8 رمضان 1434

السؤال

تقدم لي شاب على خلق ودين، وهو يعمل مهندسا وأنا أعمل طبيبة، ووالدي كذلك طبيب وقد حدث بيننا قبول، ولكن المشكلة تكمن في عدم وجود التكافؤ بيننا، حيث إننا أعلى مستوى اجتماعيا وماديا عنهم، ولذلك رفضت فهل أنا مخطئه بهذا القرار؟؟ خاصة أن أمي تلومني على قراري وتقول لي بأن نسبة العنوسة زادت وأن عليَّ أن أقدم تنازلات، ولكنني لا أتحمل أن أكون طبيبة ووالدته كانت ممرضة، كما لا أتحمل أن تكون أخت زوجي تعمل كممرضة في نفس المكان الذي كنت أعمل به، وفي مكانة أقل مني لأن ذلك يولد الحقد والغيرة بيننا، زيادة على اختلاف أسلوبنا في الكلام واللبس والذوقيات بين عائلتنا وعائلتهم، أنا أعلم أن أكرمكم عند الله اتقاكم، كما أحسست عند الزواج بأني إن فعلت أي شيء سيقولوا عني متكبرة وأنا لست كذلك، إنما طريقة تربيتي هكذا، فهل أنا برفضي لهذا الشخص أكون قد ضيعت فرصة كان علي اغتنامها؟؟؟

أجاب عنها:
صفية الودغيري

الجواب

بسم الله الرحمن الرحيم والصلاة والسلام الأتمان الأكملان على سيدنا محمد وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.
أما بعد: أختي السائلة الكريمة، بداية أشكرك على رسالتك، وتواصلك مع موقع المسلم وطرح استشارتك، أما بالنسبة لمشكلتك فألخصها فيما يلي:
أولا: عدم وجود تكافؤ اجتماعي ومادي بين أسرة الخاطِب وأسرتك
ثانيا: عدم قدرتك على تقبل الفارق الوظيفي بينك كطبيبة وبين والدة زوجك التي كانت ممرضة وأخته التي تعمل كذلك ممرضة في نفس المكان الذي تعملين به.
ثالثا: شعورك بالحيرة والتردد بين قرارك بالرفض لهذا الخاطب، وبين الإذعان لنصائح والدتك بتقديم تنازلات، وبين خوفك من اتخاذ أي قرار بشأن هذا الزواج يصفك بالغرور أو التكبر وأنت خلاف ذلك..
والإرشادات التي أقدمها لأختي الكريمة هي كما يلي:
أولا: أنصحك باللجوء إلى الله سبحانه وتعالى والتوكل عليه، والإكثار من الدعاء آناء الليل وأطراف النهار، وفي صلواتك وخلواتك، وفي جوف الليل والثلث الأخير منه، بقلب صادق، ونفس خاشعة، وعين دامعة، ويقين بالاستجابة، من غير قطع الرّجاء، ومَنْ أَدمن قرعَ الباب يُوشك أنْ يُفتح له، وما دام لم يتبين لك جانب المصلحة في حسم أمرك بشأن هذا الخاطب، فعليك بصلاة الاستخارة بقلب ممتلئ بمعاني التوحيد والانقياد والرضا بحكم الله سبحانه، وهو بقدرته أن ينير بصيرتك، ويقدر لك الخير ويدلك عليه، ويرزقك الرضا به، وهذا الدعاء الوارد بعد صلاة ركعتي الاستخارة: (اللهم إني أستخيرك بعلمك، وأستقدرك بقدرتك، وأسألك من فضلك العظيم، فإنك تقدر ولا أقدر، وتعلم ولا أعلم وأنت علام الغيوب، اللهم إن كنت تعلم أن في هذا الأمر (زواجي من فلان مثلا ) خير لي في ديني ومعاشي وعاقبة أمري أو خيرا لي في عاجل أمري وآجله فاقدره لي ويسره لي وبارك لي فيه، وإن كنت تعلم أن في هذا الأمر (يقول مثل ما قال في المرة الأولى ) شر لي فاصرفه عني واصرفني عنه واقدر لي الخير حيثما كان ثم رضني به)..
ثانيا: احرصي كذلك في أمر زواجك على مشاورة أهل الخبرة والصالحات، واستعيني بمن تثقين برأيهن السديد، وعقلهن الرشيد، من قريباتك أو صديقاتك أو زميلاتك أو جاراتك...واستأنسي برأي والديك وأهلك ومحارمك، ثم توكلي على الله.
ثالثا: مادام هذا الخاطب ـ كما وصفته ـ شاب على خلق ودين، وإنسان ملتزم بطاعة الله ومرضاته، فهذا هو الركن الأساس في الاختيار، والحمد لله أنه قد حصل بينكما قبول وهذا إنجاز هام ومطلب في الزواج، كذلك بينكما توافق علمي فأنت طبيبة وهو مهندس وهذا من شأنه كذلك أن يقرب بينكما المسافات، وإن اختلفت طبائعكما أو ذوقكما أو أسلوبكما في الحديث، فالاختلاف حاصل بين أي شريكين، وربنا سبحانه ما جعل هذا الاختلاف بين اثنين إلا ليكون كلاهما مكملا للآخر متمما لنقصه وضعفه..
رابعا: ضعي في ذهنك قبل الموافقة أو الرفض لمن يتقدم لخطبتك، أن المفاضلة في الزواج ينبغي أن تقوم على أساس الدين أولا، ثم يأتي بعده جوانب أخرى كالتكافؤ وجانب التوافق في الأفكار والأهداف في الحياة والتطلعات، والتي ينبغي أن يكون أساسها وغايتها طاعة الله وتحقيق مراد الله في الخلافة على الأرض، وتحقيق مقاصد الزواج من تحصين النفس والعَفاف، وإرساء دعائم البيت المسلم، وتكوين أسرة مسلمة، وتربية الذرية الصالحة، أما الأمور المادية فهي تأتي في الدرجة الثالثة من حيث توفير السكن وضرورات الحياة التي تحقق الاستقرار، اتباعا واقتداء بالأمر النبوي الشريف:" إذا جاءكم من ترضون دينه وخلقه فزوجوه إلا تفعلوه تكن فتنة في الأرض وفساد كبير "، ومعنى هذا التوجيه والإرشاد النبوي أن الأساس في اختيار شريك الحياة هو الدين، فإن جاء خاطب للمرأة فعلى والدها أو لمن هو وليها أن يختار لها من هو أهل لها دينا وخُلُقا، وأن يوافق على من اتصف بذلك، وإن امتنع عن ذلك سيكون سببا في وقوع فتنة وفساد عظيم، ومعنى ذلك أن التحصيل العلمي أو المادي أو الاجتماعي ليس أساس المفاضلة في الزواج، بل هي تأتي دائما في رتبة متأخرة بعد استكمال الركن الأساس الذي هو الاستقامة والدين، وهي تابعة وفرعية يمكن التنازل عنها والتغلب عليها في حالات كثيرة.
خامسا: أما بالنسبة لمشكلة عدم وجود تكافؤ مادي واجتماعي بين الأسرتين، فكما سبق هي أمور هامة أيضا وقد راعاها العلماء، وبعضهم أوجبها، وأنا أتفهم ما ذكرتيه من حالة، وأنها ربما تسبب مشكلات لك فيما بعد، وإن كانت هي ليست الأمور الأهم في تحقيق السعادة الزوجية، فيجب عليك مراعاة ترتيب أولوياتك في قبول هذا أو ذاك، من خلال ما تشعرين بأنه يمثل لديك شرطا أساسا لا يمكنك الاستغناء عنه أبدا، ولأجل هذا الشرط أنت مستعدة أن تتنازلي عن بقية الشروط، فإذا كان شرطك الأساس في الزواج هو التوافق المادي أو الاجتماعي بين الأسرتين، وهما على رأس أولوياتك فضعي في اعتبارك أن شرطك هذا قد يكون على حساب الأهم وهو الدين أو الأخلاق، أو المبادئ والقيم، أو على حساب مواصفات أهم.. فليكن اختيارك للدين على رأس أولوياتك لأنه الأهم ولا بقاء إلا للأصلح، وإن كان على حساب المستوى المادي أو الاجتماعي، فالتنازل والاستغناء عن غير الأهم مطلب رشيد، والترتيب للأولويات يبدأ بالأهم فالمهم لا العكس وهكذا.
سادسا: ليس من مصلحتك ـ كما نصحتك والدتك الكريمة ـ برد الخطاب، خاصة إذا كان الخاطب صاحب عمل شريف وخلق ودين، وتحقق القبول بينكما، أما بقية الشروط فثانوية، وبكل الحالات حتى وإن رفضت هذا الخاطب ستكتشفي بنفسك في كل مرة يتقدم لخطبك شخص ما، أن فيه جوانب جميلة وأخرى خلاف ذلك، ولن تجدي أبدا شخصا كامل الأوصاف، توفرت فيه كل المحاسن دينا وخُلُقا وخََلقا، ومنصبا عاليا، ووضعا ماديا وعلميا واجتماعيا مرموقا، فالصواب أن تختاري من كثرت محاسنه وقلت مساوئه، ومن اكتمل دينه وإن لم يكتمل في جانب من الجوانب الدنيوية، ووازني بين الإيجابيات والسلبيات، وكفى بالمرء نبلاً أن تعد معايبه.
أتمنى من الله العلي القدير أن ينير بصيرتك للحق، ويلهمك الرشاد والسداد، ويوفقك لاختيار الزوج الصالح، ومن ترضين دينه وخُلُقه.