هل غرقت فرنسا في مستنقع مالي؟
19 ربيع الثاني 1434
تقرير إخباري ـ خالد مصطفى

تمر الأسابيع ولا زالت العملية الفرنسية العسكرية في مالي مستمرة رغم أن باريس عندما بدأتها كانت قد أعلنت أنها ستكون سريعة وفعالة ومحدودة, ولكن المعلومات المتوفرة بشأن العملية تؤكد اتساعها وأنها تواجه مقاومة عنيفة من الجماعات الإسلامية حيث فوجئت فرنسا بقوة هذه الجماعات وحسن تدريبها وجودة تسليحها ومعرفتها الواسعة بالمنطقة ودروبها...

 

ما يحدث في مالي قريب مما حدث في أفغانستان والعراق فالتفكير "الاستعماري" الغربي ينبثق من بوتقة واحدة ويتلخص في محاولة القضاء السريع على الفريسة وامتصاص آخر قطرة من دمها ولكن ومع تغير المعطيات على الأرض واستمرار الغرور والعنجهية الغربية في تجاهل التركيبة الجديدة التي دخلت على شكل المقاومة في الدول الإسلامية تغرق هذه القوى في المستنقع تلو الآخر دون تفكير أو روية وما يحركها هو المصالح والثروات التي اعتادت على استغلالها بلا مقابل حقيقي؛ فبريق هذه الثروات وحجم الرفاهية التي تكفله للشعوب الغربية لا يمكن مقاومته بسهولة خصوصا مع الأزمات الاقتصادية التي تعاني منها معظم دول العالم...

 

اللافتة الكاذبة التي ترفعها فرنسا في مالي بشأن "مكافحة الإرهاب" شديدة الادعاء والكذب لأن أمريكا أكثر الدول رفعا لهذه اللافتة في السنوات الأخيرة وشنت بسببها العديد من الحروب لم تتدخل حتى الآن في مالي لسبب بسيط أنه لا مصالح لها هناك أما فرنسا فهي تسعى وراء اليورانيوم والبترول والحفاظ على قاعدتها العسكرية قرب كيدال التي تكفل لها مراقبة منطقة البحر الأبيض والأحمر...

 

لقد ذكر هذه الحقيقة أحد أهم المواقع الفرنسية حيث قال: 'يجب ألا يتم إخفاء الحقيقة، لدينا مصالح استراتجية في هذه المنطقة من مالي ( يعني شمال مالي): اليورانيوم، البترول، الموارد الهائلة من المياه الجوفية، الأراضي القابلة للزراعة...كل هذا يكون محط أطماع الشركات المتعددة الجنسيات الفرنسية والقطرية والأمريكية... بدون أن ننسى قاعدة 'تسًاليت' قرب كيدال. التي تمكن من حراسة ومراقبة جميع منطقة الساحل ومنطقة البحر الأبيض المتوسط والبحر الأحمر'..

 

المستنقع المالي بدأ يسحب أقدام فرنسا ببطء فقد حاولت إنهاء المهمة سريعا وعندما فشلت استغاثت بدول أفريقيا التي ترتبط معها بمصالح مختلفة وعندما فشل التحالف الأفريقي حتى الآن في القضاء على الإسلاميين لجأت أخيرا للأمم المتحدة طالبة أن تتم إرسال قوات دولية بحجة وقف "الإرهاب" يعني تريد أن تجني الثمار ولا تدفع الثمن الذي سيبلغ مليارات الدولارات مع استمرار العمليات وعدم وضوح الرؤية بشأن موعد إنهائها....

 

المسؤولون الفرنسيون غيروا لهجتهم وصرحوا بأن الانسحاب لن يكون سريعا وأنه ينبغي التمهل قبل تحديد موعد لذلك في وقت تدفق الآلاف من القوات النيجيرية والتشادية لدعم العملية الفرنسية مع تنفيذ الإسلاميين لعدة عمليات نوعية كبدت القوات الأفريقية خسائر كبيرة حيث قتل أكثر من 25 جنديا في يومين فقط...

 

دول المغرب العربي بدأت من ناحيتها التدخل في الصراع بشكل أو آخر وأبدوا تأييدهم للعمليات ودعمهم لها وهو ما ينذر بمشاكل أمنية لهذه الدول والتي تعاني في الأساس من عدم استقرار أمني وسياسي وتشتبك مع مالي في حدود مشتركة خصوصا موريتانيا.. وقد ينعكس الوضع في مالي على الوضع في المنطقة بأكملها كما حدث في العراق من قبل عندما انعكس الوضع فيها على بقية دول الخليج...

 

ورغم ذلك ما زالت المبادرات العربية والإسلامية غائبة بشأن ما يحدث في مالي وتنحصر في بيانات الإدانة والاستنكار رغم أن المنطقة الشمالية تسكنها غالبية عربية تعاني من الاضطهاد وسوء الأوضاع بل والانتقام بعد الحملة الأخيرة بحجة أنهم يدعمون الإسلاميين..

 

لقد كانت الصومال مقبرة ودرس غاية في القسوة قبل سنوات للقوات الأمريكية تعلمت منه أن أفريقيا ليست ملعبها المفضل..

 

فهل تكون مالي قاصمة الظهر للعنجهية الفرنسية ومطامعها التي تخفيها تحت عباءة "الفرانكفونية" ؟!