تجديد الخطاب المعادي للإسلام !
1 ربيع الثاني 1434
صلاح فضل

منذ بعث الله الرسل بدين الإسلام وإذن لهم بالبلاغ مبشرين ومنذرين، وداعين إلى عقيدة التوحيد، من لدن آدم وحتى خاتمهم ، محمد بن عبد الله – صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين- والحرب على أهل الإيمان على أشدها يتوارثها الكفار والمنافقين كابراً عن كابر.

فالخطاب المعادي للإسلام تنوع تبعا للمرحلة التي تمر بها الدعوة ، ووفقا لحالة المسلمين ضعفاً، أو قوة، ومتأثراً بالبيئة التي احتضنته وأفرزته، وموقعها على سلم التطور الحضاري بين أمم وشعوب العالم، وهذه السمات لم تتغير منذ القدم وحتى الآن، فهو خطاب يتميز بالثبات في موقفه المعادي للإسلام، الرامي للقضاء عليه.
وكل ما يختلف هو أدوات ووسائل إرسال هذا الخطاب، وطرق بثه بين جموع الناس.

وقد صاحب هذا الخطاب العدائي خطوات تنفيذية وإجرائية على أرض الواقع للحصار، والتضييق على المسلمين.
وقد صور لنا القرآن الكريم، كما نقلت السنة المطهرة، صوراً كثيرة وأنماطاً عديدة للخطاب الكفري والنفاقي ضد الإسلام. ومن ضمن هذه الصور:.
الخلل العقلي.

(إِنْ هُوَ إِلَّا رَجُلٌ بِهِ جِنَّةٌ فَتَرَبَّصُوا بِهِ حَتَّى حِينٍ) (المؤمنون:25) الدعاية المضادة .
(إِنَّ هَؤُلاءِ لَشِرْذِمَةٌ قَلِيلُونَ *وَإِنَّهُمْ لَنَا لَغَائِظُونَ) (الشعراء55:54) إثارة العامة ضدهم. والتحذير من خطورتهم على أمن البلاد واستقرارها.
(وَقَالَ فِرْعَوْنُ ذَرُونِي أَقْتُلْ مُوسَى وَلْيَدْعُ رَبَّهُ إِنِّي أَخَافُ أَنْ يُبَدِّلَ دِينَكُمْ أَوْ أَنْ يُظْهِرَ فِي الْأَرْضِ الْفَسَادَ) (غافر:26) الوضع الاجتماعي.
(وَقَالُوا لَوْلا نُزِّلَ هَذَا الْقُرْآنُ عَلَى رَجُلٍ مِنَ الْقَرْيَتَيْنِ عَظِيمٍ) (الزخرف:31)

الطمع في السلطة والملك والنفوذ.
(قَالُوا إِنْ هَذَانِ لَسَاحِرَانِ يُرِيدَانِ أَنْ يُخْرِجَاكُمْ مِنْ أَرْضِكُمْ بِسِحْرِهِمَا وَيَذْهَبَا بِطَرِيقَتِكُمُ الْمُثْلَى) (طـه:63) (فَقَالَ الْمَلَأُ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ قَوْمِهِ مَا هَذَا إِلَّا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ يُرِيدُ أَنْ يَتَفَضَّلَ عَلَيْكُمْ وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ لَأَنْزَلَ مَلائِكَةً مَا سَمِعْنَا بِهَذَا فِي آبَائِنَا الْأَوَّلِينَ) (المؤمنون:24) النقل والاقتباس من الكتب السابقة.

(وَقَالُوا أَسَاطِيرُ الْأَوَّلِينَ اكْتَتَبَهَا فَهِيَ تُمْلَى عَلَيْهِ بُكْرَةً وَأَصِيلاً) (الفرقان:5) الشعر.
(أَمْ يَقُولُونَ شَاعِرٌ نَتَرَبَّصُ بِهِ رَيْبَ الْمَنُونِ) (الطور:30) السخرية والاستهزاء.

(إِنَّ الَّذِينَ أَجْرَمُوا كَانُوا مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا يَضْحَكُونَ* وَإِذَا مَرُّوا بِهِمْ يَتَغَامَزُونَ*وَإِذَا انْقَلَبُوا إِلَى أَهْلِهِمُ انْقَلَبُوا فَكِهِينَ*وَإِذَا رَأَوْهُمْ قَالُوا إِنَّ هَؤُلاءِ لَضَالُّونَ) (المطففين32:29) كما نقلت لنا كتب السنة والسير كثيراً من هذه الصور، والتي تفنن فيها الكفار من أجل النيل من رسول الله صلى الله عليه وسلم ، نفسيا، واجتماعيا، وبدنيا، واقتصاديا، ليصدوا الناس عنه وعن الإيمان برسالته.

واليوم يقف أعداء الإسلام، نفس موقف أسلافهم منه، نفس الأساليب ، ونفس الشبهات التي يلقون بها في وجه المسلمين في دورة ما تلبث أن تنتهي حتى تبدأ من جديد، مع جيل جديد، ومع وجوه لم يألفها الناس من قبل، ولكنهم يحملون نفس القلوب ونفس العقول ، مع اختلاف الأدوات المستخدمة لترويج أفكارهم.

و يستطيع أي منصف، أو مسلم بسيط الفكر، فضلاً عن أهل العلم والفكر، أن يتبين عوار وحقارة ما تحمله عقول القوم من أفكار، محكوم عليها بالموت وهي مهدها، لامراء ولا جدال في ذلك ، ولكنهم يُسخرون كل مالديهم من قدرات وإمكانات من أجل إحياء هذه الأفكار وتزينيها لتتقبلها العقول.

"إنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ لِيَصُدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ فَسَيُنْفِقُونَهَا ثُمَّ تَكُونُ عَلَيْهِمْ حَسْرَةً ثُمَّ يُغْلَبُونَ وَالَّذِينَ كَفَرُوا إِلَى جَهَنَّمَ يُحْشَرُونَ" ( الأنفال : 36)

والمتأمل في الخطاب المعادي للإسلام، في عصرنا هذا ، يلاحظ أن:
هذا الخطاب لم يخرج محتواه الفكري والعقدي عن فكرتي "التشكيك ، والصد" عن دين الإسلام .

تبني نفس المفاهيم والصور، التي عرضنا لها في صدر هذا المقال .
ونقطة الاختلاف بين الخطاب القديم والحديث هي في الوسائل المستخدمة لإيصال رسالته للجمهور .

فالخطاب المعادي للإسلام اليوم ، يستخدم كل الوسائل التكنولوجية والفنية المتاحة في عالمي الاتصالات والإعلام، لإحداث إبهار، يساعد على تمرير الفكرة إلى العقول دون الانتباه إلى مدي دقتها أو خطورتها على الدين والوطن .

ومن أخطر الأدوات التي يستخدمها الخطاب النفاقي، الرسوم الكرتونية ، والبرامج الساخرة، والأفلام والمسلسلات، والبرامج الحوارية,
وهذه الأدوات ترجع خطورتها إلى أنها تصل للمتلقي حيث هو موجود، دون أن يتطلب ذلك عناء البحث، كما يحدث في الأفكار المسوقة عبر الكتب أو المقالات، مما يحقق لها الشعبية والانتشار، ولا سيما بين فئتي العوام ،و الشباب، كما أنها تضرب رموز الدعوة من المشايخ والعلماء،و تشكك في مصداقيتهم، وصحة دعوتهم .

ولا شك في أن مثل هذه الأمور تلقي عبئا ثقيلاً على رجال الدعوة، ووسائل الإعلام الإسلامية، تتطلب معه رصد هذه الأكاذيب والتصدي لها وتفنيد حججها وبيان عوارها أمام الناس، بلغة سهلة ميسورة، تصل إلى العقول والقلوب مباشرة، لأن عدم الالتفات إليها يقوي من شوكة الباطل وينزع هيبة الدين ودعاته في قلوب الناس.