قل : حسبي الله
16 ربيع الأول 1434
د. خالد رُوشه

عند غلبة الأحزان , وضعف القدرة , وانكسار العزم , لايجد المرء ملحأ ولا منجى إلا إلى الله سبحانه القوي العزيز , الحي القيوم , فهو مفرج الكروب , ومقو القدرة , ومثبت العزيمة .
وعندما يبحث المرء عن ركن ركين , ومأوى يأوي إليه , واعتماد يعتمد عليه , لايجد إلا الفرار إلى الله سبحانه , قثم السكينة , وثم الطمأنينة , وثم الأمان كل الأمان , فالله سبحانه حسبنا , وكافينا , ومؤوينا , وحافظنا , ووكيلنا , وهو نعم الوكيل .

و" حسبنا الله ونعم الوكيل " كانت على لسان أولي العزم من الرسل ، قالها إبراهيم عليه السلام في أعظم محنة ابتلي بها حين ألقي في النار ، وقالها محمد صلى الله عليه وسلم في مواجهة المشركين في " حمراء الأسد " , فعن عبد الله بن عباس رضي الله عنهما قال : ( حَسْبُنَا اللهُ وَنِعْمَ الوَكِيلُ : قَالَهَا إِبْرَاهِيمُ عَلَيْهِ السَّلاَمُ حِينَ أُلْقِي فِي النَّارِ ، وَقَالَهَا مُحَمَّدٌ صلى الله عليه وسلم حِينَ قَالُوا : ( إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إِيمَاناً وَقَالُوا حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ ) – أخرجه البخاري –

قال سبحانه : ( الَّذِينَ اسْتَجَابُوا لِلَّهِ وَالرَّسُولِ مِنْ بَعْدِ مَا أَصَابَهُمُ الْقَرْحُ لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا مِنْهُمْ وَاتَّقَوْا أَجْرٌ عَظِيمٌ . الَّذِينَ قَالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إِيمَانًا وَقَالُوا حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ . فَانْقَلَبُوا بِنِعْمَةٍ مِنَ اللَّهِ وَفَضْلٍ لَمْ يَمْسَسْهُمْ سُوءٌ وَاتَّبَعُوا رِضْوَانَ اللَّهِ وَاللَّهُ ذُو فَضْلٍ عَظِيمٍ )

والحسب هو الكافي ,فالله كافينا في مهماتنا وملماتنا والوكيل القيم على الأمور , والقائم على المصالح , والكفيل بعياده , فهو خير وكيل , إذ من توكل عليه كفاه , ومن لجأ إليه لم يخيب رجاءه , يقول ابن تيمية رحمه الله : - حسبنا الله ونعم الوكيل " أي : الله وحده كافينا كلَّنا " – منهاج السنة-

وحسبنا الله ونعم الوكيل دعاء في ذاته , يقال في وجه الظالم , كما يمكن أن يلجأ إليه المهموم أو المكروب أو الخائف , وبوب العلماء لهذا الدعاء باب " مَا يَقُول إذا خَافَ قوما " , كما في عمل اليوم والليلة للنسائي , والوابل الصيب لابن القيم , وغيره

إن الذين يستشعرون هذه الكلمات , لهم أحق الناس بإجابة سؤلهم , وتنفيذ حاجاتهم , بل بكفايتهم من الحاجة إلى الناس , فهي اقرار بالفقر إلى الله سبحانه , واستغناء عما في ايدي الناس , قال سبحانه :" وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ إِنَّ اللَّهَ بَالِغُ أَمْرِهِ قَدْ جَعَلَ اللَّهُ لِكُلِّ شَيْءٍ قَدْرًا "

ومن كفاه الله سبحانه سعد في الدنيا والآخرة , إذ هو سبحانه المقتدر على كل شىء , قال سبحانه : " وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَإِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ "

وأيما موقف مر بالإنسان , فوجد نفسه قد غلب فيه , بينما هو على الحق , فعليه أن يستعين بالله , وأن يعتقد في حسبي الله , ويرددها بقلبه قبل لسانه , فعندئذ لاخوف ولافزع , ولا هم ولا غم , وفي الأثر : إِذا وَقَعْتُمْ فِي الأَمْرِ العَظِيمِ فَقُولوا : حَسْبُنا الله وَنِعْمَ الوَكِيلُ , وكذلك يروى " إِنَّ اللَّهَ يَلُومُ عَلَى الْعَجْزِ ، وَلَكِنْ عَلَيْكَ بِالْكَيْسِ ، فَإِذَا غَلَبَكَ أَمْرٌ فَقُلْ حَسْبِيَ اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ "

وعن أَبِي سَعِيدٍ الخدري رضي الله عنه قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( كَيْفَ أَنْعَمُ وَصَاحِبُ القَرْنِ قَدِ التَقَمَ القَرْنَ وَاسْتَمَعَ الإِذْنَ مَتَى يُؤْمَرُ بِالنَّفْخِ فَيَنْفُخُ ، فَكَأَنَّ ذَلِكَ ثَقُلَ عَلَى أَصْحَابِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، فَقَالَ لَهُمْ : قُولُوا : حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الوَكِيلُ ، عَلَى اللهِ تَوَكَّلْنَا ) – اخرجه الترمذي والنسائي –