أنت هنا

بغداد صبرا.. فالثوار قادمون
5 ربيع الثاني 1434
موقع المسلم

أول ما يتبادر إلى الذهن حين يُرَى علم الأحواز مرفوعاً بيد المتظاهرين في مدينة الفلوجة العراقية هو أن قواعد "اللعبة" قد تغيرت بالعراق، وأن ما هو قادم لا يمكن قياسه – بسهولة – على ما مضى في هذا البلد الحضاري العريق.

 

هذه، وإن حملت دلالة رمزية لا يتوجب سحبها على سائر المشهد، إلا أنها تشير إلى أن العراق زاحف إلى تغيير مستحق؛ فالإشارة الملتقطة من المدينة الصامدة التي راغمت أنف قوات المارينز الأمريكية قبل أن تلجئهم غريزة الانتقام المتأصلة في أعماقهم الحقودة، ورغبتهم في تحقيق نصر بأي ثمن، على ارتكاب مذبحة واستخدام الفوسفور الأبيض وأسلحة محرمة أخرى للتغلب على صمود تلك المدينة في شهور الغزو الأولى، تعكس رغبة عراقية طموحة في نشر الحرية في كل الربوع العراقية من جهة، ومن أخرى "تصديرها" إلى سائر العشائر المترابطة سكانياً وجغرافياً وتاريخياً في الأحواز المجاورة، وفقاً لنظرتي العراقيين للأحواز كامتداد عراقي أو إمارة عربية مستقلة، وفي الحالين تحتلها إيران. ثم هو التوق للحرية الذي لا يستثني الأحواز أيا كانت الطائفة الغالبة عليها.

 

مئات الآلاف من العراقيين لم يخرجوا بالأساس من أجل الأحواز قطعاً، لكنهم تذكروها، وهم يحضرون لثورة شاملة لا تستثني جنوباً ولا وسطاً، واليوم كانت عاصمة الرشيد هي الأثيرة، وهي الأسيرة في آن معاً؛ فلقد خرجت الجموع الهادرة من أجلها هي؛ فكانت جمعة "بغداد صبرا"، والمنظمون قد أحجموا عن التصعيد من داخل بغداد لكنهم لفتوا جميع العيون إليها، تمهيداً لأيام قادمة ستمسك فيها عاصمة الخلافة بزمام الثورة وتقودها.

 

خمس محافظات سنية، احتشد فيها مئات الآلاف يبشرون بثورة متصاعدة، حكيمة، لا تريد حرق المراحل، ولكنها تنضجها على مهل؛ فالإجراءات الاحترازية والقمعية التي نفذتها حكومة الطائفي نوري المالكي من أجل منع بغداد من الانخراط في الثورة لم تحل دون توجيه جميع الأنظار إليها، ولسان حال الثوار ما لم يدرك في هذه الجمعة سندركه – بإذن الله – فيما يعقبها، ولقد علمتهم الثورة السورية أن آخر المدن الكبرى التحاقاً بالثورة السلمية، هي أول المدن التي تغنت بالتحرير على إيقاع زخات الرصاص.

 

حلب، ليست بعيدة في لونها الثوري عن البصرة، ودمشق لا تختلف كثيراً في بغداد.. حراك الأمويين والعباسيين غير بعيد عن عاصميتهما، ولا عن مدنهما؛ فكما تأخرت حلب ستتأخر البصرة يدركها كل عراقي، يفهم حسابات الجنوب وتعقيداته.. أما العواصم فانخراطها في الثورات يعني اقتراب ساعة الحسم، وهذا لن نحلق اليوم فيه بالخيال كثيراً؛ فحسبنا أن نرى تغيراً حقيقياً يحصل الآن في العراق، وما نلمسه اليوم فيه هو أن الثورة تثبت أقدامها يوماً بعد يوم، وتحقق مكتسبات عديدة، ليس أقلها هذه الروح الأبية الشجاعة الطموحة التي انبثت في شباب العراق السني، والبوصلة التي وضعها بين عينها.. وإذا أردتم قولاً دقيقاً أكثر، فهاكم تظاهراتهم وهتافاتهم وأهازيجهم وكلماتهم فأنصتوا إليها جيداً؛ فدونها الفجر ينبلج.