"جدل الديمقراطية".. كتاب جديد للشيخ العمر
30 ربيع الأول 1434
موقع المسلم

ربما لدى عدد من علماء وشيوخ ورموز القوى الإسلامية الناشطة في العمل السياسي من الحجج أو الدراسات ما يؤصل لهم فكرة المشاركة السياسية تحت مظلة الديمقراطية، أو ما يجعلهم يرفضون هذه الفكرة أصلاً.. ربما لديهم تصورهم عن الديمقراطية بما يجعلهم يقبلونها جزئياً أو يرفضونها كلياً، لكن المؤكد أن كثيراً من المسلمين ليست لديهم دراية كافية عن الفارق بين الديمقراطية كفكر، وكآلية إجرائية، وعن حكمها، لاسيما الديمقراطية الغربية، ولا عن مسألة "أسلمة الديمقراطية"، ولا عن "دقرطة الإسلام" التي ينادي بها البعض زوراً..

من أجل هذا، كانت الحاجة إلى سبر أغوار هذه القضايا، وفك رموز هذه المعضلة التي تمس عقائد الناس ومصائرهم، لاسيما بعد ثورات الربيع العربي، التي دهمت الناس، وفاجأتهم بجملة من التحديات والنوازل، والفتن، التي لم يجد كثيرون معها سبيلاً سوى التعامل معها تحت ضغط الواقع سواء أتم ذلك تأسيساً على تأصيل واضح أم لم يتم..

ومن هنا جاء كتاب "جدل الديمقراطية والمشاركة السياسية" للأستاذ الدكتور ناصر بن سليمان العمر، الصادر ضمن سلسلة إصدارات مؤسسة ديوان المسلم في نحو مائة صفحة من القطع الصغير، ليمثل مساهمة جادة ومتقنة في هذا الصدد، وقراءة جديدة للديمقراطية وطريقة التعامل معها وفقاً للمعطيات الطارئة على الساحة الإسلامية؛ فبين دفتيه محاولة "فحص لإشكالية تمس العمل السياسي فيما بعد الثورات العربية، وهي تصور التلازم بين الرضا بالديمقراطية والتعامل معها، وما يتعلق بضبط هذه الإشكالية من ضوابط شرعية.. ترشّد الموقف وتجمع بين البناء النظري والمدافعة العملية، عبر مسلك وسط لا يسوغ الديمقراطية الغربية، ولا يهون من مناقضتها للشريعة، ولكنه لا يمنع التعامل معها إذا فرضت واقعا بالمشاركة لتخفيف منكرها"، وفقاً لما ورد في غلاف الكتاب.
والكتاب ـ على صغر حجمه ـ أوضح الفروق الجوهرية بين مذاهب الناس في النظر إلى الديمقراطية وطرق التعاطي معها؛ فكما يقول صاحب الكتاب؛ فإن "علاقة الإسلام بالديمقراطية قضية جدلية كتب فيها عرب وغربيون، قديماً وحديثاً، وفيها ثلاثة مذاهب، ولكل مذهب أثره في الساحة، وكل مذهب منها تبناه أناس متناقضون ومتوافقون، بمعنى قد تجد إسلامياً يقول بالقول، وبنفس قوله يقول ملحد، وتجد إسلامياً ينتمي لجماعة إسلامية يقول به، ويخالفه فيه إسلامي آخر ينتمي لنفس الجماعة"، ثم بسط – حفظه الله – هذه الفروق، وكشف عن أن القائلين بانبتات الديمقراطية عن الإسلام ليسوا أصحاب المنهج السلفي وحدهم، بل يشاركهم في ذلك منظرون غربيون معتبرون، وأن القائلين بوجود إمكانية لإيجاد مقاربة بين الإسلام والديمقراطية ليسوا كذلك "إسلاميين" وحدهم، بل يشاركهم بعض العلمانيين في ذلك أيضاً.

وفصّل فضيلته في شرح اتجاهات الديمقراطية لدى الغربيين والشرقيين، وكذلك لدى "الإسلاميين"، بما يؤسس لبناء التعامل الشرعي معها، وبيّن من ثم حكم الشرع في الديمقراطية الغربية، وشرح أسباب تناقضها مع الإسلام، وعاد في ذلك إلى جوهر الديمقراطية من حيث الأصل، وشرح فكرة "أسلمة الديمقراطية"، وحكم الشرع فيها.

ثم تطرق إلى مسألة المشاركة السياسية في النظم الديمقراطية، وأورد فتاوى العلماء في هذه المسألة، ونوه إلى المحاذير التي ينبغي الالتفات إليها عند المشاركة، ومغبات ذلك، وفوائده، وكذلك أوضح ما يعتري البعض من التباس حول مشاركة السلفيين خصوصاً في العملية الديمقراطية، وما إذا كان ذلك يعد تناقضاً مع مبادئهم، شارحاً المناط الذي تغير بعد إقامة نظم ديمقراطية عن الفترات السابقة التي كانت المشاركة السياسية في الانتخابات وغيرها وقت تزويرها غير ذات فائدة إلى حد كبير، ومغايرة للظرف الحالي تماماً.

وختم فضيلته دراسته بإقرار بعض الأصول التي يحسن اعتبارها عند مناقشة تلك المسائل، موضحاً حكم المشاركة في التصويت لدستور أو مرشح أخف ضرراً.

وفي الجملة؛ فإن الدراسة التي قدمها فضيلة د.العمر قد قدمت رؤية متكاملة للنظر إلى هذه النازلة، ومقاربة يمكنها أن تفيد شريحة واسعة من الغيورين على الشريعة وجنابها، كونها قد عمدت إلى الإيجاز غير المخل، والملائم لظرف المرحلة الراهنة.