9 ربيع الثاني 1435

السؤال

خطبت امرأة في العشرين من عمرها، لا تقول لي لا على أي شيء أطلبه منها، مهما كان هذا الشيء، حتى لو كان هذا الشيء هو أن تمكنني من نفسها، تفعل أي شيء، وأنا الآن حيران، فلست بالخبير الذي يعلم هل هي ساذجة أم أنها أخطأت قبل ذلك مع رجل غيري؟.
نعم أنا أخطأت معها لأني ضعفت أمامها، فهي في العشرين من عمرها، وأنا في الثلاثين من العمر، ولم أتزوج من قبل، فضعفت وأخطأت معها. وأنا الآن لا أعلم، أريد جوابًا، هل أتزوجها؟!
إني أريد أن أتزوجها لإحساسي بالذنب ليس إلا، ولكن لست أدري هل هي بالسذاجة التي تجعلها تمكنني من نفسها، أخشى أن تخطئ مع غيري، لا يهمني إن كانت قد أخطأت مع غيري من قبل أم لا، ولكن ما يهمني ألا تخطئ مع غيري بعد الزواج بها، دائمًا الشك بداخلي من ناحيتها، فماذا أفعل؟

أجاب عنها:
همام عبدالمعبود

الجواب

أخانا الحبيب:
السلام عليكَ ورحمة الله وبركاته، وأهلا ومرحبا بكَ، وشكر اللهُ لكَ ثقتكَ بإخوانِكَ في موقع (المسلم)، ونسأل الله (عز وجل) أن يجعلنا أهلا لهذه الثقة، آمين.. ثم أما بعد:
فقد قرأت رسالتك، وأود أن أوضح لك أن قولك (نعم أنا أخطأت معها لأني ضعفت أمامها) هو اعتراف صريح منك بالوقوع في كبيرة الزنا، والتي تستوجب منكما قبل كل شيء: المسارعة بالتوبة إلى الله عز وجل، والندم على ما فعلتما، والعزم عزمًا أكيدًا على عدم الرجوع إلى هذه الفاحشة المنكرة مرة أخرى.
كما أود أن أوضح لك أنه لا يجوز للزاني أن يتزوج بمن زنى بها إلا بعد التوبة النصوح من هذه الجريمة النكراء، فإذا تبينت التوبة وصح العزم عليها وتأكد صدقها فإنه يجوز لكما الزواج، بعدما يتم التأكد من براءة الرحم بشهر على الأقل كما قال بذلك أهل العلم.
وأما عن خوفك من عودتها للوقوع في هذه الجريمة مع غيرك بعد زواجك منها، فأقول لك: إذا كنت أنت الذي غررت بها للوقوع في الزنا بالضغوط والوعود بالزواج وغير ذلك، فيمكنك أن تتزوجها دون شك من عودتها لهذا الذنب مستقبلاً، وأما إذا كانت هي من غررت بك وتعمدت فتنتك وجرك إلى ارتكاب الفاحشة فأنت محق في مخاوفك منها، ولا أنصحك بالزواج منها.

واعلم أخي غفر الله ذنبك:
أن الأصل في الإسلام أن الزواج وسيلة نسعى من خلالها إلى تحقيق هدف، وليس غاية في حد ذاته، وهو طاعة يتقرب بها العبد إلى ربه سبحانه وتعالى، وإن الزواج نعمةٌ عظيمة منّ الله بها على عباده ذكورهم وإناثهم، أحله لهم، بل وأمرهم به، ورغّبهم فيه، فقال تعالى في محكم التنزيل: {فَانْكِحُوا مَا طَابَ لَكُمْ مِنَ النِّسَاءِ مَثْنَى وَثُلاثَ وَرُبَاعَ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تَعْدِلُوا فَوَاحِدَةً أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ} [النساء: من الآية3]. وقال تعالى: {وَأَنْكِحُوا الْأَيَامَى مِنْكُمْ وَالصَّالِحِينَ مِنْ عِبَادِكُمْ وَإِمَائِكُمْ إِنْ يَكُونُوا فُقَرَاءَ يُغْنِهِمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ} [النور:32].
وقد دعا النبي صلى الله عليه وسلم الشباب بالمبادرة إلى الزواج، إذا ما ملكوا مؤنته، فقال صلى الله عليه وسلم: "يا معشر الشباب من استطاع منكم الباءة فليتزوج، فإنه أغض للبصر وأحصن للفرج، ومن لم يستطع فعليه بالصوم فإنه له وجاء".
وأوضح الإسلام أن الناس يرغبون من النساء في أربع خصال، فقد روى أبو داود والنسائي عن أبي هريرة رضي الله عنه: قال النبي صلى الله عليه وسلم: "تنكح المرأة لأربع لمالها ولحسبها ولجمالها ولدينها فاظفر بذات الدين تربت يداك". رواه البخاري ومسلم وأصحاب السنن. وجاءت النصيحة النبوية واضحة بقوله: "فاظفر بذات الدين"، أي فكن ممن يرغبون من المرأة دينها، وصلاح حالها فهو الباقي، وهو الضمانة الأكيدة لاستمرار الحياة الزوجية.
ومن ثم فإن على من أرد الزواج أن يستعين بالله عز وجل، ويتوكل عليه، ويطلب منه المعونة والتوفيق، ثم عليه أن يحسن الاختيار، وأن يتمهل ويتأنى، وأن يتحرى ويتثبت لينال مراده، ويفوز بالزوجة الصالحة التي تحفظ له نفسها وولدها وماله وتعينه على أمر دينه.
أخي الكريم: ما تقدم هو ما يجب أن يكون عليه المسلم إذا ما أراد الزواج، ليبني أسرة صالحة، تكون لبنة قوية في بناء المجتمع المسلم... أما عن نصيحتي لك فيمكن إجمالها في النقاط التالية:
1) تب إلى الله عز وجل واستغفر لذنبك: لأن في قولك (نعم أنا أخطأت معها لأني ضعفت أمامها) اعترافاً صريحاً منك بالوقوع في المعصية، وعندما عدد الله عز وجل صفات عباد الرحمن قال: {وَعِبَادُ الرَّحْمَنِ الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الأَرْضِ هَوْنًا....} حتى وصل إلى قوله تعالى: {...وَلاَ يَزْنُونَ وَمَن يَفْعَلْ ذَلِكَ يَلْقَ أَثَامًا * يُضَاعَفْ لَهُ الْعَذَابُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَيَخْلُدْ فِيهِ مُهَانًا} غير أنه سبحانه استدرك قائلا {إِلاَّ مَن تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلاً صَالِحًا فَأُولَئِكَ يُبَدِّلُ اللهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ وَكَانَ اللهُ غَفُورًا رَّحِيمًا * وَمَن تَابَ وَعَمِلَ صَالِحًا فَإِنَّهُ يَتُوبُ إِلَى اللهِ مَتابًا} [63- 71/ من سورة الفرقان]. فباب التوبة مفتوح فبادر إليها.
2) أصلح ما أفسدته: فإن من أفسد شيئًا فعليه إصلاحه، وعليك أخي أن تجدد النية من وراء هذا الزواج، بأنها تكفير عن ذنبك في حقها، وللستر عليها حتى لا يفتضح أمرها.
3) ابدأ معها صفحة جديدة: ولا تحاسبها على ما كان منها قبل زواجك بها، لعل الله يصلحها لك، وتكون أنت سببًا في صلاحها واستقامتها وتوبتها وعودتها إلى الله.
4) انزع الشك من قلبك: واعلم أنها مسئولة منك أمام الله منذ صارت في عصمتك، ومذ أصبحت لها زوجًا، فحافظ عليها، وعلمها أمور دينها.
5) ابتعدا عن أرض المعصية: وخاصة إن كان هناك من يعلم بعلاقتكما قبل الزواج، ويمكنك أن تستأجر لها منزلا بعيدًا عن الحي أو المنطقة التي شهدت معاصيكما، واذهبا بعيدا فإلى أرضٍ جديدة، لا يعرفكما فيها أحد.
6) ادفع بها إلى بعض الأخوات الصالحات: تعش بينهن، وتتعلم منهن، فقد صدق رسول الله صلى الله عليه وسلم إذ يقول: "المرء على دين خليله فلينظر أحدكم من يخالل".
وختامًا؛ نسأل الله -عز وجل- أن يتقبل منك نيتك الطيبة وأن يثيبك عنها خيرًا، وأن يصرف عنك الفتور، وأن يعينك بإخوة صالحين وأصدقاء مخلصين على طاعته ونيل رضاه، كما نسأله سبحانه أن يصرف عنك كيد الشيطان ومكره.. اللهم آمين.. وصل اللهم على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم. وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.