري) وجهة نظره بتغريدة قال فيها: (إن الصمت أعلى وجهات النظر حكمة وشجاعة!في عالم امتلأ بالفساد والنفاق ومسح الجوخ وتزييف الحقائق والفوضى والكذب وحب الشهرة الزائف!)

 

وتابع (العمري) في تغريدة أخرى، قائلاً (وصلت لطريق مسدود تماماً، علم فيه الصواب من الخطأ!لن أغالط عقلي ولن أضيع عمري وراء السراب! الخطأ أقوى وأصلب من مجرد خربشات!آن للعبث أن ينتهي..)

 

وقد تذكرت عند قراءتي لهذا المقال وما تبعه من تغريدات..البيت السائر لرهين المحبسين أبي العلاء المعري:
ولما رأيت الجهل في الناس فاشياً
تجاهلت  حتى   ظن  أني  جاهل..

 

ومع حزني؛ لاعتزال أ.عبدالحميد.. لجهاد الكلمة في الميدان الاقتصادي..  نظراً لما عرف به من تميز وصدق لهجة-ولا نزكيه على الله-؛إلا أن هذا القرار-مع أملي بأن يتراجع عنه-هو أمرٌ شخصي،ولكل إنسان ظروفه،وأسأل الله أن يجزيه خيراً على ما قدم.

 

..إلا أن الذي يهمني قوله في هذا المقام،هو التذكير:بأن اعتزال الناصحين وسكوت الصادقين ؛ليس حلاً، فقد يريحهم هذا الاعتزال ؛ويخفف عنهم تبعات قول كلمة الحق إلى حين، ولكن صمتهم، سيكون نصراً مؤقتاً للمفسدين والفاسدين،  لكنه بلا شك هزيمة كبرى للمجتمع وسبب من أسباب انهياره ؛لأن عجلة الفساد سيزداد تسارعها، وتكون النتيجة؛ الدمار؛ كما قال تعالى (وإذا اردنا أن نهلك قرية أمرنا مترفيها ففسقو فيها فحق عليها القول فدمرناها تدميرا).

 

إن (الصمت ..ليس حلاً )بل الحل يكمن في (الصدع بكلمة الحق) وفق القدرة والإمكان ..فالحق، قوي بذاته، وهو يعلو ولا يعلى عليه، والباطل مهما علا وانتفش فهو ضعيف وزهوق، مصداقاً لقوله تعالى (بل نقذف بالحق على الباطل فيدمغه فإذا هو زاهق ).. وكلمة الحق إذا صدع بها الناصحون يرجون بها ما عند الله ؛لا يمكن أن تضيع أبداً، بل لها  من الأثر الحميد والعاقبة الحسنة في العاجل والآجل.. ما لا يخطر بالبال ولا يدور في الخيال،وأقل ما في  ذلك تعرية الباطل وبراءة الذمة..وفي سير المصلحين...وفي مقدمتهم رسل الله صلوات الله وسلامه عليهم وورثتهم من أهل العلم والإيمان .. أعظم عظة وعبرة...وكيف يتصور إصلاح من غير أن يكون هناك فساد؛يحركه ويستفزه!! وهل نظن أن المفسدين والمنتفعين من أجواء الفساد،ومن يسير في ركابهم من (أهل النفاق وتزييف الحقائق وماسحي الجوخ) ؛ سيقفون متفرجين أمام عجلة الإصلاح وجهود المصلحين!! إن لكل مصلح أعداء..ولكل إصلاح خصوم،وليس الحل في الصمت وإيثار السلامة، بل الحل يكمن في مدافعة الفساد وفضحه وتعريته، وتقديم البدائل المنسجمة مع هوية المجتمع وقيمه،والصبروالمصابرة،والاستبسال والمثابرة، وقد صح في الحديث عنه صلى الله عليه وسلم (واعلم أن النصر مع الصبر وأن الفرج مع الكرب، وأن مع العسر يسراً)..

 

إن كلمة الحق:هي (رأس مال) المصلحين،وذخيرة (الناصحين)، وهي عظيمة الأثر جليلة النفع، تدك الباطل وتزلزله (مهما بلغ تحصينه وقوته) وذلك متى رافقها:قوة وإخلاص.. يقول الإمام الذهبي: (الصدع بالحق عظيم،يحتاج إلى قوة وإخلاص،فالمخلص بلا قوة؛يعجز عن القيام به، والقوي بلا إخلاص؛يخذل..فمن قام بهما كاملاً؛ فهو صديق، ومن ضعف،فلا أقل من التألم والإنكار بالقلب..وليس وراء ذلك إيمان،فلا قوة إلا بالله).

 

وإذا سكت العالم تقيةً، وتكلم الجاهل بجهله؛ فمتى يتبين الحق؟؟ كما قال الإمام أحمد رحمه الله.

إن الصمت عن قول كلمة الحق..ليس حلاً! والقعود عن سلوك سبيل الإصلاح =لن يثمر إصلاحاً.. بل المخرج والفلاح هو في إحياء شعيرة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر بمفهومها الشامل في جميع المجالات: السياسية، والاقتصادية، والاجتماعية.. ويدخل في ذلك دخولاً أولياً : بيان الحق،وتعرية الباطل،وتقديم البدائل الشرعية في كافة المجالات.

 

إن المفسدين والفاسدين؛ يتألمون من كلمة الحق.. أشد من تألم المصلحين والناصحين؛ مما يلحق بهم من تجاهل وسخرية وأذى!! ولكن العاقبة-بلا ريب-للتقوى وللمتقين.. بل ولعموم أهل الحق والمنحازين للعدل.

 

إن الباطل والفساد مهما علا وانتفش؛ فهو ضعيف وزهوق.. .والمفسدون:مهما تمكنواوتسلطوا؛فهم ضعفاء مهزومون...وحالهم مع المصلحين الناصحين -هو كما قال غاندي - : في البداية يتجاهلونك، ثم يسخرون منك، ثم يحاربونك،ثم تنتصر...