مناظرة المبتدعين في الفضائيات بين المصالح والمفاسد
26 صفر 1434
منذر الأسعد

كتب الداعية المشهور الشيخ الدكتور محمد بن عبد الرحمن العريفي رسالة قيمة تبحث مسألة أصبحت موضع أخذ ورد، هي مناظرة أهل البدع في القنوات الفضائية. ولعل تخصيص الفضائيات بذلك يرجع إلى انتشارها الواسع وضخامة الجمهور الذي يتابعها بالقياس إلى وسائل الاتصال الأخرى ولا سيما مع ضعف اهتمام الناس بقراءة كتب أهل العلم وردودهم على المبتدعين. ويوضح الشيخ العريفي أن مشاركته في مناظرة الشيعة بقناة المستقلة كانت من بين الحوافز التي دعته إلى هذا البحث من ناحية عقدية.

 

استهل المؤلف الكريم بحثه بتذكير القارئ بما جاء في كتاب الله تعالى وسنة نبينا محمد صلى الله عليه وآله وسلم من وجوب الاتباع في الدين والنهي عن الابتداع، وبخاصة أن الابتداع أحب إلى الشيطان من المعصية النابعة عن شهوة، فصاحب البدعة لا يتوب منها لأنه يتوهم أنه على الحق. ونبه الشيخ إلى أن أشد البدع ضرراً وشرّاً البدع الاعتقادية كالشيعة والخوارج والمعتزلة... ولذلك كله لم يختلف أهل العلم في ذم البدع وكثر تحذيرهم منها وبيان خطورتها.

 

قسّم الدكتور بحثه المختصر إلى فصلين وثمانية مباحث-وإن كان قله قد زل فأشار إلى سبعة مباحث فحسب-. فخصص الفصل الأول لبيان مفهوم كل من البدعة والمناظرة ويضم أربعة مباحث هي:
1-البدعة: تعريفها والنصوص الواردة فيها.
2-الآثار الواردة عن السلف في التحذير من البدع.
3-معنى المناظرة وأدلتها.
4-موقف السلف من مناظرة أهل البدع.

 

ومباحث الفصل الثاني (عنوانه: المناظرة في القنوات الفضائية):
1-مصالح مناظرة أهل البدع علانية
2-مفاسد مناظرة أهل البدع علانية
3-آداب المناظرة
4-توجيهات عامة لِمُنَاظِر المبتدعة

 

وقد عرض الباحث تعريفات البدعة في اللغة وفي الاصطلاح العلمي، ثم أتبعها بالنصوص الشرعية التي تحث على الاتباع وتنهى عن الابتداع ثم مقولات علماء السلف الصالح في ضوء تلك النصوص بما لا يدع مجالاً لأي لبس في التنفير من الابتداع في الدين وبخاصة في الاعتقاد والعبادة.فالله تعالى أخبرنا باكتمال الدين فمن ابتدع فكأنه يستدرك على الله-والعياذ بالله- ويفتري الكذب بادعائه ضمناً نقص الشريعة!!

 

وفي حديثه عن المناظرة يستدل لها بآيات قرآنية كريمة منها قول الحق جل وعلا: {ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنْ ضَلَّ عَنْ سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ} [النحل:125]، والتي يقول ابن كثير رحمه الله في تفسيرها: (أي: من احتاج منهم إلى مناظرة وجدل فليكن بالوجه الحسن برفق ولين وحُسْن خطاب....).

 

كما يستدل من السنة المطهرة بقول النبي صلى الله عليه وآله وسلم: "جاهدوا المشركين بأموالكم وأنفسكم وألسنتكم". أما حكم إقامة المناظرة فيختلف باختلاف الأحوال، مثلما ينقل عن شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله قوله: (الجدال قد يكون واجباً أو مستحباً كما قال تعالى: {وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ} [النحل: من الآية125]، وقد يكون مُحَرّماً كما في الحج وغيره كالجدال بغير علم وكالجدال في الحق بعدما تبين).

 

وقد كان السلف ينهون عن مجالسة المبتدعين جملة، ويحضون عل هجرانهم وعلى تنزيه الأسماعهم عن الإصغاء إلى ضلالاتهم، لكن ذلك ليس موقفاً مطلقاً كما يقول المؤلف الفاضل، فقد ناظر الإمامُ عبد العزيز الكناني المكي الشافعي في عصر الخليفة المأمون، ناظرَ بشرَ المريسي الذي كان من كبار رؤوس الاعتزال في زمانه.

 

ويقدم الكتاب مصالح مناظرة المبتدعين ومفاسدها، ويخلص في النهاية إلى ترجيح المصلحة فيها، ولكن في نطاق ضوابط وشروط في الشخص الذي سوف يناظرهم وفي البيئة التي سوف تشهد المناظرة وكذلك في المبتدع المناظر فلا ينبغي مناظرة مبتدع مغمور يبحث عن الشهرة، فإذا أفحمه مناظره من أهل السنة تبرأ رهطه من هزيمته وقالوا: هذا لا يمثل إلا نفسه!!

 

والخلاصة: فإن الكتاب مفيد وبخاصة لمن يرى في نفسه قدرة على مواجهة أهل الضلالة وإقامة الحجة عليهم وبيان تفاهتهم أمام المغترين بهم، ففي الرسالة تفاصيل تهم كل المعنيين بمناظرة هؤلاء.