انقسام الصف الإسلامي في اللحظات الحرجة
9 ربيع الثاني 1434
خالد مصطفى

ما يحدث الآن في مصر بين السلفيين والإخوان من خلافات وتراشق بالألفاظ على خلفية إقالة مستشار سلفي للرئيس محمد مرسي والإشارة لتحقيقات بشأن وقائع فساد نفاها حزب النور السلفي الذي ينتمي إليه المستشار بشدة, أدى إلى حدوث انقسام في الصف الإسلامي في وقت هو أحوج ما يكون للالتحام والتعاضد في وجه الحملة الشرسة من التيارات العلمانية التي تسعى بكل ما أوتيت من قوة لتنحيته عن الحكم..

 

لقد فرحت التيارات العلمانية بهذا الخلاف أيما فرحة وأفردت الصحف والفضائيات العلمانية صفحاتها وساعات إرسالها للخلاف وأخذت تنفث فيه وتؤججه وتحرض كل طرف على الآخر في غيبة تامة للعقول الراجحة داخل الفريقين المختلفين للخروج من هذا المأزق الذي سيؤدي لصرف الناس عن التيار الإسلامي بأكمله في لحظة دقيقة من تاريخ البلاد يتربص بها الاعداء في الداخل والخارج...

 

هذا الخلاف الذي تفجر في مصر ليس فريدا من نوعه فهو مع الاسف متكرر بين الجماعات الإسلامية في عدة دول عربية وإسلامية حيث تغلب النزعة الحزبية على بعض الاطراف مما يوسع نطاق الشقاق على حساب المصالح العامة للأمة... وما يثير في الخلاف الأخير بين السلفيين والإخوان في مصر هو أنه ليس على أمور دعوية أو منهجية كما كان يحدث بينهما خلال التنافس في حقل الدعوة إبان النظام السابق ولكنه يأتي في نزاع له طابع سياسي بعد أن منّ الله على الفريقين بنعمة الأمان وثقة الشعب والمشاركة في حكم البلاد وبدلا من التنسيق والتحالف للخروج من الأزمات التي تواجه البلاد جاء الخلاف الاخير ليعيد الفريقين لمربع التنافر والتناحر...

 

لا يمكن أن نتجاهل هنا أسباب الخلاف وتداعياته لأنه الخطوة الأولى من أجل حل الأزمة التي لا يمكن اللجوء فيها للمسكنات المعتادة..إن أحد أهم أسباب الخلاف هو تعاظم رؤية بعض الأطراف لمكانتهم وظنهم أنهم المخولون أكثر من غيرهم للتعبير عن التيار الإسلامي بأكمله وأن على الآخرين أن ينحصر دورهم فقط في الوقوف بجانبهم دون القيام بمبادرات خاصة وإلا اعتبر الأمر من قبيل "الخيانة" وهو خطأ جسيم ينشأ عنه أخطاء أكثر جسامة, كما أن التنافس في المجال السياسي لا يعني تبادل الاتهامات أو قتل الآخر معنويا لأن في ذلك اغتيال للتيار الإسلامي بشكل عام وتشويه لسمعته...

 

إن قضية إقالة مستشار الرئيس كان يمكن معالجتها بشكل هادئ من الطرفين بعيدا عن الإعلام والبيانات والتشنج خصوصا وأن التحقيقات ما زالت دائرة ولا يوجد يقين بهذه الاتهامات ولم يكن من المفترض الإعلان عنها بهذا الشكل حفاظا على سمعة أحد القيادات الإسلامية..كذلك لا يمكن هنا أن نهمل حالة التخبط التي يعيشها نظام الحكم ـ رغم دفاعنا الدائم عنه لمعرفتنا بحجم التحديات التي تقابله ـ ولكن هذا لا يعني عدم تصحيح الأخطاء والتي ظهرت في العديد من المواقف حيث يتم اتخاذ قرارات مفاجئة ثم يتم التراجع عنها أو نفيها, وعدم الانفتاح على التيارات الإسلامية ودعوتها للمشاركة في الحكم بشكل جدي بدلا من خطب ود أطراف علمانية لها أجندات خاصة بعيدة عن أجندة التيار الإسلامي..لقد تشنج الطرف الآخر واعتبر أن الأمر له أبعاد حزبية ويدخل في نطاق تصفية الحسابات قبيل الانتخابات البرلمانية القادمة وكال الاتهامات لمؤسسة الرئاسة على الملأ..

 

وحتى لواتفقنا على صحة بعض هذه الاتهامات ولكن الأكيد أن محلها ليس الإعلام في هذا الظرف الحرج, وخطأ أحد الأطراف لا يبرر خطأ الطرف الآخر..لقد تدخلت بعض القوى الإسلامية في محاولة لرأب الصدع بين الفريقين ولكن هذا لن ينفي وجود جذور للمشكلة ينبغي العمل على حلها بين الطرفين ليس في مصر وحدها ولكن في بقية الدول التي تشهد صراعات إسلامية ـ إسلامية قد تؤثر على تطور الحركة الإسلامية وقوتها ونظرة الشعوب لها.