الثمن الذي تدفعه الشعوب
5 ربيع الثاني 1434
تقرير إخباري ـ خالد مصطفى

أكثر الشعوب العربية مسالمة بطبيعتها وتكره العنف ولا تخوض غماره إلا في حالات نادرة وتحت ضغوط وما حدث من ثورات أخيرة جاء بعد صبر طويل ومحاولات عديدة للإصلاح السلمي..

 

وركن الحكام الطغاة على ذلك سنوات طويلة وظنوا أنهم سيفلتون من العقاب العاجل على أيدي الشعوب فتمادوا في الظلم والاستكبار حتى وصلت الشعوب إلى ذروة الغضب فانفجرت في لحظة تاريخية وبشكل متتابع في مفاجئة أذهلت أمهر رجال المخابرات الغربية المنتشرين في المنطقة والذين كانوا يرون أنهم يعلمون دقائق هذه الشعوب ويستطيعون توقع ردود أفعالها قبل حدوثها بسنوات...

 

هذه الحقيقة الساطعة التي لا تحتاج إلى مجهود كبير لفهمها غابت عن التيارات السياسية العلمانية المناوئة للمشروع الإسلامي وبعد أن اختاروا التحاكم للآليات التي تمليها المفاهيم "الديمقراطية" المتعارف عليها من أجل اختيار الشعب لحكامه نكصوا على أعقابهم بعد فشلهم في الوصول للسلطة وانقلبوا على إرادة الشعوب التي ادعوا انهم قاموا بالثورة من أجلها ورفعوا راية الثورة من جديد وأعلنوا حروب شوارع تكاد تقضي على الأخضر واليابس في بلاد تئن تحت وطأة ظروف اقتصادية شديدة الصعوبة...

 

وأصبح المواطن لا يري بصيص من نور للخروج من النفق الضيق الذي جعله يخالف طبيعته المسالمة وينتفض مع ما في ذلك من مشقة وتضحية وكان كل همه أن يعيش في ظروف أفضل تتوفر له فيها الحد الادنى من الحياة الإنسانية الكريمة ..

 

لقد تلخصت مطالب الشعوب خلال الثورات في "عيش وعدالة وحرية وكرامة إنسانية" فإذ بها تفاجأ بأنها عادت إلى الوراء خطوات وخطوات وأصبحت مطالبة بأن تدفع ثمن طموحات النخبة السياسية لتي تعيش في رغد ورفاهية وتمتلك أفخم المنازل وتركب أفخر السيارات وتتناول طعامها في أرقى المطاعم ثم تتشدق أمام كاميرات الفضائيات بمعاناة الطبقات الكادحة الذين يضعونهم رهينة في حربهم مع السلطة المنتخبة فإما أن ينحازوا لمشروعهم أو يتبعوا سياسة الأرض المحروقة لتدمير ما تبقى من بصيص أمل للنهضة...

 

فهل يصدق هؤلاء الأكاذيب التي يروجونها في أجهزة الإعلام حول رغبة الشعوب في الثورة من جديد؟! هل هذه الشعوب بلهاء إلى هذه الدرجة حتى تقوم بثورة جديدة وهي التي ما زالت تعاني من الثورة الأولى؟! لقد كفر الكثير من أبناء هذه الشعوب ـ مع الأسف الشديد ـ بالثورة بعدما رأوا خلافات النخبة على السلطة ومحاولاتهم المستمرة لإشعال الأوضاع واستغلال بعض الشباب الحالم الغض قليل التجربة من أجل كراسي زائلة..

 

ألم تستمع هذه النخبة النكدة إلى عدد كبير من سائقي سيارات الأجرة والباعة والعمال والفلاحين وهم يترحمون على الأنظمة السابقة؟ لقد أيد هؤلاء البسطاء الثورة وكانوا على استعداد للتضحية بالرخيص والغالي من أجل إنجاحها من أجل مستقبل أفضل لأبنائهم.. فماذا جنوا من وراء ذلك؟ لقد فشلت النخبة في قراءة نفسية الشعوب العربية التي تؤثر في معظمها السلامة وتكره العنف والدم وتريد أن تعيش حياة بسيطة تأمن فيها على حياتها وحياة أولادها...

 

لقد خسرت النخبة رصيدها في الشارع ولكن المؤسف أن تخسر الثورة ضد الطغيان شعبيتها من أجل فئة من الأنانيين المرفهين الذين لا يشعرون بمعاناة البسطاء الحقيقية.