5 جمادى الأول 1435

السؤال

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته: تحيتي الكبيرة لهذا الموقع الفاضل، وأسأل الله تعالى أن يبارك في محتواه، وفي المشرفين والمشاركين والمطلعين عليه، اللهم آمين.
سؤالي عن مشكلة شخصية، حدثت لي، وقد سألت فيها بعض الناس غير المتخصصين، ولكن لم أجد إجابة كافية وافية إلى الآن.. لأن المشكلة خاصة ولها ظروف عديدة تجعل لها حلاً خاصًا.
المشكلة باختصار أني كنت أعيش في السعودية، وعندما أنهيت دراستي الثانوية نزلت لبلدي مصر للدراسة الجامعية، وقدر الله لي أن تعرفت على فتاة، هي تدرس في جامعة أخرى، في الأصل أنا وهي من عائلتين ملتزمتين ولله الحمد، وكنا رافضيّن لفكرة العلاقة قبل الزواج بين الشاب والفتاة، ولكن ضعفت نفسي ونفسها، خصوصًا وأنها كانت التجربة الأولى لنا.
بدأنا الحديث بشكل بسيط، في البداية على الايميل، ثم تدرجنا شيئًا فشيئًا حتى وصلنا للكلام على الهاتف المحمول، وطوال هذه الفترة كان ضميرنا يؤنبنا على ما نفعله، وكنا نعلم أنه حرام، ولكن هي ضعف النفوس، والأمل الواهم من الشيطان.
وبعد مرور نصف سنة تقريبًا علمت والدتها بالأمر، وكانت ردة فعلها عنيفة جدًا، وشديدة عليها، لدرجة أن حالة البنت النفسية كانت متدهورة لأقصى حد، فقررنا أن نبتعد عن بعضنا، ونترك الأمر لله سبحانه وتعالى، ولكني كنت أشفق عليها جدًا، وعلى حالتها النفسية.
ثم رجعت شيئًا فشيئًا أكلمها، وكلما كلمتها كانت تطمئن وتهدأ أكثر، وهذا ما جعلني أرجع للكلام معها، ثم حدثت مشكلة أخرى، وعلمت والدتها بالموضوع مجددًا، وكانت ردة فعلها أعنف من المرة الأولى، ولكننا لم نتعلم، وعدنا للكلام مرة ثالثة، وأخيرًا عرف والدها بالأمر، وضربها ضربًا شديدًا وكذلك والدتها. المهم أننا تعلمنا وانقطعنا عن بعضنا، ولم نعد نتكلم، وقررنا أن نترك الأمر هذه المرة لله سبحانه وتعالى، بصدق وعزيمة.
ما رأي حضرتكم في حل مشكلتها النفسية، دون أن أتكلم معها؟، هذا سؤالي من ناحية، ومن ناحية أخرى.. أني أنوي التقدم لها حين أنتهي من دراستي بإذن الله، والعائق هو أن والدتها دائمًا ما تنفرها مني، وتقول لها لن تتزوجي مصطفى، وانسي هذا الموضوع، ولا يمكن أن يحدث.
وسبق أن والدتي كلمت والدتها، بعد أول مشكلة لتهدئها، ولكي تطمئن على حالة ابنتها، وقالت لها أن ابني ينوي التقدم لها بإذن الله، وكان رد والدتها بالرفض المبدئي، مع العلم أن الكلام حينها لم يكن رسميًا، كان كلامًا سريعًا.
وأيضا أنا حاولت بعد أن انقطعت عنها نهائيًا أن أتواصل مع أخيها، وهو نفس عمري وعمرها تقريبًا، وكان معرضًا عني، وحاولت والدتي التواصل مع والدتها على "فيس بوك" لكنها أيضًا رفضت.
ولا أدري.. هل رفضهم هذا حاليًا هو رفض لي شخصيًا؟، أم أنهم- وهذا في الغالب- لا يريدون أن يكون هناك تواصل بيني وبين ابنتهم خوفًا عليها؟.. فكيف أتصرف في هذه المشكلة.. أفيدوني جزاكم الله خيرًا.

أجاب عنها:
همام عبدالمعبود

الجواب

ابني الكريم:
السلام عليكَ ورحمة الله وبركاته، وأهلا ومرحبا بكَ، وشكر اللهُ لكَ ثقتكَ بإخوانِكَ في موقع (المسلم)، وثنائك على جهدهم، ونسأل الله (عز وجل) أن يجعلنا أهلا لهذه الثقة، وأن يتقبل منا أعمالنا وأن يجعلها خالصة لوجهه الكريم، وألا يجعل فيها لمخلوق حظًا.. آمين.. ثم أما بعد:
فقد قرأت رسالتك، وفهمت منها أنك كنت تعيش خارج مصر لسنوات، وأنك ما زلت في أولى سنوات الدراسة بالجامعة، وأنك تعرفت على هذه الفتاة موضوع رسالتك بالمصادفة، وأنها "تدرس في جامعة أخرى". وتقول أنكما "من عائلتين ملتزمتين"، وأنكما كنتما "رافضيّن لفكرة العلاقة قبل الزواج بين الشاب والفتاة"، وتعترف في رسالتك أن ما حدث سببه "ضعفت نفسي ونفسها".
ولدي المسلم:
أود في البداية، أن أوضح لك أن ديننا الحنيف لم ينْهنا عن الوقوع في فاحشة الزنا وحسب، بل احتياطًا للأمر، ومن باب سد الذرائع، حذرنا من الاقتراب منها، قال تعالى: (وَلاَ تَقْرَبُوا الزِّنَى إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَسَاءَ سَبِيلاً) [32- الإسراء]، وأغلق الشارع الحكيم الأبواب الثلاثة المؤدية لهذه الجريمة المنكرة، وهي: النظرة، والخلوة، واللمسة.. فقال تعالى: (قُل لِّلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ذَلِكَ أَزْكَى لَهُمْ إِنَّ اللهَ خَبِيرٌ بِمَا يَصْنَعُونَ) [30- النور]، وعن ابن عباس رَ(ضِيَ اللَّهُ عَنْهُما) أن رَسُول اللَّهِ (صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم) قال: "لا يخلون أحدكم بامرأة إلا مع ذي محرم". متفق عَلَيْهِ.
بعد هذه المقدمة، ألخص ردي على رسالتك في النقاط التالية:
1) اعلم أن الخير كل الخير في اتباع منهج الإسلام، في كل شأن من شئون ديننا ودنيانا، فهو منهج رب العالمين، خالقنا الذي يعلم ما ينفعنا وما يضرنا.
2) انتبه إلى مكر وكيد وحيل وتضليل الشيطان اللعين، واعلم أنه قد أخذ على نفسه العهد بألا يدخر وسعًا في إفساد وتضليل عباد الله، وقد حكى لنا دستورنا الخالد (القرآن الكريم) ذلك صراحة، فقال تعالى عن الشيطان: (لَعَنَهُ اللهُ وَقَالَ لأَتَّخِذَنَّ مِنْ عِبَادِكَ نَصِيبًا مَّفْرُوضًا * وَلأُضِلَّنَّهُمْ وَلأُمَنِّيَنَّهُمْ وَلأَمُرَنَّهُمْ فَلَيُبَتِّكُنَّ آذَانَ الأنْعَامِ وَلأَمُرَنَّهُمْ فَلَيُغَيِّرُنَّ خَلْقَ اللهِ وَمَن يَتَّخِذِ الشَّيْطَانَ وَلِيًّا مِّن دُونِ اللهِ فَقَدْ خَسِرَ خُسْرَانًا مُّبِينًا * يَعِدُهُمْ وَيُمَنِّيهِمْ وَمَا يَعِدُهُمُ الشَّيْطَانُ إِلاَّ غُرُورًا) [118- 120/ النساء].
3) اعلم جيدًا أنك ما زلت في مرحلة الدراسة، وأن واجب الوقت يقتضي منك التركيز الشديد في دراستك الجامعية، والاهتمام بتحصيل العلوم، واكتساب المعارف، لكي تحصل على شهادتك الدراسية، التي ستكون- إن شاء الله- بداية الطريق نحو مستقبل مشرق، ولبنة أساسية في بناء حياتك، وإياك أن تنشغل بما هو مطلوب عما هو مضمون وهو الرزق، والزواج لون من ألوان الرزق.
4) قد يكون من المبكر الارتباط بفتاة بحسب ما تبين من كلامك، خاصة وأنكما ما زلتما تضعان أولى خطواتكما في الجامعة، حسبما ورد في رسالتك، خاصة إذا ما كانت هذه العلاقة غير مشروعة، أي لم تولد بطريقة شرعية، عن طريق الزواج، وبعلم ورضا الأسرتين، والذي يستلزم أولاً الانتهاء من الدراسة، والبحث عن فرصة عمل حلال يمكنك أن تنفق منها على زوجتك، وأن تفتح بيتًا، وتؤسسه، و....إلخ.
5) من الطبيعي أن تنزعج أية أسرة محترمة، فما بالك أنها أيضًا ملتزمة، عندما تعلم أن هناك علاقة بين ابنتها وبين شاب، هي لا تعرف عنه شيئًا، ولم يدخل من الباب، بل إنك قد تسببت – دون قصد- في حالة الرفض التي تواجهك بها عائلة الفتاة، وكان يجب عليك أن تخبر والدك ووالدتك بالأمر في البداية، فإن وافقا تقوموا بزيارة لعائلتها، للتعارف أولاً، وتقديم نفسك بشكل يدعوهم للاطمئنان لك، ثم تتخذوا الإجراءات المعروفة في مثل هذه الأمور.
6) لا أتفق معك في قولك: (أشفق عليها جدًا، وعلى حالتها النفسية)، فإنها كلمة حق قد يريد بها الشيطان باطلاً، خاصة وأنك اعترفت في رسالتك بأن كل ما حدث كان سببه ضعف النفوس واستدراج الشيطان وتسويله، فمعلوم أن الشيطان (يهون) عليك ارتكاب المعصية، حتى إذا أوقعك فيها (هول) عليك أمر التوبة، وأحسب أن من تلبيس أن يشغلك بحالتها النفسية، ويثير الشفقة في قلبك عليها، لتعاود الكرة وتعودا للعلاقة مجددًا، كما أشرت في رسالتك إلى عودتكما مرارًا وتكرارًا لإحياء العلاقة رغم قراركما بقطعها!
7) اعلم – حفظك الله- أن من باب الحرص عليها، والرحمة بها، والشفقة بحالتها، أن تبتعد عنها، وألا تثير الشبهات حولها، وألا تساهم – ولو عن غير قصد- في تشكيك الناس في أخلاقها وسمعتها، وخاصة أهلها وجيرانها وزميلاتها وصديقاتها، هذا إن كنت صادقًا في مشاعرك ناحيتها.
8) اعلم أن الأمر واحد من اثنين، لا ثالث لهما، إما أن تجتهد في تحسين صورتك لدى أهلها، وتبين لهم نبل مقصدك، وصدق مشاعرك، وتعتذر لهم عما حدث، وتثبت لهم أنك جدير بالارتباط بها، وهذا طريق شائك، سيحتاج منك إلى صبر جميل، وعون من الله بقربك منه، وإما أن تبتعد عنها، وتهتم بدراستك، وتنتظر قدر الله لك في الزواج، فإن كانت لك فلن تكون لغيرك، وإن كانت لغيرك فلن تكون لك، " واعلم أن ما أخطأك لم يكن ليصيبك، وما أصابك لم يكن ليخطئك، واعلم أن النصر مع الصبر، وأن الفرج مع الكرب، وأن مع العسر يسرا".
وختامًا؛ نسأل الله (عز وجل) أن يرزقك طاعته، وأن يصرف عنك معاصيه، وأن يرزقك السكينة والطمأنينة، والصبر الجميل، وأن يصرف عنك كيد الشيطان ومكره، وأن يعينك بإخوة صالحين وأصدقاء مخلصين، يكونوا لك خير داعم بعد عون الله لك.. اللهم آمين.. وصل اللهم على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم. وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.