1 ربيع الثاني 1434

السؤال

أعاني من علاقة سيئة جدا بين زوجي وابني حيث إن زوجي يبلغ من العمر ٤٠ سنة، وابني يبلغ من العمر ١٥ سنة وهو الابن الأكبر والأول بين إخوانه فكيف أوفق لإعادة العلاقة الحميمة بينهما؟

أجاب عنها:
يحيى البوليني

الجواب

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخت الفاضلة.. حياك الله
أحسنت اختنا الفاضلة إذ تنبهت وتوقفت عند هذه المشكلة التي تؤثر كثيرا على استقرار بيتك، ونجدها تتكرر في الآونة الأخيرة في عدد من الأسر ولفتت الانتباه المربين إذ حاول عدد منهم رصدها ومحاولة فهم أسبابها ووضع الحلول لها.
والشاهد أن السبب الأساسي في تلك المشكلة أن هناك تنازعا بين الأب والابن على الناحية السلطوية، فالأب يحاول استمرار سلطته وسطوته على البيت بينما يحاول الابن – وخصوصا الأكبر كما الحالة المذكورة – الفكاك من هذه السلطة والوصول للتحكم الذاتي لنفسه وبنفسه.
والواضح لدى المربين أن السبب في الغالب الأعم لا يقع عند الشاب الصغير بالدرجة الأولى، فمرحلة بلوغ أول الشباب معروفة، ولها تصرفاتها المعهودة – حتى لو استنكرناها ولم نقبلها كآباء – وهي من سمات مرحلتهم العمرية والنفسية مثل الرغبة في التمرد على السلطة الأبوية وحب الاستقلالية في الأفكار والقرارات، ولكن المشكلة تبرز للسطح وتأتي من ورائها ثمرات غير مرجوة إذا لم نحسن تفهم تلك المرحلة أو أن نحتفظ كآباء بنفس الطريقة في التصرفات مع الأبناء بعدما يبلغون الحلم على أنهم لا يزالون أطفالا.
وهناك أيضا تصرفان متعاكسان ظاهرا لكنهما ينتجان نفس النتيجة تقريبا، فالاهتمام الزائد عن الحد ومحاولة تتبع كل التفاصيل وعدم ترك الحرية للشاب في بعض التصرفات حتى تنمو شخصيته يؤثر قطعا في سلوكه ويدفعه للفكاك، في مقابل التصرف الثاني الخطر وهو ترك الشاب بالكلية وإهمال متابعته وتقويمه ونصحه وعدم الاهتمام به مطلقا مما يخشى منه ظهور شخصية مستهترة غير مبالية بالقيم الدينية والأعراف المجتمعية، وتزداد الحالة سوء إذا كان هناك – ولابد انه كائن – وجود أقران سوء يشجعونه.
ويأتي دورك - الهام جدا - أختنا الفاضلة كأم حريصة على الكيان الأسري وعلى عودة الوفاق بين زوجك وولدك كرمانة ميزان لتحاولي رأب الصدع بينهما وتقريب وجهات النظر ومحاولة إقناع الأب بترك مساحة للشاب يتحرك فيها مع تذكير الابن بشكل دائم بحق والده عليه.
وفي الوقت نفسه الذي أدعوك فيه بالسعي الدائم لإيجاد قناة لا تنقطع بينهما بوجودك إلا أنني لابد وأن أطمئنك أن هذه الفترة فترة عدم توازن من الابن وأنها بحسن إدارتها سوف تزول بإذن الله، لكنها تحتاج لتعاون بينك وبين زوجك لضمان عدم خروج الأمر عن السيطرة وعدم انفلات سلوك الابن وتحليقه في سماء غير سمائكما وهبوطه على ارض لا تعرفانها حيث الصحبة السيئة التي تفسد ولا تصلح.
وأولى خطواتك بإذن الله جلسة مصارحة بينك وبين الأب الكريم، وتذكيره بان هذه النبتة هي نبتتكما معا وصلاحها في هذا المجتمع نافع لكما إحياء وأمواتا، وعليه كما قام بدوره وتعب في تربيته حتى أوصله لهذا السن أن يتحمل ذلك الطيش في هذه الفترة ليجتازها الابن ويتخلص من شرورها، فليس النجاح في ترك العود الأخضر لتتقاذفه الرياح ويهلك، ولكن النجاح كل النجاح في محاولة إنقاذه إذا تعرض للآفات الضارة، تلك هي الرعاية الأبوية المطلوبة وهذا هو دوره وقدره في الحياة وهذه هي مهمته التي سيستوجب رحمة الله بها إذا أحسن تربية أبنائه وخرج بهم من عثراتهم.
وينبغي تذكيره بأن لكل مرحلة من مراحل حياة أبنائه معاناتها وأن على كل أب وأم أن يعرفا نوعية المعاناة التي يعانيها الأبناء في مراحلهم وعليهم أن يتعاونا لاجتياز تلك الاختبارات.
وبعد هذه الجلسة الهادئة ينبغي أن تكون هناك عدة اتفاقات مع الأب، ومنها أن يترك للشاب قدراً من الحرية في تصرفاته وان يتشاغل ولا يعلق على بعض أخطاء ولده الصغيرة فيما يسميه علماء الإسلام بالتغافل فكما يقول الشافعي رحمه الله: "الكيّس العاقل هو الفَطِن المتغافِل" ويُسأل الإمام أحمد رحمه الله عن رجل يقول: التغافل تسعة أعشار العقل؟ فيرد: "بل هو العقل كله"، وذلك مع متابعة أيضا لتصرفاته دون إفراط ولا تفريط.
أما عن خطواتك مع ولدك فلها أهمية كبرى، فالابن مهما اشتد في مقابل والده فهو يعلم انه يناطح قويا لكنه في كل الأحوال يظل ضعيفا جداً مع أمه إنْ أظهرت حبا له ورحمة وشفقة وبينت حزنها مما يفعله مع والده، فاستغلي ضعفك الفطري معه وساعتها لن يستطيع أن يعاند ويكابر معك، وإياك أن تستخدمي أنت أيضا سلاح القوة ضده، فالقوة – في تلك المرحلة - لا تزيد ولدك إلا نفرة وابتعاداً.
ومن القضايا الهامة التي يجب أن تناقشيها مع ولدك هي قضية الصحبة والأصحاب، فلا تتعجبي إن وجدت أن السبب الأساسي فيما وصل إليه هي صحبة فاسدة بعيدة عن الشرع والدين يقلدهم في تصرفاتهم ويتخلق بأخلاقهم فعليه حثه على صحبة صالحة ودفعه للمسجد أو محاولة ربطه بالشباب الصالح ممن تعرفين من قرابته، فبجرد تغيير الصحبة لفترة بسيطة ستلاحظين فارقا كبيرا في سلوكياته بإذن الله.
وعليك - أنت وأبيه - قبل كل هذا وأثناءه وبعده الدعاء لله سبحانه لصلاح ولدكما وان يحببه الله في الإيمان ويزينه في قلبه وان يصرف عنه السوء وأهله ولا تستهينا بتأثير الدعاء الذي يفعل الأعاجيب، فهو من السهام الصائبة بإذن الله، وحسبكما الحديث الذي رواه أحمد وأبو داود وحسنه الألباني رحمهم الله عن النبي صلى الله عليه وسلم " ثلاث دعوات مستجابات لاشك فيهن: دعوة المظلوم، ودعوة الوالد، ودعوة المسافر".