12 ذو القعدة 1434

السؤال

السَّلام عليكم، أنا للأسف عصبيَّة جدًا، وتصرُّفات أبنائي تغيظني جدًا، وخصوصًا سلوكهم في المذاكرة، لا يستجيبوا للمذاكرة بسهولة، والشَّيء الذي يمكن انجازه في ساعة، يأخذ معهم اليوم بطوله، مع العلم أنَّ أعمارهم ست سنوات، والصَّغيرة في الرَّوضة عمرها أربع سنوات، أرجو أن أتحكم في انفعالي، وأن أترفَّق بهم، فأنا أعلم أنَّهم صغار، لكنِّي أريدهم ناجحين متفوقين، وأحزن جدًا عندما أراهم متأخرين عن زملائهم، كيف أحبِّبهم في المذاكرة؟. وكيف أضبط نفسي في عصبيتي؟. أفيدوني جزاكم الله خيرًا.

أجاب عنها:
سعد العثمان

الجواب

الحمد لله وحده، والصَّلاة والسَّلام على من لا نبي بعده، وعلى آله وصحبه...
أختي الفاضلة: أشكركِ على ثقتكِ، بموقع المسلم، ومتابعتكِ له، ونسأل الله - عزَّ وجلَّ - أن يجعلنا أهلاً لهذه الثِّقة، وأن يجعلَ في كلامنا الأثر، وأن يتقبَّل منا أقوالنا وأعمالنا، وأن يجعلها كلَّها خالصة لوجهه الكريم، وألا يجعل فيها حظَّاً لمخلوق..آمين.
أختي الكريمة: فهمت من عرضكِ لمشكلتكِ، أنَّ لديك أولاداً في المدارس، وأنَّ لديهم نفوراً وامتعاضاً من الدِّراسة، ولكونكِ عصبيَّة لا تتحمَّلين رؤيتهم مهملين لدروسهم، وتودِّين أن يكونوا متفوقين في دراستهم، وتطلبي النَّصيحة والتَّوجيه في ذلك، ألخصُّ لكِ أختي جواب استشارتك من خلال النِّقاط الآتية:
أولاً: أولادك ما زالوا في سنٍّ صغيرة، وغالب الأطفال في سنِّ أولادك يكرهون الدِّراسة، لأنَّها تنقلهم من حياة الطُّفولة المنطلقة، إلى الانضباط بدوام ودراسة وواجبات، ولذلك لا بدَّ من تقدير ذلك، وأخذه بعين الاعتبار.
ثانيًا: إذا كنتِ غير قادرة على متابعة أبنائك بنفسك، ولا ترين أنَّك قادرة على الصَّبر عليهم، فأوكلي الأمر إلى والدهم، أو إلى مربٍّ مشهود له بالدِّين والخلق والخبرة والعلم، يتولى أمر متابعتهم دراسيَّا وأخلاقيَّا، فعصبيَّتك تفسد ولا تصلح، بل قد تكون سببًا في النُّفور الكامل لأولادك من الدِّراسة، وتركهم لها بالكليَّة.
ثالثًا: النَّفس البشرية بشكل عام لا تقبل الإكراه، ولذلك الله عزَّ وجلَّ لم يكره أحدًا على دخول الدِّين، بل جعل الأمر طواعية واختيارًا، ولذلك لو اتَّبعت طرقًا تربوية لتحبيبهم بطلب العلم، كالثَّناء على طلبة متميِّزين من أقرانهم أمامهم، والحديث على فضل العلم، ومكانة المتعلمين وقيمتهم في المجتمع، ولا قيمة للإنسان تذكر وتبقى إلا بالعلم، وكرِّري عبارة تحثُّ على العلم على مسامعهم، كقول: العلم يرفع بيوتًا لا عماد لها، والجهل يهدم بيت العزِّ والشرف، وكقول: يا طالب العلم تقدَّم، وكقول: لن تبلغ المجد حتَّى تلعق الصَّبِرا، وكقول: النَّعيم لا يُدرك بالنَّعيم، وكقول: يا أبنائي! العلم ..العلم. قصِّي عليهم قبل نومهم قصصًا عن علماء السَّلف، وصبرهم ومصابرتهم في طلب العلم كالإمام الشَّافعي، والإمام أحمد بن حنبل رحمهما الله تعالى.
رابعًا: حاولي أن تختاري لأولادك رفاقًا محبِّين للعلم، من الجيران والأقرباء، ثمَّ اخلطي أولادك معهم، بزيارتهم لهم، وأخذهم في رحلات موجَّهة لهذا القصد، ولا مانع من التَّنسيق مع أهل هؤلاء الطَّلبة، بأن يذهب أولادك يومًا مع دروسهم إليهم في بيتهم؛ ليكتبوا واجباتهم مع بعضهم، وكذلك قدومهم إلى بيتكم لنفس الغرض.
خامسًا: لا بدَّ من السُّؤال عن الأولاد في مدارسهم، والوقوف على حقيقة مستواهم الدِّراسي، وسؤال المدرسين واحدًا واحدًا عنهم، وتدوين ملاحظات المعلمين ومتابعتها، وكذلك سؤال المرشد الطُّلابي عن سلوكهم داخل المدرسة، ولا يمنع طرح مشكلتك مع الأولاد على المرشد الطُّلابي، واطلبي منه أن يقدِّم للأولاد ما يديه من توجيه وإرشاد، فقد يتقبَّل الطِّفل من غير والديه أحيانًا أكثر من والديه، واطلبي ممن يحبُّه أولادُك أن ينصحهم ويوجِّههم ويحبِّبَهم بالعلم والدِّراسة.
سادسًا: توجِّهي إلى الله تعالى بالدُّعاء، بأن يهدي أولادك لطلب العلم، وأن يحببهم ويسهل عليهم سبله، وأن يصبِّرك على نفورهم له، وأن يذهب عنك التَّوتُّر والعصبيَّة، فالعصبية في تربية الأجيال مرفوضة، وليكن شعارنا: بالحبِّ نربي أجيالنا، وثقي ثقة تامَّة، لو استخدمت أسلوب الحبِّ لحصَّلت نتائج عظيمة في تربية أبنائك، فتجنبي العصبية قدر الإمكان، لأنَّها تفسد ولا تصلح، وتهدم ولا تبني.
سابعًا: أمَّا ما يخصُّ عصبيتك، فبعد الالتجاء إلى الله بالدُّعاء أن يخلِّصك منها، أرى أن تعرضي نفسك على طبيب مختصٍّ، قد يفيدك بعلاج يخفِّف منها، وأكثري من قراءة القرآن، والمواظبة على أذكار الصًّباح والمساء وقبل النَّوم، فبذكر الله يطمئنُّ قلبك، ويهدأ بالك، وينشرح صدرك، وتذهب عصبيتك بعون الله وقدرته.
أسأل الله أن يُصلح لكِ النِّية والذُّرية، وأن يصلح بالكِ، إنَّه ولي ذلك والقادر عليه