أنت هنا

المناهج التربوية والحماية من الإساءة لحرمات الله
24 صفر 1434
د. خالد رُوشه

صياغة المنهج التربوي لأبنائنا يجب أن تنطلق انطلاقا مباشرا من الإيمان , هكذا بوضوح , أو هكذا كفرضية نستطيع إثبات صحتها عبر كثير من الدلائل .
لاشك أن للأسس الثقافية والعقلانية مكانا مهما في المناهج التربوية , لكن الإيمان يجب أن يكون هو المصدر الأول لتربية الإنسان في بلادنا إذا أردنا نتيجة جيدة على مستوى الأجيال القادمة

 

فالمنهج التربوي يهدف بالأساس إلى حراسة النفس والخلق والأدب كما يهدف إلى الحفاظ على السلوك في إطار العقيدة السليمة والثوابت الصحيحة , والقضاء على كل ما يسبب غضب الرب سبحانه , أو يتسبب في انهيار المجتمعات
مما يعني ضرورة البحث في ظل النصوص الشرعية عن خطوطه , ليمكن معه الحفاظ على ثوابته , وتكون صيرورته كلها باتجاه الحق المطلق ، وبهذا ينسجم المنهج التربوي مع فطرة الله التي فطر الناس عليها .
ولانشك عندئذ أن تطبيق هذه المنهجية سينتج أعلى منتجات الصلاح والتأثير والإنجاز الذين هم هدف التربية في شتى المجتمعات .
كذلك سيحقق التواؤم بين الذات والغير , وبين المصلحة الشخصية ومصلحة المجتمع , وسيغرس بذور الشعور بالمسؤولية في ذهن الأمة .

 

إن التربية العشوائية , أو التقليدية , غالبا ما تبدد الطاقات , وتخلق الاضطرابات النفسية والسلوكية , وتحرف الأهداف , كما أنها تغري كثيرا باختراق الثوابت , وتضييع القيم , والاجتراء على الثوابت , وما نراه من استهانة واجتراء على الحرمات , وعدم تعظيمها إلا مظهرا من تلك المظاهر , ومن هنا كانت الحاجة إلى منهج تربوي ثابت في اُصوله واضح في مقوماته وموازينه
وقد تكاثرت البحوث والدراسات في ذلك ، فمنها ما اعتمد على الدراسات الغربية النظرية والميدانية ، دون بذل جهد للبحث عن منهج يعتمد على الأسس والمفاهيم والقيم الإسلامية , ومنها ما جعل الدراسات الغربية هي الأساس وأخذ رتوشا من القيم الإسلامية لتبدو ملائمة للمجتمع المسلم

 

ولست أبعد النجعة إذا قلت إن هذا الخلل المنهجي المتمثل في ضعف المناهج التربوية أو استلابها من مجتمعات مختلفة عنا في الأطر المرجعية والثوابت القيمية , مع ضعف الأخذ من منهجنا الإيماني الأصيل , هو السبب المباشر فيما نراه من انحراف مجتمعي سواء على مستوى الأخلاق أو القيم 
بل لعله سبب مباشر أيضا لذلك الانحراف الذي نراه تجاه المقدسات والحرمات , فبدا الاجتراء عليها , وانتشرت الاستهانة بها , فظهرت حالات الردة والإلحاد والإساءة وغيرها
ولاشك أن أصواتا كثيرة تنادي في أجزاء مختلفة من الأرض محذرة من وجود أزمة أخلاقية تهدد الحضارة الإنسانية جمعاء , وأنها تتخذ صورا منحرفة مختلفة في كل بلد عن الآخر , إلا أن قاسما مشتركا بينها جميعا , هو السعي المباشر نحو كسر قيد القيم , والاستهانة بالمقدسات

 

ورغم غزارة الإنتاج فى مجال التراث الأخلاقى العالمي فإنها جميعا تفتقر إلى أخلاق رئيسة كالعدل وتعظيم المقدسات , التي هي في ديننا ومبادئنا وقيمنا من أهم المحاور المنهجية التربوية الأخلاقية
لقد جهد فلاسفة الغرب أنفسهم بحثا عن مبادىء أخلاقية تقيم الحياة الإنسانية في سلام وأمن وإصلاح , وكان جهدهم مركزا في غالب الأحيان بعيدا عن الدين , وسعت العلمانية العالمية لبناء منطلقات أخلاقية تقيم معها الحياة , عبر مدارس مختلفة , من مثالية , وواقعية , وماركسية , ووجودية , وبراجماتية .

 

ولعل من أسباب هذا الانحياز الفلسفي للمفكرين الغربيين بعيدا عن الديانة المسيحية ما وجدوه في تلك الديانة – بعدما طرأ عليها من تحريف في بنائها العقائدي , من ضعف القدرة على الإشباع الأخلاقي وبناء الخلفية العقيدية المستقيمة
وكان من نتاج ذلك تصاعد القيم الغربية الفورية , التي هي السمة المميزة للأخلاق الغربية والتي تنبني على الأنانية والإشباع الفوري .

 

وهناك اتفاق على أن المسئولية فى هذه الأزمة الأخلاقية إنما يقع على التربية الحديثة التى قصرت اهتمامها على وسائل الحياة دون الغايات والمقاصد ، واستهدفت المواطن المنتج أكثر من المواطن الصالح المصلح .
 وعليه فإن التربية الحديثة لابد أن تعطى مجالا أوسع للتربية الأخلاقية القيمية التي ترتكن بالاساس على النص المقدس , وليس مرشحا لذلك عالميا إلا القرآن الكريم والنصوص النبوية الشريفة .

 

على جانب آخر , لابد لنا من البحث عن أطر تطبيقية لتقدم القيم الإيمانية في شكل تربوي عصري منضبط بالضوابط الشرعية , ومستهد بهداية النبوة , وبفهم أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم لتلك القيم .
ما يحصل الآن في كثير من المناهج التربوية التي تسعى أن تهتدي بالإسلام , أنها تقدم النصوص تقديما اشبه بالتقديم الاختياري , فتأمره بالفضيلة أمرا , وتقدم له دليل الفضيلة من النص الشرعي , ثم تتركه ليصارع مثالب المجتمع و ومصاعب الحياة , ويجابه انواع الانحراف , وتطالبه بالالتزام بالفضائل والانضباط بالقيم الإيمانية .

 

ولم يكن النبي صلى الله عليه وسلم يربي اصحابه بهذه الطريقة الهامشية , بل كان صلى الله عليه وسلم , يرسخ القيم في قلوبهم وعقولهم , وينشىء عليها نفوسهم , ويربي عليها ذرات تكوينهم, ويضبط بها نزواتهم , أثناء الحركة والسكون واثناء الفكر والتأمل .
فإذا أمرهم بالصلاة , لم يقتصر على الأمر بها , بل قال " ارحنا بها يابلال " , وقرأ عليهم :" إن الصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر " , وأمر بالصدق فيها والخشوع , وأمر بحبها " وجعلت قرة عيني في الصلاة " , لذلك ترسخت في قلوب أصحابه وعقولهم , وصارت لازما لايمكن أن يتركوه أو يتنازلوا عنه ..وكذا في شتى القيم الإيمانية

 

كذلك حرص على أن تتم حركة بغض المحرم وحب الخير من داخل القلب , لا من مجرد الفعل السلوكي الخارجي الظاهر , فكان يقول صلى الله عليه وسلم :" إن الله لاينظر إلى صوركم وأجسادكم ولكن ينظر إلى قلوبكم " , ويقول :" التقوى ههنا – ويشير إلى قلبه " , ولما اراد أن يعالج سلوكا منحرفا مستهينا بالحرمات من الزنا , خاطب عقله " أترضاه لأمك ؟" وأثر في قلبه " اللهم اشرح صدره " ..

 

وعلى مثل ذلك ينبغي أن تسير مناهجنا التربوية , تعظم الحرمات في قلوب الناس , وتحفظ المعاني في صدورهم , وتقيم عليها نفوسهم , فتصير المراقبة الإيمانية لله سبحانه مراقبة ذاتية أينما حل الإنسان , ومهما كانت الظروف من حوله