قبل أن نلحق بالتلال الساكنة
29 ربيع الأول 1434
د. خالد رُوشه

أغالب نفسي كثيرا كي لا أنظر للوحة التاريخ المعلقة على الحائط , إذ تصيبني الحسرة على كل لحظة فاتت بغير ثواب منتظر , أو عمل صالح مرتجى , أو إصلاح فاعل ..

لكن لوحة التاريخ المعلق رغما عني تدير صفحاتها يوميا مهما حدث , حتى لو خدعت نفسي فلم اقطع منها ورقة اليوم الفائت , وتراكمت عليها أوراق الايام السابقات , ستبقى الحقيقة وحدها صادحة , أن الأمس قد مر ولن يرجع وأن الغد لسنا نضمن حالنا فيه , وأننا لا نمتلك سوى تلك الساعات التي تمر بنا , فلنحسن فيها إلى أنفسنا وغيرنا .. وإلا أضيفت لسجل الحسرة !

شريط الحياة يمر في ذاكرة أحدنا فيعرض له أيام طفولته كأنها مرت بالأمس القريب , ويذكره بسنين مرت كأنها لاتزال قائمة , إنها الحياة العاجلة , والدنيا الزائلة , سعادتها سريعة الانقضاء , وتبعاتها ثقيلة القضاء , فياويل من غفل عن الصالحات فيها فغره الغرور , ويا فلاح من تفهم وصفها فجعلها للآخرة معملا ومعدا ..

- بحسب شريط الذكريات – قد كنت أكتب ههنا مقالا قبل عام كامل عن سارق الايام ( التأجيل ) وكنت أقول أن الفعالية في الحياة مرتبطة بإدراك واجب اللحظة , وكنت أحذر نفسي وقرائي أن تنقضي منهم أيامهم بغير ما يرجوه الصالحون , ثم دارت دورة الحياة دورة صغيرة , خالطنا فيها الأعمال والأشغال والمواقف والخلق , انشغلنا في أيامنا المتسارعة كأن هناك من يدفعنا نحو الغفلة دفعا , فانقضي عام كامل , وافقنا من جديد !

حقيق على الأخيار أن يسعدوا بالإنجازات , لكن أيضا حقيق عليهم أن يهتموا كثيرا لما دارت به الأيام من أعمال , انغمسوا اثناءها في كل ما ينسي عن لقاء الله , فعاد أحدهم خالي الوفاض , فارغ الجراب , إلا من مال اكتسبه , أو شغل أنجزه , نسي فيه حظ الآخرة !

إن الحياة في نظر كثير من الناس حلوة خضرة , يتشبثون بها ويتعلقون بمكاسبها ونعمها , فلا يتصورون الرحيل عنها , ولايريدون مجرد التفكير في الرحيل !

لكن الحكماء ينظرون بنظرة مختلفة , والصالحون الذين رزقهم الله نعمة البصيرة يرون الأيام برؤية أخرى , إنها لحياة قصيرة مهما طالت , ونعمة قليلة مهما كثرت , وسعادة راحلة مهما تصورنا بقاءها , فالأعمار زائلة والموت ينادي على الناس كبيرهم وصغيرهم ولا يستثني أحدا ..

إذن فمن الممكن على اية حال لكل أحد منا أن يكون عامه هذا هو الأخير , ومن الممكن أن يكون وداعه لأيامه هو وداع الراحلين أبدا فكيف ينبغي أن نتصرف ؟!

أمامنا الآن مراجعات , أولها مع الله سبحانه , نظرة للوراء , ندقق فيها لما نظنه قد كتبه الكرام الكاتبين من ذنوب وآثام علينا في مشوار حياتنا الفائتة , نجمعها ونبذل جهدنا مااستطعنا لإحصاء مااستطعنا منها , ونضعها بين أيدينا بينما نحن نتمثل أنفسنا في موقف الحساب أمام رب الأرض والسماء

نستحضر الندم المحرق عليها ونستشعر الحزن المؤلم على أفعالنا ومعاصينا , نستثقل المسئولية إذا نحن لقينا ربنا بهذا الحمل الثقيل , نستدعي الدمعات ونسكب الحسرات , نسجد لله طلبا للغفران , ياربنا نحن الضعفاء العصاة المذنبون , جئناك بما يثقل كاهلنا ويعيق فلاحنا , نرجوك الغفران لها جميعها فأنت أهل التقوى وأهل المغفرة ..

وثانيها نظرة للحقوق والأمانات والمديونيات التي علينا فنردها , وثالثها نظرة للحقوق المعنوية , فنرد غيبة من اغتبناه , ونستسمح من كنا قد أخطانا في حقه بسباب أو غضب أو حتى صراخ وتأنيب بغير حق ..

تلكم هي البداية الصحيحة ليوم غد