تأسيس دولة الرهبان بوادى النطرون
10 ربيع الأول 1434
عامر عبد المنعم

كتبت منذ شهرين عن خطورة ما أعدته هيئة التخطيط العمراني، بناء على طلب جهات من داخل حكومة الدكتور هشام قنديل من تقسيم إدارى جديد وإنشاء 5 محافظات جديدة، وحذرت حينها من وضع خطوط إدارية لتأسيس محافظة بدون أى مقومات ووضع حجر الأساس لدولة الرهبان فى الصحراء الغربية، بوادى النطرون.
 
 جاء فى التخطيط الجديد إنشاء محافظة باسم "وادى النطرون" باقتطاع الظهير الصحراوى من محافظة البحيرة، وضم مساحات من محافظة مطروح وحتى الساحل الشمالى على البحر المتوسط.
 

 

وكشفت أبعاد هذا المشروع الذى يقسم البلاد على أساس طائفي، وظننت أن الرسالة وصلت إلى أولى الأمر وانتهى الأمر، لكن فوجئت أن لا أحد يقرأ ولا أحد يسمع، وأن هناك جهات مشبوهة تدفع تجاه التنفيذ، بسرعة قبل أن يأتى البرلمان الجديد، حيث عقدت جمعية رجال الأعمال المصريين بقيادة المهندس حسين صبور أحد أبرز رجال الأعمال من حاشية الرئيس المخلوع حسنى مبارك، وأحد كبار مساعدى نائب رئيس الوزراء الأسبق يوسف والي، والمشرف على مشروعات المعونة الأمريكية، اجتماعًا الأسبوع الماضى حضره سامح الشاذلى مساعد وزير التخطيط، ورئيس هيئة التخطيط العمرانى عاصم الجزار، وأعلنوا فيه أن التقسيم الجديد بالمحافظات الجديدة سيتم الإعلان عنه فى الشهر المقبل.
 
وفوجئت بأن هذا الرجل الذى استطاع تجنيد رجال الأعمال وربطهم بأمريكا من خلال المعونة الأمريكية، حسبما نشر عن هذا الاجتماع، يشارك فى التخطيط لمشروعات الدولة ووضع الخطط لعام 2017 والخطط الإستراتيجية لعام 2050!! وهذا يثير الكثير من علامات الاستفهام، لكن هذا ليس هو موضوع مقالي.
 

 

 الذى يهمنى فى هذا المقال هو ما ورد عن المحافظات الجديدة وبالذات محافظة وادى النطرون، الذى يبدو أنهم فى عجلة من أمرهم، ويريدون تمرير التقسيم الجديد بسرعة وعلى عجل.
 
هذا التقسيم الإدارى الجديد هو التنفيذ الدقيق لما خططه أصحاب التوجه الانفصالى من المسيحيين المصريين لإيجاد الرقعة الجغرافية التى ستكون بداية لتأسيس الدولة القبطية المزعومة.
 
من المعروف أن بعض المسيحيين المصريين يتوقون إلى إقامة دولة خاصة بهم منذ نصف قرن تقريبًا ظنًا منهم أن الفرصة مواتية لضعف المسلمين وخضوع الدولة المصرية للهيمنة الغربية الصليبية.
 
ولأن إقامة دولة يحتاج إلى شعب وأرض، كان المطلوب هو البحث عن المكان المناسب، فاختار أصحاب هذا التوجه الانفصالى – فى البداية - محافظة أسيوط، لوجود كثافة سكانية مسيحية بها، لكن هذا الخيار فشل، لأن المسلمين يشكلون أغلبية فى المحافظة، وتسبب تسرب فكرة الدولة المسيحية فى رد فعل إسلامى – فى السبعينيات - أفشل هذه الفكرة.

 

 
بحث أصحاب المخطط الانفصالى عن مكان بديل، فاختاروا وادى النطرون والصحراء حتى الساحل الشمالى الذى ربما لا يوجد به العقبة التى أفشلت الحلم فى أسيوط، وهى الكثافة السكانية، إذ لا يزيد سكان هذه المنطقة عن 80 ألف نسمة.
 
فبدأ التوسع فى الأديرة بمنطقة وادى النطرون وتحويلها إلى قبلة للمسيحيين، وبدأ الرهبان يتركون حياة الزهد فى الدنيا إلى التوسع والتمدد والسيطرة على آلاف الكيلو مترات فى وادى النطرون.

 

 
بدأت الماكينة تعمل من خلال العلاقات الرسمية وغير الرسمية باستخدام طرق عديدة للتمهيد لهذه الدولة فتم الآتي:
 
أولاً: بدأ دير الأنبا مقار يتوسع للسيطرة أولاً على وادى النطرون كله وعدم الاكتفاء بالموجود، وتحقق للدير ذلك، ففى سنوات قليلة قام الدير بالآتي:
 
أ‌-  وضع دير الأنبا مقار يده على 200 فدان طبقا للقانون رقم 100 لسنة 1964.
 
ب‌-  سيطر الدير على 300 فدان بقرار من رئيس الوزراء رقم 16 لسنة 1977.
 
ت‌-  حصل الدير على 1000 فدان منحة من السادات فى 23/8/1978.
 
ث‌-  سيطر الدير على 2000 فدان من قبيلة الجوابيص.

 

 
ثانيًا: وعندما سيطر الدير على الوادى المنخفض عن سطح البحر بدأ يتحرك شمالاً للسيطرة على الأراضى وحتى العلمين بالساحل الشمالي، ووضع الدير يده على آلاف الكيلو مترات بالصحراء الغربية بحجة الاستصلاح.
 
ونشرت الصحف فى أوائل التسعينيات قيام الدير بوضع يده على 50 ألف فدان بالقرب من مدينة الحمام عند الكيلو 69 بطريق الإسكندرية مطروح، وعلى ساحل البحر المتوسط على بعد 200 كيلو من وادى النطرون.
 

 

ثالثاً: بدأ دير الأنبا مقار فى التحرك شرقاً منذ السبعينيات، للسيطرة على المساحات الواقعة بين الدير وطريق مصر الإسكندرية الصحراوى لوضع يده على الأراضى الواقعة بين الكيلو 26 حتى الكيلو 118 طريق مصر الإسكندرية الصحراوي.
 

 

رابعًا: استغلال أنصار المخطط الانفصالى أزمة السلطة قبل الثورة وبعدها وحتى الآن، فى الاستيلاء على آلاف الأفدنة فى الصحراء الغربية، من جنوب البلاد وحتى شمالها، وآخر هذا التمدد المسيحى على الأرض استيلاء رهبان من الإسكندرية منذ أيام على 9 آلاف فدان فى وادى الريان بالفيوم وهى محمية طبيعية، مستغلين ضعف سلطة الدولة والاستقطاب السياسى الذى أوجد حالة من الفراغ.
 
هذا التوسع زادت وتيرته بعد الثورة، حيث يستغل الرهبان أزمة السلطة وانشغال الرأى العام بالمعارك السياسية فى وضع اليد على مساحات شاسعة من الأراضى وبناء أسوار خرسانية عالية وفرض سياسة الأمر الواقع.
 

 

هذه الرغبة الجامحة فى بناء ما يشبه المستوطنات على هذه المساحات الكبيرة يطرح المزيد من المخاوف ويثير الشكوك حول الأسباب التى تدفع هؤلاء الرهبان للاستيلاء على الصحراء الغربية بهذه الطريقة.
 
قد يكون هناك من يفكر فى إقامة الدولة المزعومة فى هذا الفراغ.

 

 
وقد يكون هناك من يفكر فى أنه قد يأتى اليوم الذى يكونون فيه فى حاجة لمبادلة هذه الأراضى مع المسلمين فى الجزء الشمالى الغربى لمصر إن لم يستطيعوا السيطرة على غرب البلاد.
 
وجزء من هذا الجناح الانفصالى المتطرف هو الذى يقود حملة التصعيد الطائفى خلال السنوات الأخيرة وزيادة المطالب الطائفية لابتزاز الدولة وإبعاد الأنظار عن المخطط الأصلى الدائر الآن غرب البلاد.
 

 

بالتأكيد أصحاب التوجه الانفصالى قلة، ونعى أن أغلبية المسيحيين المصريين لا يفكرون فى مثل هذه المغامرات الانتحارية، لكن ليس من المقبول ولا من المعقول أن تخترق هذه القلة أجهزة الدولة وتمرر طموحاتها المتوهمة والمستحيلة، بل ونرى من يمرر هذه المشروعات الخطيرة وسط حالة التخبط الجارية، ويظن أن الشعب المصرى مغيب ولن يكتشف هذا التخطيط الشرير.
 

 

ما كنت أود أن أكتب فى هذا الموضوع علانية، لحساسية وخطورة الموضوع، لكن يبدو أن هناك لوبى مشبوه أقوى مما كنا نتصور، يخترق الدولة ويتمادى فى غيه وكأن لا ثورة قامت ولا رئيس منتخبًا يحكم، ولا حكومة من المفروض أنها محسوبة على حزب الحرية والعدالة والإخوان المسلمين مؤتمنة على شئون البلاد.
 
[email protected]
 
 
المصدر/ المصريون