أنت هنا

مصر التي تغلي
22 محرم 1434
موقع المسلم

صورة التقاتل في الشوارع، والتراشق السياسي في وسائل الإعلام، والتناحر في المؤتمرات العامة في مصر لا يعبر ضمنيا عن حقيقة الصراع الدائرة في البلد العربي الكبير؛ فكل الاختلافات الظاهرة تخفي خلفها مشكلة أكبر قد لا تكون لها أي علاقة بالمعلن من الخلاف..
بطبيعة الحال، ثمة مشكلة معلنة عن الإعلان الدستوري، وعن الجمعية التأسيسية، وعن الدستور الذي سيبدأ التصويت عليه بعد أيام، لكن لكي نسبر غور هذه اللافتات علينا العودة إلى تصريحات متباعدة صادرة عن واشنطن، وبروكسل، وبرلين، حيث بدأت أولى إرهاصات الخلاف حول الدستور المصري تظهر مع أسئلة دقيقة من الرئيس الأمريكي السابق جيمي كارتر في زيارته لمصر أواخر شهر أكتوبر الماضي حول "وضع معاهدة السلام مع إسرائيل في الدستور"،"هل الدستور ينص على الالتزام بالمواثيق الدولية"،" المرأة و الأقباط في الدستور المصري الجديد، وهل هناك تمييز ضدهما أم لا"، وتلك الأسئلة طرحها على تأسيسية الدستور في أثناء زيارته لها، ورغم أنه قد تلقى تطمينات من مسؤولي التأسيسية إلا أنه على ما يبدو "لم يفلح" في إقناع وزارة الخارجية الأمريكية بها؛ فعادت وزيرتها اليوم لتطالب مصر بدستور يلزم مصر باحترام تعهداتها الدولية ومعاهداتها وحقوق المرأة والأقباط!!

 

لغز الانسحابات الأخيرة في التأسيسية ثم تفجير الموقف من بعد لا تفسره وجود بعض البنود لا ترضى عنها واشنطن أو المعارضة المتحالفة معها، ولا يفسرها كذلك الاجتماع التالي لقادة الفوضى مع سفيرة الفوضى الأمريكية المعروفة آن باترسون (مهندسة فوضى باكستان)، ولا الاجتماعات المتوالية مع السفاح اللبناني سمير جعجع من قبل بعض رموز الفوضى (المعارضة الأمريكية) بمصر، وإنما تجليها رغبة مؤكدة من قبل عواصم غربية في عدم تمكن الرئيس المصري وجماعته من تحقيق برنامجه وإنجاح مشروعه النهضوي في البلاد، حيث تبرهن الإشارات الصادرة خلال الأحداث الأخيرة من عواصم غربية أن ثمة من يشدد على إعادة عقارب الساعة في مصر إلى الوراء، وإلى غل يد السلطات عن ملاحقة أعمال العنف بغية تفاقمها ونقل البلاد إلى حال الفشل والفوضى العارمة.
ظاهر المشكلة ـ كما تقدم ـ هو خلاف حول بنود، لكن الأصل يتعلق باستمرار دوامة الفوضى، لأن:

 

ـ الذين اعترضوا على تشكيلة التأسيسية أول مرة هم من قبلوا بها في المرة التالية، وبالتالي تنتفي شبهتهم عن التوازن.
ـ الذين اعترضوا على البناء على دستور71 واعتبروه (ترقيعا) هم من يقترحون عودته اليوم.
ـ الذين اعترضوا على بقاء النائب العام هم من يقاتلون اليوم من أجل عودته.
ـ الذين صرخوا من أجل تطهير الدولة من الفلول هم من يقاومون تطهيرها ويستدعون رجالها للوقوف في صف "المعارضة"، وكذلك من طالبوا بتطهير القضاء هم من يسعون لتنجيسه.
..... وهلم جرا

 

المشكلة إذن، ليست في ظواهر الصراع بل في جوهره، وهو المتعلق بأمرين، إفشال تجربة مرسي، والعودة للحكم من خلف الإرادة الشعبية وتحديا لها، ذاك أن المنظومة المعارضة اليوم تفتقر إلى الشعبية، وتدرك أنها لن تحصل عليها أبدا عبر صناديق الانتخابات، لذا فهي راغبة في الفوضى وقلب الطاولة.

 

لذا، نحن أمام صراع عدمي لا تقبل فيه القوى العلمانية سوى وضعا "إسلاميا" ديكوريا ليس إلا، بل حتى هذا ترضاه بغية إفشاله وتحميله المسؤولية، وتسعى من ثم إلى تأجيج الوضع، واجترار الأزمات والصراعات، واستدراج القوى "الإسلامية" للدخول في صراع يذهب بالاستقرار، وهو في هذه اللحظة يتجسد في الدستور، إذ يؤسس للبلاد مناخاً هادئاً للعمل المنتظم والإنتاج والاستثمار، ويحدد ملامح دولة مصر الثورة الجديدة، ولهذا فهم يفتعلون المشكلة تلو الأخرى من أجل ما يلي:

 
1 ـ عرقلة الاستفتاء بأي طريقة (وهو ما جرى في كل استحقاق ديمقراطي سابق، مثل الانتخابات البرلمانية والرئاسية، وهنا التعويل على الجيش ظاهر مثلما كان الحال قبل تلك الاستحقاقات إلى أن صدرت البيانات الرسمية من الجيش بأنه ماض في تأمين الانتخابات فانزووا)
2 ـ البحث عن شهيد لتحميل الرئيس مسؤوليته وتغذية المظاهرات التالية بالمطالبة بدمه.
3 ـ النيل من هيبة مؤسسة الرئاسة.
4 ـ إيجاد مبرر لضغط غربي، بإظهار صورة تبدي نوعا من الانقسام ولو كان شكلياً.
5 ـ منح إعلام المارينز مادة للحديث بعد مليونية النهضة.
6 ـ تنمية الشعور الشعبي بحالة غضب جماهيرية اصطناعية.

أما الحل، فيبدو أن جماعة الإخوان، والرئيس يحاولان سلوكه دون المساس بهيبة الرئيس، ومنع أي تعد يحصل على مؤسسة الرئاسة، ولكن تبدو المهمة شاقة في ظل غموض حول مواقف بعض القوى الرسمية.. ومع هذا فإن الرئيس المصري محمد مرسي قد يجد نفسه في النهاية مدفوعا باتخاذ إجراءات صارمة للحد من تغول القوى الرجعية التي تريد عودة مصر إلى ما قبل الثورة.